كتب تاريخيةمكتبة النفيس

عرض لبعض فقرات كتاب: عندما يحكم العبيد!!

مقدمة الطبعة الثانية

عرض لبعض فقرات كتاب: عندما يحكم العبيد!!

مقدمة الطبعة الثانية

كتب هذا الكتب وطبع طبعته الأولى صيف 2005.

هذا الكتاب يغطي أكثر من ستة قرون من تاريخنا المعتم عليه عمدا مع سبق الإصرار والترصد.

لا شك أن خداع الناس وتضليلهم يبدأ من تزوير التاريخ وتقديمه مرقعا مزورا مزيفا يبدأ من تصوير ما حدث يوم السقيفة كأنها قمة الديموقراطية والتجسيد الحي للشورى ثم التقاط بعض الأمجاد والبطولات ومطها وتضخيمها ثم تعميمها على المرحلة التي يراد طلاؤها بالذهب قبل تقديمها للناس تحت عنوان (هذا تاريخنا)!!.

التعميم لا يكفي ولا يكتمل إلا بالتعتيم على بعض الأحداث المرعبة المهولة مثل فاجعة كربلاء وعدم التعرض لذكرها لا في كتاب المدرسة ولا في كتاب الأسرة ولا على شاشة التلفاز أو خشبة المسرح ولا حول ولا قوة إلا بالله!!.

ززوووممم كبير على قيام صلاح الدين بهزيمة الفرنج في موقعة حطين ثم إخراجهم من القدس، وكأن هذا كان كل تاريخ يوسف بن أيوب وصولا إلى تقديم خلاصة عنوانها (جيل صلاح الدين) الذي يتعين علينا إعادة بنائه، مع أن أولاده وأحفاده هم من سلم القدس للفرنج بعد ذلك مرتين!!.

دولة العبيد المماليك التي افتتحها عز الدين أيبك التركماني وقطز والظاهر بيبرس هي دولة إسلامية عظيمة لأنها انتصرت على التتر في عين جالوت مع أنه لم يكن هناك فارق كبير بين هؤلاء وهؤلاء فكلهم كانوا من الغز المجرمين والفارق الوحيد كان فارق الموقع فهؤلاء جاءوا من آسيا الوسطى والآخرين جاءوا من القوقاز لكنهم كانوا يحكمون مصر.

التتر الذين اجتاحوا الشام عام 803 هـ بقيادة تيمور لنك وانتهكوا منها كل حرمة وقتلوا مئات الآلاف وانتهكوا الأعراض جهارا نهارا كانوا ينتمون للإسلام فعليا وكانت رسائل تيمور عامرة بالنصوص القرآنية.

التاريخ يقول (هذا إسلامكم) ونحن منه براء! ومع ذلك لا أحد أشار من قريب ولا من بعيد للدور القذر الذي قام به قاضي الحنابلة في دمشق ابن مفلح في تخذيل الناس عن مواجهة تيمورلنك كما أن أحدا لم يفسر لنا لماذا أفلت (ابن خلدون) – المشهور- بجلده هاربا من دمشق تاركا أهلها للذبح والإبادة رغم أنه من وجهة نظر كثير من كتاب عصرنا الأغبر كاد أن يصبح نبيا وهو كذا وكذا!!.

ابن خلدون عند هؤلاء (نصف نبي) فهو مكتشف نظرية العمران وو ولو استطاعوا لأضافوا لاكتشافاه نظرية النسبية بينما يقول التاريخ أنه كان مجرد واعظ من وعاظ السلاطين وقاضي من قضاء الظلم والعدوان وأنه بعد إرساله إلى دمشق مبعوثا من سيده برقوق وبعد أن أدرك أن سيف تيمور البتار يوشك أن يحز رقبته هرب وعاد إلى القاهرة: (وكان قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي بداخل مدينة دمشق‏ فلما علم بتوجه السلطان تدلى من سور المدينة وسار إلى تمرلنك فأكرمه وأجله وأنزله عنده ثم أذن له في المسير إلى مصر فسار إليها وتتابع دخول المنقطعين بدمشق إلى القاهرة في أسوأ حال من المشي والعري والجوع).‏ ههههه

أما أوزار البشرية وخطاياها فقد تحملها الوزير ابن العلقمي لأنه كان (شيعيا) وهو الذي سلم مفاتيح بغداد لهولاكو ومن ثم صار رمزا ليس فقط لخيانته بل لخيانة كل الشيعة لقضايا الأمة ورغم أن الخليفة العباسي هو من أرسل يستدعي التتار لحكم بغداد والعهدة على ابن خلدون (الذي أطمع التتار في ملك العراق لما كان بينه وبين خوارزم شاه من الفتنة).

أكثر قليلا من ستة قرون عاشتها أمة محمد في حال التيه والضياع ورغم ذلك ستسمع الحمقى ممن يسمون أنفسه إسلاميين وهم يزعمون أنها كانت أزهى عصور الديموقراطية والحكم بما أنزل الله، رغم محاولة الشيعة لتشويهها!!.

دكتور أحمد راسم النفيس

المنصور مصر

‏24‏/11‏/2019

الظاهر برقوق!!!

 

القاهرة عاصمة الشذوذ الجنسي!!

