
الدكتور أحمد راسم النفيس يكتب عن: خبراء التوقيت العرب!!
خبراء التوقيت العرب
من حقنا نحن العرب أن نفاخر باكتشافاتنا العلمية و السياسية التي سبقنا إليها العالم ومن أهمها العلمانية العربية والاشتراكية العربية ونضيف إليها ذلك الاكتشاف التاريخي المذهل الذي يكمل اكتشاف الفمتو ثانية واسمه (ليس هذا وقت مناقشة هذه المسائل يا أخي) أي أننا قد اكتشفنا ما عجز العالم عن ملاحظته وهو أهمية وضع جدول أعمال للقضايا التي يتعين علينا مناقشتها والثرثرة فيها باليوم والساعة والثانية وتلك التي تملي علينا ضروراتنا الاستراتيجية وثوابتنا القومية تأجيل البت فيها لأنها تصرف الأمة عن قضاياها المصيرية الكبرى ومعاركها الحاسمة وكل شيء عندنا بمقدار.
فعندما اكتشفت قضية بونات النفط الصدامية وجد (خبراء التوقيت العرب) “أن الأمر لا يعدو كونه مؤامرة أمريكية إمبريالية تهدف إلى شق الصف العربي وضرب وحدته تلك الوحدة التي بلغت قمتها في حرب الخليج الثانية المسماة بحرب تحرير الكويت (؟!) وتمثلت (المؤامرة وليس الوحدة) من خلال إثارة ضجة مفتعلة حول مثقفي البونات وما شفطوه من أموال الشعب العراقي المنكوب حيث تأكد بما لا يدع مجالا للشك وجود خطة خبيثة تهدف لمنع اصطفاف الأمة خلف هذه القيادات الثورية الرسالية المضحية!!”.
إنها إذا (يا أخي) مؤامرة لضرب رموز الأمة و قياداتها التاريخية (لاحظ أن قيمة القيادات مرتبطة دائما بالتاريخ أي بالتوقيت لا بما حققه أي من هؤلاء!!) والمهم أن الذي كشف حقيقة المؤامرة هو توقيت إثارة تلك القضية ونشر “وثائق الشفط و النهب”.
إنها حجة بالغة و دليل دامغ على براءة هؤلاء السادة الشفطاويين الذين يحقد عليهم الحاقدون بسبب نجاح شفاطاتهم (اليدوية) ماركة “لله يا أسياد” في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه كل الشفاطات الآلية.
أما إذا تدحرج الكلام إلى مناقشة بعض القضايا التاريخية التي يرى (خبراء التوقيت العرب) أنها لم تعد مهمة أو نافعة في هذا الزمان وأنها ستسبب صدعا في (جدار وحدة الأمة المتماسك!!) وصداعا في رؤوسهم فسرعان ما يقوم هؤلاء الخبراء بضرب كرسي في الكلوب قائلين كيف تسمحون لأنفسكم بمناقشة تلك القضايا التي عفا عليها الزمن ونحن الآن في حاجة لمناقشة قضية النظافة والبيئة وحقوق الإنسان و”هل نكتفي بالمصافحة أم لا بد من تبادل القبلات” وتلك فتنة طهر الله منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا يا أخي!! فيصمت المتحاورون وينتابهم شعور عارم بالخجل بعد أن وجدوا أنفسهم من دون سابق إنذار متهمين بالخيانة العظمى وتفريق شمل الأمة وضرب وحدتها ولما كانت الدعوة إلى اعتزال القبلات قد انطلقت بسبب عدم قدرة الشيخ على العودة إلى صباه ولا تعدو أن تكون وسيلة مهذبة لإعلان التوبة فالحديث عنها مضيعة للوقت أما الحديث عن النظافة فلا طائل من ورائه ومن باب أولى الحديث عن حقوق الإنسان حيث ستتحول الجلسة إلى مأتم يجري فيه تبادل قصائد الرثاء وتعداد ما لا يمكن تعداده من هذه الانتهاكات فلا يجد الجالسون بدا من الانتقال إلى جدول الأعمال المعهود وهو الحديث عن وكسة الصفر التاريخي وموجة الأغاني الهابطة وآخر أخبار الفيديو كليب وزمن الفن الأصيل!! وعندها يطمئن خبراء التوقيت العرب أنهم قاموا بما عليهم لله وللتاريخ… تاريخ الكرة والفن وليس تاريخ الأمة الذي يتحتم عليهم بذل كل ما في وسعهم لمنع قراءته أو الاطلاع عليه!!!!.
خبراء التوقيت و اختراع الزمن العربي!!.