إنه نفس المصطلح الذي استخدمه شيخنا المقريزي عندما حكى عن ذلك الشيء المسمى بالظاهر برقوق الذي حكم مصر أواخر القرن الثامن الهجري فقال: (وكان حازماً مهاباً محباً لأهل الخير والعلم إذا أتاه أحد منهم قام إليه و لم يعرف قبله أحد من ملوك الترك يقوم لفقيه!! إلا أنه كان محباً لجمع المال‏ وحدث في أيامه تجاهر الناس بالبراطيل (الرشاوى) فلا يكاد أن يلي أحد وظيفة ولا عملاً إلا بمال فترقى للأعمال الجليلة والرتب السنية الأراذل وفسد بذلك كثير من الأحوال‏ وكان مولعاً بتقديم الأسافل وحط ذوي البيوتات وغيَّر ما كان للناس من الترتيب وعادى أكابر التركمان والعربان ببلاد الشام ومصر والحجاز‏.‏ واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة (فقط لا غير!!)‏:‏ إتيان الذكران حتى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان لينفق سوق فسوقهن وذلك لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان وتهمته (..) وتهمة أمرائه بعمل الفاحشة فيهم‏ والتظاهر بالبراطيل التي يستأديها واقتدى الولاة به في ذلك حتى صار عرفاً غير منكر البتة‏.‏وكساد الأسواق وقلة المكاسب لشحه وقلة عطائه‏ وبالجملة فمساوئه أضعاف حسناته‏ ولقد بعث العبد الصالح جمال الدين عبد الله السَكسيوي المغربي يخبر أبي – رحمهما اللّه – أنه رأى في منامه أن قرداً صعد منبر الجامع الحاكمي وخطب ثم نزل ودخل المحراب ليصلي بالناس الجمعة فثار الناس عليه في أثناء صلاته بهم وأخرجوه من المحراب‏ وكانت هذه الرؤيا في أخريات سلطة الملك الأشرف شعبان ابن حسين وفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة‏ فكان تقدمه على الناس وسلطنته تأويل هذه الرؤيا فإنه كان متخلقاً بكثير من أخلاق القردة شحاً وطمعاً وفساداً ورذالة ولكن اللّه يفعل ما يريد)‏.

إنها إذا أخلاق القرود التي أسس لها الأمويون وواصلها من جاء بعدهم من العباسيين والأيوبيين شحا وطمعا وفسادا‏ ورذالة ناهيك عن القتل والإجرام والصراعات التي لا تهدأ لا بالليل ولا بالنهار فمتى انشغل هؤلاء القرود بمصالح العباد؟!.

لا جرم أن (تمزق شمل المسلمين في جميع أقطار الأرض ودهمهم الجراد فلم يترك بها خضراء فاشتد بها الغلاء على أهل البلاد وشنع موتهم واستمرت الفتن وقصر مدّ النيل بمصر حتى شرقت الأراضي إلا قليلًا وعظم الغلاء والفناء فباع أهل الصعيد أولادهم من الجوع وصاروا أرقاء مملوكين وشمل الخراب الشنيع عامة أرض مصر وبلاد الشام من حيث يصب النيل من الجنادل إلى حيث مجرى الفرات).

أو كما قال المقريزي في وصف أحوال تلك الفترة التي استهلها (بطل الإسلام صلاح الدين) بقضائه على الحضارة الفاطمية ليخلو له الجو لإقامة الحضارة الأيوبية الزرقاوية التكريتية الخوارجية.

السلطان برقوق…. ملك الشذوذ!!

مؤسس دولة المماليك الجراكسة:

وهم اللاض والروس وكلهم كانوا في مملكة صاحب مدينة سراي قاعدة خوارزم وملوك هذه الطوائف كانوا رعية لملك سراي فإن داروه وهادوه كف عنهم وإلا غزاهم وحصرهم وكم مرة قتلت عساكره منهم خلائق وسبت نساءهم وأولادهم وجلبتهم رقيقًا إلى الأقطار فأكثر المنصور قلاوون من شرائهم وجعلهم وطائفة اللاض جميعًا في أبراج القلعة وسماهم البرجية فبلغت عدّتهم ثلاثة آلاف وسبعمائة وعمل منهم أوشاقية وجمقدارية وجاشنكيرية وسلاحدارية وأوّلهم‏:‏ السلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق بن آنص‏:‏ أُخِذَ من بلاد الجركس وبيع ببلاد القرم فجلبه خواجا فخر الدين عثمان بن مسافر إلى القاهرة فاشتراه منه الأمير الكبير يلبغا الخاصكي واعتقه وجعله من جملة مماليكه الأجلاب فيُعرف ببرقوق العثماني‏.‏

ولو كلف السادة المؤرخون أنفسهم لاكتشفوا أن هؤلاء العبيد الجراكسة هم من سلم مصر بعد ذلك للعثمانيين السلاجقة وتحديدا المدعو خاير (خاين) بك وهم أنفسهم الذي بقوا يهيمنون على مصر وثرواتها بل وعلى الدولة بأسرها حتى حدث الصدام الشهير بينهم وبين الثائر المصري السيد/ أحمد عرابي الحسيني.

فلما قتل يلبغا أخرج الملك الأشرف الأجلاب من مصر فسار منهم برقوق إلى الكرك فأقام في عدّة منهم مسجونًا بها عدة سنين ثم افرج عنه وعمن كان معه فمضوا إلى دمشق وخدموا عند الأمير منجك نائب الشام حتى طلب الأشرف اليلبغاوية فقدم برقوق في جملتهم واستقر في خدمة ولدي السلطان علي وحاجي مع من استقر من خشداشيته فعرفوا باليلبغاوية إلى أن خرج السلطان إلى الحج فثاروا بعد سفره وسلطنوا ابنه عليًا وحكم في الدولة منهم المير قرطاي الشهابي فثار عليه خشداشية أيبك البدري فأخرجه إلى الشام وقام بعده بتدبير الدولة وخرج إلى الشام فثارت عليه اليلبغاوية وفيهم برقوق وقد صار من جملة الأمراء فعاد قبل وصوله بلبيس ثم قُبض عليه وقام بتدبير الدولة غير واحد في أيام يسيرة.

 

فركب برقوق في يوم الأحد ثالث عشري ربيع الآخرة سنة تسع وسبعين وسبعمائة وقت الظهيرة في طائفة من خشداشيته وهجم على باب السلسلة وقبض على الأمير يلبغا الناصري وهو القائم بتدبير الدولة وملك الأصطبل وما زال به حتى خلع الصالح حاجي وتسلطن في يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة وقت الظهر فغير العوايد وأفنى رجال الدولة واستكثر من جلب الجراكسة إلى أن ثار عليه الأمير يلبغا الناصري وهو يومئذ نائب حلب وسار إليه ففرّ من قلعة الجبل في ليلة الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وملك الناصري قلعة الجبل في ليلة الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وأعاد الصالح حاجي ولقبه بالملك المنصور وقبض على برقوق وبعثه إلى الكرك فسجنه بها فثار الأمير منطاش على الناصري وقبض عليه وسجنه بالإسكندرية وخرج يريد محاربة برقوق وقد خرج من سجن الكرك وسار إلى دمشق في عسكر فحاربه برقوق في دمشق وملك ما معه من الخزائن وأخذ الخليفة (العباسي) والسلطان حاجي والقضاة وسار إلى مصر فقدمها يوم الثلاثاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين واستبد بالسلطنة حتى مات ليلة الجمعة للنصف من شوال سنة إحدى وثمانمائة فكانت مدّته أتابكًا وسلطانًا إحدى وعشرين سنة وعشرة أشهر وستة عشر يومًا خلع فيها ثمانية أشهر وتسعة أيام‏ وقام من بعده ابنه‏.

مأساة دمشق وابن العلقمي!!

عندما قرأت عن مأساة دمشق قررت أن أجهز أوراقي وملفاتي للدفاع عن الشيعة عامة وابن العلقمي خاصة رغم أن هذه المأساة وقعت بعد وفاة ابن العلقمي بأكثر من مائة عام واستقرار خيال الظل المسمى بالخليفة العباسي في تلك التي كانت (قاهرة) المعز فأصبحت مقهورة (صلاح الدين وأيتامه المماليك) أجداد (صدام وأيتامه) حفظهم الله ذخرا لكل وطن يراد القضاء عليه وتدمير حضارته.

لكنه بعد البحث والتحري في دفتر تلك الكارثة الإنسانية المروعة التي لحقت بدمشق لم يستدل على أي متهم شيعي أو حتى يبدأ اسمه بحرف الشين (اللعين) فكان أن قرر (قضاة العدالة الإسلامية المملوكية) إسدال الستار على الواقعة وعدم ذكرها لا في كتب التاريخ ولا في قناة اقرأ التي لا تقرأ واعتبار الأمر كأن شيئا لم يكن والاكتفاء بتوجيه الاتهام بسقوط بغداد وسيناء لابن العلقمي رغم أنه مات قبل الواقعة الأولى بأكثر من مائة عام وقبل الثانية بسبمعائة عام وهذا هو عين العدالة الإلهية على الطريقة المملوكية و (هذا هو إسلامنا) أعجبكم أو لم يعجبكم؟!.

بدأت فصول المأساة عام  795هـ أي أثناء حكم ملك الشذوذ السلطان برقوق لمصر والشام (والرواية للمقريزي في السلوك) عندما‏ قدم رسول صاحب ماردين بأن تَيْمور لنك أخذ تبريز وبعث إليه يستدعيه بها فاعتذر بمشاورة سلطان مصر فلم يقبل منه وقال‏:‏ ليس لصاحب مصر عليك حكم ولأسلافك دهر بهذا الأقليم ‏ وأرسل إليه خلعة وصكة ينقش بها الذهب والدنانير[1]‏.‏

ثم قتل تيمورلنك شاه منصور ملك شيراز وبعث برأسه إلى بغداد‏.‏

ثم أن تيمور لنك مَلَكَ بغداد وذلك أن ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته وبالغ في ظلم رعيته وانهمك في الفجور (لا جديد ولا أحد يتعلم الدروس من نكبات المسلمين؟!) فكاتب أهلُ بغداد (وليس ابن العلقمي) تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثونه على المسير إليهم فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند ويبعد عن بغداد مسيرة يومين‏ فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني فأكرمه تيمور وقال‏‏ ‏”‏أنا أترك بغداد لأجلك‏”‏ وطبعا صدق الشيخ ‏أن تيمور لنك سيترك بغداد من أجل سواد عينيه وتقواه وورعه (؟؟!!) والأمر كله على طريقة خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء!!! وكذا وعاظ السلاطين في كل حين!![2].‏

فبعث الشيخ نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد وقدم في إثرها‏.‏

أما تيمور فقد سار يريد بغداد من طريق أخر فلم يشعر ابن أويس إلا وتيمور قد نزل غربي بغداد قبل أن يصل إليها الشيخ فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر ورحل بأمواله وأولاده وقت السحر وترك البلاد فدخل إليها تيمور وأرسل ابنه في إثر ابن أويس فأدركه بالحلة ونهب ماله وسبى حريمه وقتل وأسر كثيراً ممن معه‏ ونجا ابن أويس في طائفة وهم عراة‏ فقصد حلب ولحق به من تبقى من أصحابه‏.‏

وأما تَيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاث مرات في كل مرة منهم ألف تومان وخمسمائة تومان وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقية والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة حتى أفقرهم كلهم‏ وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم بعد أن تنوع في عقوبتهم وسقاهم الملح والماء وشواهم على النار ولم يبق لهم ما يستر عوراتهم‏ وصاروا يلتقطون الخرق من الطرقات حتى تستر عوراتهم وتغطى رؤوسهم‏.‏

ثم إنه بعث ابنه إلى الحلّة فوضع في أهلها السيف يوماً وليلة وأضرم فيها النار حتى احترقت وفنى معظم أهلها ويقال إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس‏.‏

وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة فلقيهم صاحبها الأمير صالح بن جولان وحاربهم وأسر ابن تيمور وقتل منهم خلقاً كثيراً فبعث إليه عسكراً آخر في دجلة فظفر بهم صالح أيضاً[3]‏.‏

وأمر في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمور لنك فإنه قصد أخذ البلاد وقتل العباد وهتك الحريم وقتل الأطفال وأحرق الديار فاشتد بكاء الناس وعظم خوفهم .‏

الرسالة الصفعة!!