لا شك أن تحديد نقطة مرجعية للزمن هو من الأمور الهامة حيث لجأ خبراء التوقيت في (الغرب الكافر) إلى استخدام توقيت جرينتش كنقطة للبدء يقاس عليها بالزيادة والنقصان أما نحن ونكاية في أنفسنا فقد قمنا باستخدام توقيت (الزعيم) كنقطة مرجعية يقاس عليها الزمان فنكسة يونيو حدثت وفقا لتوقيت الزعيم الذي اختار الزمان والمكان الملائمين لاستدراج إسرائيل لإيقاع الكارثة بنا وأصبح التوقيت العربي يجري تحديده قبل وبعد كارثة يونيو عام 1967 ثم دخل الزعماء المتمولون على الخط بعد أن أدركوا العلاقة الوثيقة بين الوقت والمال ولما كان (الغرب الكافر) يستخدم الوقت لجلب المال والتقدم والثراء فإن زعماءنا قد برعوا في استخدام المال من أجل تغيير الوقت والزمان بدءا من زمانهم الشخصي ولحاهم التي لا يمكن للشيب أن يتسلل إليها ناهيك عن شرائهم لذمم الكتاب والأفاقين الذين لا هم لهم سوى إقناع الدنيا بأن هذا الزعيم أو ذاك قد جاء في موعده مع القدر ليصنع التاريخ والقدر ويخرج العباد من الجاهلية إلى الإسلام ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن أو أنه جاء في لحظات فاصلة لينقذ الأمة من الوقوع في براثن العلمانية! ثم جاء زعيمنا الأوحد الذي قام ببعث الأمة بغزوه لإيران ثم الكويت ثم قام أتباع صانع التاريخ والقدر ومدمر الوثنية القبورية بتدمير أبراج نيويورك و بالتالي أصبحت لدينا مجموعة من التواريخ (التاريخية)…. قبل وبعد الحرب على إيران … قبل وبعد غزو الكويت … قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ودائما يجثم خبراء التوقيت العرب على أنفاسنا قائلين هذا الموضوع لا يجوز مناقشته فالتوقيت غير ملائم وهذا الموضوع ينبغي مناقشته و هو حديث الساعة وتصرفات الزعماء الملهمين دائما هي موضوع الساعة فضلا عن كونها حديث المدينة!!.
الأزمات العربية و توقيت انفجارها!!.
دائما يبدأ خبراء التوقيت العرب أي تحليل لهم بالقول (في هذا التوقيت بالذات وفي هذه المرحلة المصيرية الحاسمة!!؟؟) ثم يربطون بين الأزمة التي يتحدثون عنها وتاريخ ما أو حدث وقع هنا أو هناك حتى ولو كان هذا الحدث هو الحملة الفرنسية قبل مائتي عام ويتجاهلون أن لدينا عددا لا يستهان به من الأزمات و القنابل الموقوتة الملقاة في العراء كألغام الحرب العالمية الثانية التي تبحث عن فرصة للانفجار فيمن يقترب منها بدءا من آلاف البنايات غير المطابقة للمواصفات ومئات العشوائيات مثل جمهورية إمبابة والواقع أن أحدا من السادة المسئولين لا يمتلك الجرأة أو الشجاعة للاقتراب من أي من تلك الألغام و نزع فتيلها قبل أن تتحول إلى أزمة تنفجر أثناء تلك الزيارة أو على هامش هذا الاحتفال وإلا اتهم بالتفريط في (الثوابت القومية) وأضاع فرصة التزامن بين تلك الكوارث العشوائية والمؤامرة الإمبريالية ولا أدري أي ثوابت بقيت لنا بعد ما حدث يوم التاسع من أبريل عام 2003 ولا أدري لماذا لا يكون الثابت القومي الأول هو العلم و العدالة والنزاهة و احترام الإنسانية و إعطاء الحقوق لأصحابها؟؟.
المهم أنه و بعد أن أنهى خبراء التوقيت العرب محاضرتهم القيمة عن أهمية اختيار الوقت الملائم للكلام والسلام وأن هذا يعلو ويزيد على قيمة الموضوع ذاته رافعين شعار (لا يهم ماذا تقول المهم متى تقول وأن نعطيك نحن الإذن فنحن وحدنا العالمون متي ينبغي الصمت ومتى يمكن الكلام) قاموا من القاعة لاستراحة قصيرة وتركوا ساعتهم على منضدة المحاضرات حيث قام أحد المتطفلين بفحص تلك الساعة التي يزعمون أنها تقيس الفمتو ثانية وتبين له أنها قد توقفت عن الدوران منذ عدة قرون.
دكتور أحمد راسم النفيس
8-6-2004