وفي سنة 796هـ ركب السلطان برقوق للصيد وكان البريد قد ورد بحضور رسل تيمور لنك بهدية إلى أول حدود المملكة فكتب بقتل الرسل فلما قدمت رسل النواب بهدية تيمور لنك إذا هي‏:‏ تسعة مماليك وتسع جواري وغير ذلك فوجد من جلة المماليك ابن وزير بغداد وابن قاضيها وابن محتسبها وليس فيهم سوى مملوك واحد فتركهم لحالهم وتزي ابن القاضي بزي الفقهاء‏.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشره‏:‏ نزل السلطان إلى لقاء ابن أويس (ملك بغداد الطاغية المهزوم) في جميع العساكر وقعد بمسطبة مطعم الطيور من الريدانية خارج القاهرة إلى أن قرب منه ابن أويس ونزل عن فرسه عدة خطوات فمضى إليه الأمير بدخاص حاجب الحاجب ومن بعده الأمراء للسلام عليه والأمير بدخاص يعرفه اسم كل أمير ووظيفته وهم يقبلون يده حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا فقال للأمير بدخاص‏:‏ ‏”‏ هذا ابن أستاذ السلطان ‏”‏‏.‏

فعانقه ابن أويس ولم يدعه يقبل يده‏ ثم جاء بعده الأمير بكلمش أمير سلاح فعانقه أيضاً ثم بعده الأمير الكبير أيتمش رأس نوبة فعانقه ثم الأمير سودن النائب فعانقه ثم الأمير كمشبغا الحموي أتابك العساكر فعانقه‏ وانقضى سلام الأمراء فقام عند ذلك السلطان ونزل عن المسطبة ومشى نحو العشرين خطوة وهرول ابن أويس حتى التقيا فأومأ ابن أويس لتقبيل يد السلطان فلم يمكنه وعانقه وبكيا ساعة‏ ثم مضيا والسلطان يطيب خاطره وبعده بعوده إلى ملكه ويده في يده حتى صعدا إلى المسطبة وجلسا معاً على البساط من غير كرسي وتحادثا طويلاً‏.‏

وفيه نزل السلطان من القلعة إلى الإصطبل وخرج من باب السلسلة بالرميِلة وقد وقف القان أحمد بن أويس وجميع الأمراء وسائر العساكر وقد لبسوا للحرب ومعهم أطلابهم فسار السلطان وعليه قرقل بغير أكمام وكلفته على رأسه وتحته فرس بعرقية من صوف سمك إلى باب القرافة والعساكر قد ملأت الرميلة فرتَب بنفسه أطلاب الأمراء ومر في صفوفهم عوداً وبدءاً حتى ترتبت أحسن ترتيب ومضى إلى قبر الإمام الشافعي فزاره وتصدق على الفقراء[4]‏.‏

رسالة تيمور لنك

وَفِيه قدم كتاب تيمور لنك يتَضَمَّن الإرعاد والإبراق وينكر قتل رسله وَنَصه:

(قُل اللْهُم فَاطِرَ السمَواتِ وَالأرْض عَاِلمَ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُم بَينَ عَبادِكَ فِيمَاكَانُوا فِيْهِ يَختَلِفَون).

اعلموا أَنا جند الله مخلوقون من سخطه مسلطون على من حل عَلَيْهِ غَضَبه لَا نرق لشاكي وَلَا نرحم باكي قد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبنَا فالويل ثمَّ الويل لمن لم يكن من حزبنا وَمن جهتنا. فقد خربنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأظهرنا فِي الأَرْض الْفساد وذلت لنا أعزتها وملكنا بِالشَّوْكَةِ أزمتها فَإِن خيل ذَلِك على السَّامع وأشكل وَقَالَ إِن فِيهِ عَلَيْهِ مُشكل فَقل لَهُ: إِن الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلة وَذَلِكَ لِكَثْرَة عددنا وَشدَّة بأسنا فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وأسنتنا بوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وجيوشنا كعمد الرمال وَنحن أبطال وأقيال وملكنا لَا يرام وجارنا لَا يضام وعزنا أبدا بالسؤدد مقَام فَمن سالمنا سلم وَمن رام حربنا نَدم وَمن تكلم فِينَا بِمَا لَا يعلم جهل وَأَنْتُم فَإِن أطعتم أمرنَا وقبلتم شرطنا فلكم مَا لنا وَعَلَيْكُم مَا علينا وَإِن أَنْتُم خالفتم وعَلى بَغْيكُمْ تماديتم فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم فالحصون منا مَعَ تشييدها لَا تمنع والمدائن بشدتها لقتالنا لَا ترد وَلَا تَنْفَع ودعاؤكم علينا لَا يُسْتَجَاب فِينَا وَلَا يسمع وَكَيف يسمع الله دعاءكم وَقد أكلْتُم الْحَرَام وضيعتم جَمِيع الْأَنَام وأخذتم أَمْوَال الْأَيْتَام وقبلتم الرِّشْوَة من الْحُكَّام وأعددتم لكم النَّار وَبئسَ الْمصير إِن الذِيْنَ يَأْكُلُون أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلماً إِنمَا يَأْكُلُون فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسيصلون سعِيَراً. فَلَمَّا فَعلْتُمْ ذَلِك وأوردتم أَنفسكُم موارد المهالك. وَقد قتلتم الْعلمَاء وعصيتم رب الأَرْض وَالسَّمَاء وأرقتم دم الْأَشْرَاف وَهَذَا وَالله هُوَ الْبَغي والإسراف فَأنْتم بذلك فِي النَّار خَالدُونَ وَفِي غَد يُنَادي عَلَيْكُم: الْيوَمَ تُجزون عَذَابَ الهَون بمَا كُنْتُم تستَكْبِرُون فِي الأَرضِ بغَيْرِ الْحَق وَبمَا كُنتم تَفْسقُون فأبشروا بالمذلة والهوان يَا أهل الْبَغي وَالعدوان وَقد غلب عنْدكُمْ أننا كفرة وَثَبت عندنَا أَنكُمْ وَالله الْكَفَرَة الفجرة. وَقد سلطنا عَلَيْكُم إِلَه لَهُ أُمُور مقدرَة وَأَحْكَام مُدبرَة فعزيزكم عندنَا ذليل وكثيركم لدينا قَلِيل لأننا ملكنا الأَرْض شرقاً وغرباً وأخذنا مِنْهَا كل سفينة غصبا. وَقد أوضحنا لكم الْخطاب فَأَسْرعُوا برد الْجَواب قبل أَن ينْكَشف الغطاء وتضرم الْحَرْب نارها وتضع أَوزَارهَا وَتصير كل عين عَلَيْكُم باكية وينادي مُنَادِي الْفِرَاق: هَل ترى لَهُم من بَاقِيَة ويسمعكم صارخ الْفناء بعد أَن يهزكم هزاً هلْ تَحِس مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تسمع لَهُم رِكزاً وَقد أنصفناكم إِذْ راسلناكم فَلَا تقتلُوا الْمُرْسلين كَمَا فَعلْتُمْ بالأولين فتخالفوا كعادتكم سنَن الماضين وتعصوا رب الْعَالمين فَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين. وَقد أوضحنا لكم الْكَلَام فَأَسْرعُوا برد جَوَابنَا وَالسَّلَام.

فكتب جَوَابه بعد الْبَسْمَلَة: قُل اللْهُم مَالِكَ المُلْكِ تؤتي الْملك مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزَع الْمُلْك مِمَّن تَشَاء وتُعِز مَنْ تَشَاءُ وَتُذل مَن تَشَاء حصل الْوُقُوف على ألفاظكم الكفرية ونزعاتكم الشيطانية فكتابكم يخبرنا عَن الحضرة الجنابية وسيرة الْكَفَرَة الملاكية وأنكم مخلوقون من سخط الله ومسلطون على من حل عَلَيْهِ غضب الله وأنكم لَا ترقون لشاك وَلَا ترحمون عسيرة باك وَقد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبكُمْ فَذَاك أكبر عيوبكم وَهَذِه من صِفَات الشَّيَاطِين لَا من صِفَات السلاطين ويكفيكمِ هَذِه الشَّهَادَة الكافية وَبِمَا وصفتم بِهِ أَنفسكُم ناهية قُل يَا أيهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعبدُ مَا تَعْبدُونَ وَلاَ أَنْتُم عَابدون مَا أَعبد وَلاَ أَنَا عَابد مَا عَبَدتُمْ لكُمْ دِيْنُكُمْ وَليَ دِيْن فَفِي كل كتاب لعَنتم وعَلى كل لِسَان كل مُرْسل نعيتم وَبِكُل قَبِيح وصفتم وَعِنْدنَا خبركم من حِين خَرجْتُمْ إِنَّكُم كفرة أَلا لعنة الله على الْكَافرين من تمسك بالأصول فَلَا يُبَالِي بالفروع نَحن الْمُؤْمِنُونَ حَقًا لَا يدْخل علينا عيب وَلَا يضرنا ريب الْقُرْآن علينا نزل وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِنَا رَحِيم لم يزل فتحققنا نُزُوله وَعلمنَا ببركته تَأْوِيله. فَالنَّار لكم خلقت ولجلودكم أضرمت إِذا السَّمَاء انفطرت. وَمن أعجب الْعجب تهديِد الرتوت بالتوت وَالسِّبَاع بالضباع والكماة بِالْكُرَاعِ. نَحن خيولنا برقية وسهامنا عَرَبِيَّة وسيوفنا يَمَانِية وليوثنا مضرية وأكفنا شَدِيدَة الْمضَارب وصفتنا مَذْكُورَة فِي الْمَشَارِق والمغارب إِن قتلناكم فَنعم البضاعة وَإِن قتل منا أحد فبينه وَبَين الْجنَّة سَاعَة. َلاَ تَحْسبَن الذِينَ قُتِلُوا فِي سبيلِ الله أَموَاتاً بَل أَحياء عِندَ رَبهم يرْزقُونَ فَرحِينَ بمَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضله ويستبشرونَ بِالذِينَ لَمْ يَلحقُوا بِهم مِنْ خَلفِهِم أَلا خوْفٌ عَلَيْهم وَلاَ هُم يَحزَنُون يستبشرون بنعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَن الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المْؤْمِنِين. وَأما قَوْلكُم قُلُوبنَا كالجبال وَعددنا كالرمال فالقصَّاب لا يبالي بكثرة الغنم وكثير الحطب يفنيه القليل من الضرم (فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).

الْفِرَار الْفِرَار من الرزايا وحلول البلايا. وَاعْلَمُوا أَن هجوم الْمنية عندنَا غَايَة الأمنية وَإِن عِشْنَا عِشْنَا سعداء وَإِن قتلنَا قتلنَا شُهَدَاء أَلا إِن حزب الله هم الغالبون. أبعد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة رب الْعَالمين تطلبون منا طَاعَة. لَا سمع لكم وَلَا طَاعَة وطلبتم أَن نوضح لكم أمرنَا قبل أَن ينْكَشف الغطاء فَفِي نظمه تركيك وَفِي سلكه تلبيك لَو كشف الغطاء لبان الْقَصْد بعد بَيَان أكفر بعد إِيمَان. أم اتخذتم إِلَهًا ثَان. وطلبتم من مَعْلُوم رَأْيكُمْ أَن نتبع ربكُم لَقَدْ جئتمْ شَيئاً إِدا تكادُ السمَوات يَتَفَطرْن مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْض وَتَخِرُّ الجبالُ هَدا قل لكَاتبك الَّذِي وضع رسَالَته وَوصف مقَالَته: وصل كتابك كضرب ربَاب أَو كطنين ذُبَاب. كلا سنكتب مَا يَقُول ونمد لَهُ من الْعَذَاب مدا ونرثه مَا يَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وسيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُون. لقد لبكتم فِي الَّذِي أرسلتم.

وَالسَّلَام[5].

نهب أموال اليتامى من أجل الجهاد في سبيل الله:

وفي عشرينه‏:‏ قبض ما وقع الاتفاق عليه من مال الأيتام وذلك أن السلطان احتاج إلى المال بسبب السفر فسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي أن يقرضه من مال الأيتام فامتنع كما امتَنع من قرض منطاش‏.‏ فلما سمع ذلك البحر محمد بن أبي البقاء وجد سبيلاً إلى ولايته ووعد على عوده إلى القضاء بمال يقوم به هو وأن يقرض السلطان خمسمائة ألف وستين ألف درهم من مال الأيتام فأجيب واستقر كما ذكر‏.‏ ونزل إليه الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب في يومه هذا وقبض المبلغ المذكور‏.[6]

سنة اثنتين وثمانمائة

وفيه استدعى الخليفة وقضاة القضاء والأمراء وأعيان الدولة وأعلموا أن تمرلنك وصل إلى سيواس وأخذها ووصلت مقدمته إلى مرعش وعين تاب والقصد أخذ مال من التجار إعانة على النفقة في العساكر‏.‏

فقال القضاة‏:‏ أنتم أصحاب اليد وليس لكم معارض وإن كان القصد الفتوى فلا يجوز أخذ مال أحد ويخاف من الدعاء على العساكر إن أخذ مال التجار فقيل لهم نأخذ نصف الأوقاف نقطعها للأجناد البطالين فقيل وما قدر ذلك ومتى اعتمد في الحرب على البطالين من الأجناد خيف أن يأخذوا المال ويميلون عند اللقاء مع من غلب وطال الكلام حتى استقر الرأي على إرسال الأمير أسنبغا الحاجب لكشف الأخبار وتجهيز عساكر الشام إلى جهة تمرلنك‏.‏

وذلك أنه قدم البريد من أسنبغا أن تمرلنك نزل على بزاعة ظاهر حلب فبرز نائب طرابلس بسبعمائة فارس إلى حاليش تمرلنك وهم نحو ثلاثة آلاف‏.‏

وترامي الجمعان بالنشاب ثم اقتتلوا وأخذ من التتار أربعة وعاد كل من الفريقين إلى موضعه فوسط الأربعة على أبواب مدينة حلب‏.‏

وأما دمشق فإن أهل محلاتها اجتمعوا في ثانية ومعهم أهل النواحي بالميدان وحملوا الصناديق الخليفتية وشهروا السيوف ولعبوا بين يدي النائب ثم انفضوا‏.‏

وخرج في ثالثه القضاة في جمع كبير ونادوا بقتال تمرلنك وحرضوا الناس عليه وفرض على البساتين والدور مالاً وقدم الأمير أسنبغا من القاهرة في سابعه بتجهيز العساكر وغيرهم لحرب تمرلنك‏.‏

فقرئ كتاب السلطان بذلك في الجامع ونودي في تاسعه بألا يؤخذ من أحد شيء مما فرض على الدور وغيرها‏.‏

وفيه قدم رسول تمر بكتابه للمشايخ والأمراء والقضاة بأنه قدم في عام أول إلى العراق يريد أخذ القصاص ممن قتل رسله بالرحبة ثم عاد إلى الهند لما بلغه ما ارتكبوه من الفساد فأظفره الله بهم‏.‏

وفي تلك الأثناء بلغ تيمور لنك موت الظاهر برقوق فعاد وأوقع بالكرج‏.‏

وقدم الخبر من حلب بنزول تمر على بهسنا فأخذ الناس في الرحيل من دمشق فمنعهم النائب من ذلك ورحل النائب من برزه في ثاني عشرينه يريد حلب فلقيه نائب طرابلس في طريقه‏.‏

وكان من خبر أخذ تمرلنك مدينة حلب أنه لما نزل على عين تاب بعث إلى دمرداش نائب حلب يعده باستمراره في نيابة حلب ويأمره بمسك الأمير سودن نائب الشام‏.‏

فلما قدم عليه الرسول بذلك أحضره إلى نواب ممالك الشام وقد حضروا إلى حلب وهم‏:‏ سودن نائب دمشق وشيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة وألطنبغا العثماني نائب صفد وعمر بن الطحان نائب غزة بعساكرها فاجتمع منهم بحلب نحو ثلاثة آلاف فارس منهم عسكر دمشق ثمانمائة فارس إلا أن الأهواء مختلفة والآراء مفلولة والعزائم محلولة والأمر مدبر‏.

الهجوم على حلب

ونزل تمر خارج حلب وأحاط بسورها وكانت بين الحلبيين وبينه في هذين اليومين حروب‏ فلما أشرقت الشمس يوم السبت حادي عشره خرجت نواب الشام بالعساكر وعامة أهل حلب إلى ظاهر المدينة وعبوا للقتال‏.‏

ووقف سودن نائب دمشق في الميمنة ودمرداش في الميسرة وبقية النواب في القلب وقدموا أمامهم عامة أهل حلب‏.‏

فزحف تمرلنك بجيوش قد سدت الفضاء فثبت الأمير شيخ نائب طرابلس وقاتل هو وسودن نائب دمشق قتالاً عظيماً وبرز الأمير عز الدين أزدمر أخو أينال اليوسفي وولده يشبك ابن أزدمر في عدة من الفرسان وأبلوا بلاء عظيماً‏ وظهر عن أزدمر وولده من الإقدام ما تعجب منه كل أحد وقاتلا قتالاً عظيماً فقتل أزدمر وفقد خبره وثخنت جراحات يشبك وصار في رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف سوى ما في بدنه فسقط بين القتلى ثم أخذ وحمل إلى تمرلنك‏.‏

ولم يمض غير ساعة حتى ولت العساكر تريد المدينة وركب أصحاب تمر أقفيتهم فهلك تحت حوافر الخيل من الناس عدد لا يمكن حصره فإن أهل حلب خرجوا حتى النساء والصبيان وازدحم الناس مع ذلك في دخولهم من أبواب المدينة وداس بعضهم بعضاً حتى صارت الرمم طول قامة والناس تمشي من فوقها‏ وتعلق نواب المماليك بقلعة حلب ودخل معهم كثير من الناس وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إلى القلعة سائر أموال الناس بحلب‏ واقتحمت عساكر تمرلنك المدينة وأشعلوا بها النيران وجالوا بها ينهبون ويأسرون ويقتلون‏ واجتمع بالجامع وبقية المساجد نساء البلد فمال أصحاب تمر عليهن وربطوهن بالحبال ووضعوا السيف في الأطفال فقتلوهم بأجمعهم وأتت النار على المدينة فأحرقتها‏.‏

وصارت الأبكار تفتض من غير تستر ولا احتشام بل يأخذ الواحد الواحدة ويعلوها في المسجد والجامع بحضرة الجم الغفير من أصحابه ومن أهل حلب فيراها أبوها وأخوها ولا يقدر أن يدفع عنها لشغله بنفسه‏.‏

وفحش القتل وامتلأ الجامع والطرقات برمم القتلى واستمر هذا الخطب من صحوة نهار السبت إلى أثناء يوم الثلاثاء والقلعة قد نقب عليها من عدة أماكن وردم خندقها و لم يبق إلا أن تؤخذ‏.‏

فطلب النواب الأمان ونزل دمرداش إلى تمرلنك فخلع عليه ودفع إليه أماناً وخلعاً للنواب وبعث معه عدة وافرة إلى النواب فأخرجوهم‏ ممن معهم وجعلوا كل اثنين في قيد وأحضروا إليه فقرعهم ووبخهم ودفع كل واحد منهم إلى من يحتفظ به‏ وسيقت إليه نساء حلب سبايا‏ وأحضرت إليه الأموال ففرقها على أمرائه‏.‏ واستمر بحلب شهراً‏ والنهب في القرى لا يبطل مع قطع الأشجار وهدم البيوت وجافت حلب وظواهرها من القتلى بحيث صارت الأرض منهم فراشاً لا يجد أحد مكاناً يمشي عليه إلا وتحت رجليه رمة قتيل‏ وعمل من الرؤوس منابر عدة مرتفعة في السماء نحو عشرة أذرع في دور عشرين ذراعاً حرز ما فيها من رءوس بني آدم فكان زيادة على عشرين ألف رأس‏ وجعلت الوجوه بارزة يراها من يمر بها‏.

ثم رحل تمر عنها وهي خاوية على عروشها خالية من ساكنها وأنيسها قد تعطلت من الأذان وإقامة الصلوات‏ وأصبحت مظلمة بالحريق موحشة قفراء مغبرة لا يأويها إلا الرخم[7]‏.‏

الهجوم على دمشق وحماة

وأما دمشق فأنه لما قدم عليهم الخبر بأخذ حلب نودي في الناس بالتحول إلى المدينة والاستعداد للعدو فاختبط الناس وعظم ضجيجهم وبكاؤهم وأخذوا ينتقلون في يوم الأربعاء نصفه من حوالي المدينة إلى داخلها‏ واجتمع الأعيان للنظر في حفظ المدينة‏ فقدم في سابع عشره المنهزمون من حماه فعظم الخوف وهم الناس بالجلاء فمنعوا منه ونودي من سافر نهب‏.‏ فورد في ثامن عشره الخبر بنزول طائفة من العدو على حماه فحصنت مدينة دمشق ووقف الناس على الأسوار وقد استعدوا ونصبت المناجنيق على القلعة وشحنت فقدم الخبر في ثاني عشرينه بأخذ قلعة حلب وبوصول رسل تمر بتسليم دمشق فهم نائب الغيبة بالفرار فرده العامة رداً قبيحاً وماج الناس وأجمعوا على الجلاء‏ واستغاث الصبيان والنساء ونودي من الغد ألا يشهر أحد سلاحاً وتسلم البلاد لتمر لنك فنادى نائب القلعة بالاستعداد للحرب فاختلف الناس‏ ثم قدم الخبر بمجيء السلطان ففتر عزم الناس عن السفر ثم تبين أن السلطان لم يخرج من القاهرة‏‏.‏

وفي  نفس الوقت نودي بالقاهرة وظواهرها على أجناد الحلقة أن يكونوا يوم الأربعاء ثاني عشرينه في بيت الأمير يشبك الدوادار للعرض عليه فانزعج الناس ووقع عرض الأجناد من يوم الأربعاء‏.‏

ثم ورد الخبر بهزيمة نواب الشام وأخذ تمرلنك حلب ومحاصرته القلعة فقبض على المخبر وحبس‏ ووقع الشروع في النفقة للسفر ثم أخذت مدينة حماه ونهبت المدينة وسبي النساء والأطفال وأسر الرجال وبدأ أصحاب تمر لنك في هتك أعراض النساء جهاراً من غير استتار وخربوا جميع ما خرج عن السور‏.‏

وقد ركب أهل البلد السور وامتنعوا بالمدينة وباتوا على ذلك‏ فلما أصبحوا يوم الأربعاء فتحوا باباً واحداً من أبواب المدينة ودخل ابن تمر في قليل من أصحابه ونادي بالأمان‏ فقدم الناس إليه أنواع المطاعم فقبلها وعزم أن يقيم رجلاً من أصحابه على حماه فقيل له أن الأعيان قد خرجوا منها فخرج إلى مخيمه وبات به‏ ودخل يوم الخميس ووعد الناس بخير وخرج‏ ومع ذلك فإن القلعة ممتنعة عليه‏.‏

فلما كان ليلة الجمعة نزل أهل القلعة إلى المدينة وقتلوا من أصحاب مرزه شاه رجلين كانا أقرهما بالمدينة فغضب من ذلك وأشعل النار في أرجاء البلد واقتحمها أصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون حتى صارت كمدينة حلب سوداء مغبرة خالية‏ وتكاثر جمع الناس بدمشق بمن فر إليها من حلب وحماه وغيرها واضطربت أحوال الناس بها وعزموا على مفارقتها وخرجوا منها شيئاً بعد شيء يريدون القاهرة‏.‏

ونودي بين أيديهم بالقاهرة من ورقة تتضمن أمر الناس بالجهاد في سبيل الله لعدوكم الأكبر تمرلنك فإنه أخذ البلاد ووصل إلى حلب وقتل الأطفال على صدور الأمهات وأخرب الدور والمساجد والجوامع وجعلها إسطبلات للدواب وهو قادم ليخرب بلادكم ويقتل رجالكم وأطفالكم ويسبي حريمكم‏ فاشتد جزع الناس وكثر صراخهم وعظم عويلهم وكان يوماً شديداً‏.‏

وقدم الأمير أسنبغا السيفي الحاجب إلى القاهرة وأخبر بأخذ تمرلنك مدينة حلب وقلعتها باتفاق دمرداش معه وأنه بعد أن قبض عليه أفرج عنه‏ وحكي ما نزل من البلاء بأهل حلب وأنه قال لنائب الغيبة بدمشق أن يخلي بين الناس وبين الخروج منها فإن الأمر صعب وأن النائب لم يمكن أحداً من المسير‏.‏

فخرج السلطان ابن برقوق في يومه ونزل بالريدانية ظاهر القاهرة وتبعه الأمراء والخليفة والقضاة إلا قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي الحنفي فإنه أقام لمرضه‏.‏

وألزم الأمير يشبك قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن ابن خلدون بالسفر إلى دمشق فخرج مع العسكر وتعين الأمير تمراز أمير مجلس لنيابة الغيبة‏.‏

وخرج البريد إلى أعمال ديار مصر بالوجهين القبلي والبحري بجمع أقوياء أجناد الحلقة من الريف وبتجهيز العربان للخروج إلى حلب.

وفي بكرة يوم الجمعة ثامنه‏:‏ سار الجاليش وفيه من الأمراء والأكابر نوروز رأس نوبة وبكتمر الركني أمير سلاح ويلبغا الناصري وأقباي حاجب الحجاب وأينال باي بن قجماس وبيبرس الأتابك ابن أخت السلطان الظاهر‏.‏

وفي عاشره‏:‏ رحل السلطان ببقية العساكر‏.‏

وفي ثاني عشره‏:‏ قدم الخبر إلى دمشق بوصول جماعة تمرلنك قريباً من حمص فأنزعج الناس وأخذوا في الاستعداد وحمل الناس أموالهم إلى القلعة وجفل جماعة من الناس بقدوم الأمير دمرداش نائب حلب إلى دمشق في يوم السبت رابع عشرينه فاراً من تمرلنك‏ وخرج لملاقاة السلطان فقدم من الغد الناس من بعلبك وأعمالها بنسائهم ومواشيهم لنزول تمر عليهم فخرج كثير من أهل دمشق[8].

 

 

 

[1] السلوك في أخبار الدول والملوك ج 5 ص 338-339. منشورات محمد علي بيضون. دار الكتب العلمية.

[2][2] نفس المصدر والصفحة.

[3] السلوك في أخبار الدول والملوك ج 5 ص 340-341.

[4] السلوك للمقريزي ج5 ص 347-349.

[5] السلوك في أخبار الدول والملوك ج 5 ص 349-352.

[6] ص 354 نفس الجزء والمصدر.

[7] السلوك في أخبار الدول والملوك المقريزي ج6 ص 38-42.

[8] المصدر ذاته 42-45.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى