معلومات تهمك عن إبراهيم باشا بن محمد علي قاهر الوهابيين
ملخص تاريخ إبراهيم باشا
(1789-1848).
الإبن الأكبر لمحمد علي باشا ولد في قوله سنة 1789مـ وجاء إلى مصر هو وأخوه طوسون في سبتمبر 1805.
تولى منصب الدفتردارية (وزارة المالية) سنة 1807 قبل بلوغه العشرين كما تولى حكم الصعيد واشترك في الحرب ضد المماليك.
قاد الحملة المصرية على الوهابيين بعد عودة الأمير طوسون عام 1815 ثم وفاته في سبتمبر 1816.
تمكن إبراهيم باشا بعد استلامه القيادة من الاستيلاء على عنيزة أحد أهم المواقع في نجد ثم احتلال بُريدة وفتح (الشقراء) ثم توجه نحو الدرعية معقل الوهابيين فحاصرها خمسة أشهر استسلم بعدها عبد الله بن سعود وقبل بالتوجه إلى الأستانة حسب رغبة السلطان ثم استسلمت بعد ذلك بقية المدن الخاضعة للوهابيين وكان هذا بمثابة انتصار حاسم للجيش المصري.
وبعد انتهاء الحرب ضد الوهابيين اشترك إبراهيم باشا مع أخيه إسماعيل في فتح السودان ولم يطل مكثه هناك بسبب شدة مرضه.
ثم جاءت حرب اليونان (1821-1828) التي اندلعت في أعقاب ثورة اليونانيين ضد الحكم التركي مطالبين بالاستقلال فعهد إليه محمد علي بقيادة الجيوش المصرية وبقي هناك لمدة أربع سنوات.
اندلعت الثورة اليونانية بقيادة (اسكندر ابسلنتي) الذي كان في نفس الوقت ضابطا في الجيش الروسي ولكن الروس لم يعاضدوا الثورة عمليا في بدايتها وتركوا الثوار لوحدهم في مواجهة الأتراك بسبب الموقف الأوربي العام المناوئ للحركات القومية ففر ابسلنتي إلى المجر حيث اعتقلته الحكومة النمساوية ففشلت لذلك السبب الثورة اليونانية في أولى مراحلها.
كما حملت الثورة ضد الأتراك طابعا دينيا حيث كان أول من أعلن عنها القس جرمانوس أسقف باتراس في شمال المورة فلبى اليونانيون دعوته ورفعوا راية الثورة واستولى الثوار على أهم مدن المورة واحتلوا تريبولتا عاصمتها ونكلوا بالأتراك المقيمين بها ثم تألفت جمعية وطنية من ستين نائبا يمثلون المقاطعات الثائرة أعلنت استقلال اليونان ووضعت لها دستورا قوميا.
ولما استفحل أمر الهجمات البحرية التي تشنها السفن اليونانية على الأتراك طلب السلطان محمود من محمد علي أن يرسل أسطوله لتطهير البحر من اليونانيين.
استمرت الحرب بين الثوار اليونانيين والأتراك في بلاد المورة حتى سنة 1823 ولم تتمكن الدولة التركية من حسمها كما تكبدت خسائر فادحة مما دعا السلطان العثماني للاستنجاد بمحمد علي الذي رأى في ذلك فرصة لتوسيع نطاق دولته وتثبيت عرشه ومنع السلطان من عزله من ولاية مصر.
بذل محمد علي جهدا ضخما لتجهيز جيش بحري وبري وعهد بقيادته العليا لابنه إبراهيم حيث انطلقت الحملة من الإسكندرية في يوليو 1824 وهناك التقت بسفن الأسطول التركي.
لم يتمكن الجيش المصري من النزول إلى منطقة المورة حيث كانت القوات التركية في أسوأ حالاتها ولم يبق تحت يدها من المواقع إلا موقع (مودون) وميناء (كورون) المحاصر من اليونانيين.
بدأ إبراهيم باشا بفك الحصار عن (مودون) ثم توجه نحو (نافرين) التي تحصن بها الثوار فحاصرها برا وبحرا واشتبك في تلك الأثناء مع قوة يونانية قوامها 3500 مقاتل فهزمهم وأسر قائدهم ثم اشتبك مع قوة يونانية قوامها 9000 مقاتل جاءت لرفع الحصار عن المدينة وانتهى الأمر بانتصار حاسم للجيش المصري.
وفي نهاية المطاف اضطرت مدينة (نافرين) للاستسلام للجيش المصري في 18 مايو 1825.
وتوالى بعد ذلك سقوط المدن اليونانية بيد الجيشين المصري والتركي.
التدخل الأوربي.
في 6 يوليو 1827 أبرمت معاهدة لندن بين كل من إنجلترا وفرنسا وروسيا حيث اتفقوا على التدخل بين تركيا واليونان لتقرير مصير اليونان على قاعدة الاستقلال الذاتي اليوناني مع بقاء السيادة التركية عليها وطلبت هذه الدول وقف القتال بين الجانبين تمهيدا لبدء الوساطة بينهما فإذا لم تقبل الوساطة خلال شهر لجأ هؤلاء إلى القوة من أجل تنفيذ مطالبهم.
كانت هذه المعاهدة بمثابة إعلان للتدخل الأوربي لصالح الثورة اليونانية التي كانت في هذا الوقت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن تلقت عدة ضربات موجعة وكان الحلفاء يعلمون بالرفض التركي المسبق لهذه المطالب ومن ثم فقد أرسلوا أساطيلهم في أغسطس 1827 لمحاصرة الأسطولين المصري والعثماني ومنع وصول أي إمدادات لهما.
وفي يوم 20 أكتوبر 1827 نفذ الحلفاء خطتهم بالقضاء على الأسطولين المصري والتركي الرابض في نافرين حيث هلك معظم السفن نسفا وغرقا وبلغ عدد القتلى المصريين والأتراك ثلاثة آلاف وفقدت مصر في هذه الواقعة أسطولها الذي أنفق عليه محمد علي أموالا طائلة من أجل بنائه ولزم إبراهيم باشا في أعقاب هذه الموقعة خطة دفاعية.
ثم أرسلت الدول المتحالفة جيوشا برية لإجلاء المصريين والترك من اليونان واضطرت الدولة العثمانية للقبول بمعاهدة أدرنة في (14 سبتمبر 1829) ووافقت على معاهدة لندن فاعترفت بالاستقلال الذاتي لليونان وانتهى الأمر بالاستقلال النهائي في 3 فبراير 1830 وأخيرا وافق محمد علي على فصل سياسته عن السياسة التركية حيث جاء في ذلك الوقت الأسطول الإنجليزي إلى الإسكندرية مهددا بتخريبها إن لم يسارع محمد علي إلى استدعاء إبراهيم باشا من المورة حيث عقد بدوره اتفاقا مع الحلفاء لسحب الجيش المصري من اليونان[1].
ثم جاءت بعد ذلك حروب الشام والأناضول التي بدأت في أكتوبر 1831 حيث حاول محمد علي باشا ضم الشام وتركيا لسلطته فخاض إبراهيم باشا غمار هذه الحروب على رأس الجيش المصري ونجح في تحقيق سلسلة من الانتصارات العسكرية على الجيش التركي حيث تمكن من احتلال مناطق واسعة من تركيا وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية.
عاد إبراهيم باشا إلى مصر عام 1840 من الشام بعد أن أجبرت الدول الغربية مصر على التخلي عنها حيث تولى الحكم في حياة أبيه الذي اعتلت صحته ولم يكن قادرا على القيام بأعباء الملك لمدة لم تزد على سبعة أشهر بدءا من أبريل 1847 قبل أن توافيه المنية في 10 نوفمبر 1848 وعمره ستون عاما هلالية وبعد وفاة إبراهيم تولى الحكم عباس الأول بن الأمير طوسون قبيل وفاة محمد علي باشا في الثاني من أغسطس سنة 1849 مـ[2].
إبراهيم باشا في بلاد العرب
دكتور عبد الحميد البطريق
حققت الدولة السعودية الناشئة نجاحا سريعا في عهد عبد العزيز بن محمد ابن سعود (1765-1803) خاصة في نجد إلا أن غزواته وفتوحاته لم تزعج الباب العالي إلا عند بدأ هجومه على العراق منذ عام 1794 وكان من الطبيعي أن تتجه الأنظار أولا إلى والي العراق وتكليفه بصد تلك الغارات.
لكن والي بغداد كان يرى صعوبة المهمة حيث كتب إلى الباب العالي يقول أن (الطريق من بغداد إلى الدرعية صحراوي مجدب خال من الماء مما يساعد الوهابيين على الانتصار على جيوش الدولة)، لكن هذه الأعذار لم تقنع السلطان فأرسل إليه عام 1798 الأوامر المشددة كي يتوجه إلى الحسا لمحاربة عبد العزيز بن سعود فجمع جيشا من المرتزقة والبدو بقيادة الكتخدا علي بك وسار هذا الجيش نحو شبه الجزيرة وما إن وصل إلى الحسا حتى وجد نفسه في حالة لا يقوى معها على مواجهة الوهابية فطلب الصلح من عبد العزيز وعاد إلى بغداد وازداد السعوديون بعد ذلك قوةوعظمت منزلتهم بين العرب.
ما إن بدأ القرن التاسع عشر حتى هاجم الوهابيون العراق ودمروا كربلاء وفشل سليمان والي بغداد في القيام بعمل حاسم رغم أن لديه 35 ألف مقاتل مدرب فانهزمت جنوده ولم يأت عام 1810 حتى وصل جزء من القوات السعودية إلى نقطة لا تبعد كثيرا عن بغداد.
أما في الشام فقد توجهت أنظار الوهابيين إليها بعد استيلائهم على المدينة المنورة لكنهم لم يتمكنوا من اجتياحها فوقفوا عند أبوابها متربصين.
عندئذ تبين بجلاء للسلطان محمود الثاني أن ليس هناك مناص من الاستعانة بمحمد علي.
انتهز محمد علي الفرصة لتحقيق استقلاله الداخلي بمصر وتطلع إلى أن يجعل لنفسه كيانا خاصا قبل أن يقوم بحملته فاقترح على الباب العالي بواسطة وكيله المقيم في الآستانة أن تكون مصر ولاية ممتازة شأنها شأن ولاية الجزائر مقدما عدة تبريرات.
أما الغرض الأكبر الذي كان يرنو إليه محمد علي من وراء قيامه بحملته في جزيرة العرب فهو طموحه للسيطرة على الشام قبل أن يقوم بأي حرب في الحجاز وقد طلب إلى الباب العالي أن تحال إليه ولاية الشام قبل أن تتحرك جيوشه إلى بلاد العرب كي يقود حملتين إحداهما تخرج من مصر والأخرى من الشام وبذلك يضمن نجاح المهمة الشاقة.
لقي هذا الطلب الجرئ صدى عنيفا في بلاط السلطان واتهمه مناوؤه بتغليب مصلحته الشخصية على مصلحة الدولة وقالوا أن حملة يقوم بها الباشا أو ابنه إبراهيم من مصر كفيلة بإرجاع بلاد العرب إلى حكم السلطان.
أخيرا قرر محمد علي أن يغض الطرف عن تمسكه بمنحه ولاية الشام أو منحها لصديق يوسف كنج باشا بعد أن فهم من مقابلة وكيله نجيب أفندي للصدر الأعظم أن طلباته لا يمكن النظر إليها بعين العطف إلا بعد أن تقوم الحملة المصرية على الحجاز وأدرك من رسائل وكيله أن أعداءه في الآستانة يتربصون به وأنهم يقولون (لو أعطيت والي مصر الدنيا ما ذهب لأجل الحرمين ولا أرسل أحدا من أولاده) لذا فقد عقد العزم على تسيير الحملة بقيادة ولده طوسون على أن ينتهز الفرصة ليوهم الباب العالي أن نجاح الحملة متوقف على تسيير حملة من الشام يشرف عليها تمام الإشراف.
ورغم استيلاء حملة طوسون على مكة والمدينة إلا أن هذا لم يكن ما يريده محمد علي الذي عزم على السفر إلى الحجاز بنفسه لعلمه بما يترتب على هذا الفشل من ضياع هيبته وتبدو لهفته على نجاح الحملة مذ تقهقرت جيوش طوسون إلى ينبع من رسالتين أرسلهما إلى كبار قواده وجنوده المرابطين في ينبع خشية أن تضعفهم الهزيمة فيقرروا الجلاء عن قلعة ينبع نفسها.
في رسالته الأولى (عرض علينا وكيلنا في المويلح أنكم عند وصولكم إلى مضيق الجديدة سد العدو ذلك المضيق ثلاثة أيام وأخيرا تقهقرتم ووصلتم إلى ينبع فإن كان الخبر صحيحا فالنصر والهزيمة بيد الله يؤتيها من يشاء من عباده فيا رفاقي وقرة عيني لا تاسفوا ولا تأسوا على ما فاتكم ولا تهنوا ولا تحزنوا فاليأس والضعف لا يليق بالرجال أما الشجاعة والبطولة فهما في إعادة الكرة على العدو والانتقام منه.
لطالما شهدتم الحروب معي فأنتم جنود مصر الذين خاضوا غمار المعارك العديدة فكنا نهزم العدو طورا ويهوزمنا طورا آخر فلم ننكص على أعقابنا بل أعدنا الكرة وهاجمناه حتى دمرناه تدميرا، إن لدي من المال والعدد والذخيرة سأرسلها لكم فضلا عن أنني ربما قمت بنفسي إليكم).
في رسالته الثانية يؤكد لهم أنه سيقوم بنفسه قائلا: (يا رجالي القدماء أنتم أبنائي الذين ربيتهم منذ نعومة أظافرهم فعرفتم أني شيخ المحاربين، هل رأيتموني خفت حربا أو تقهقرت أمام عدو، إن أنتم نكصتم على أعقابكم وخشيتم الحرب فدعوا حمل السلاح وكونوا طلابا في مدرسة أو دراويش في تكية ولن أتأخر عن الإنفاق عليكم، لماذ تخشون كثرة العدد وأنتم متحصنون داخل قلعة حصينة مثل ينبع.. اثبتوا إذا كرجال واعلموا أنني بعد تمام إرسال الجنود البرية والبحرية سأقوم بنفسي إلى الحجاز لأرى همتكم، كونوا يدا واحدة وصلوا أوقاتكم الخمس فمكانكم مكان صلاح واستغفار، نصركم الله وثبت أقدامكم).
وصل محمد علي إلى جدة في سبتمبر 1813 وقصد مكة وهناك أصدر أوامره إلى جيشه في المدينة بالزحف نحو جدة وإلى جيشه في الطائف باحتلال تربة وإلى جيشه الثالث بالتوجه للقنفذة لتأديب الخارجين من أهل عسير.
اتخذ سلسلة من الإجراءات لتثبيت أركان الحكم المصري وبقي عليه أن يكلل انتصاره بفتح نجد ذاتها، إلآ أنه وجد نفسه مضطرا للعودة إلى مصر على جناح السرعة بعد أن تكاثرت الإشاعات عما يبيته له السلطان العثماني وبلغه أن الاستعداد قائم على قدم وساق في تركيا لتنظيم حملة بقيادة قبطان باشا لمهاجمة الاسكندرية والاستيلاء على مصر باسم السلطان.
وقد قابله صديقه المستشرق بوركهاردت الذي وصف الحوار الدائر بينهما (إن انجلترا سوف تسعى بعد سقوط نابليون إلى تدعيم سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط بالاستيلاء على مصر).
وفي 20 مايو 1815 أبحر محمد علي عائدا إلى مصر بعد أن سلم القيادة من جديد لولده طوسون باشا.
ثم عقد راية القيادة لإبراهيم باشا مكلفا إياه بالوصول إلى الدرعية مهد الوهابيين.
في 30 سبتمبر 1816 وصل إبراهيم باشا وسفن الحملة إلى ينبع واستقبل وفود القرى المجاورة ثم انتقل إلى المدينة المنورة زائرا رسول الله صلى الله عليه وآله.
انتقل إبراهيم باشا إلى مقر قيادته ب(الحناكية) فتارة يغير على من لم تفلح معه سياسة اللين أو المال، وتارة أخرى يفيض على شيوخهم بالهدايا فانضم إليه عدد كبير من شيوخ القبائل شديدة البأس مثل حرب وعتيبة ومطير.
بعد أن أقام إبراهيم ستة أشهر في الحناكية زحف في شتاء 1817 إلى نجد فوصل إلى (الرس) وحاصرها حتى سلمت بعد حصار طويل وقتال شرس هلك فيه ثلاثة آلاف من رجاله وكادت تنفذ ذخائره لولا إرادته الصلبة وعزمه الحديدي.
بعد استسلام الرس زحف إبراهيم إلى (عنيزة) حيث كان يرابط بها عبد الله فسلمت البلدة وانسحب الزعيم الوهابي إلى الدرعية مستنفرا أهل نجد للدفاع عن كيانهم.
استولى جيش إبراهيم باشا على بريدة ثم شقرا وضرما ثم سار إلى وادي حنيفة حيث أشرف على الدرعية في 6 أبريل 1818 واستمر حصارها خمسة أشهر وبضعة أيام.
لقي الجيش المصري عنتا وأهوالا شديدة حيث حدثت نكبة كادت تقضي على الأمل في فتح الدرعية إذ اشتعلت مخازن ذخيرة الجيش المصري ومعها مخازن الطعام وأصبح إبراهيم باشا وسط الصحراء بلا مؤن ولا ذخيرة إلا أنه ثبت هو ومن معه من الجند إلى أن تواردت الإمدادات من الرجال والعتاد.
في 9 سبتمبر 1818 وصل رسول من طرف عبد الله ابن سعود إلى خيمة إبراهيم باشا ملتمسا بالنيابة عن أميره وقف إطلاق النار وتعيين موعد لمقابلة عبد الله ومفاوضته فتلقاه إبراهيم باحترام وسأله لمذا ظل مصرا على المقاومة بينما أدرك الجميع ألا فائدة من النضال؟, فأجاب عبد الله (لقد انتهت الحرب الآن وكان ما هو كائن بإرادة الله وما غبتنا جنودك لكن الله هو المعز المذل) ولما طلب عبد الله الصلح أجابه إبراهيم إليه ثم أضاف قائلا: (وإني لجاعلك الحكم في شروطه وإنما هناك أمر لا تصرف لي فيه ألا وهو بقاؤك في الدرعية فإن الأوامر الصادرة إلي تقضي بذهابك إلى مصر فأطرق عبد الله هنيهة وطلب تأجيل إجابته إلى الغد حيث جاء موافقا على الذهاب إلى مصر إذا ضمن له إبراهيم النجاة فقال له: إذا كنت لا اتسطيع أن أتدخل في إرادة الوالي فمن باب أولى أعجز عن التدخل في إرادة السلطان.
أسكن محمد علي باشا عبد الله في قصر إسماعيل باشا ببولاق حتى حان موعد سفره إلى الآستانةحيث كان بانتظاره حتفه المحتوم الذي أعده له رجال الباب العالي الذين كانوا يتعطشون للتمثيل به ولم يشفع له عند السلطان التماس الباشا ولا رجاؤه بالعفو عنه.
أما إخوة عبد الله بن سعود الأربعة فكانوا أسعد حظا إذ لم يطالب بهم السلطان بل أرسلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة فتلقاهم محمد علي استقبالا حسنا وقرر لهم مرتبات كافية تضمن لهم العيش الرغيد وهم فهد وسعد وحسن وخالد، وخالد هذا كان اصغرهم سنا واسعدهم حظا إذ اختصه محمد علي بعطفه فعني بتثقيفه في مدارس القاهرة فأصبحت ثقافته مصرية صميمة ولما أكمل تعليمه عينه محمد علي كاتبا في الديوان الخديوي وقد ظهر أن الباشا كان يعده لمهمة خطيرة حيث عينه عام 1836 أميرا على نجد.
بعد انتهاء الأعمال الحربية في نجد وصل أمر محمد علي بغزو بقية المناطق المجاورة لنجد فغزا الجيش المصري (الحسا) أواخر 1819 وبذلك أطلت جيوش إبراهيم باشا على الخليج الفارسي واحتلت مدينة القطيف وميناء العقير ثم استولت على الهفوف.
كان لوصول جيش إبراهيم إلى سواحل الخليج الفارسي أثران سياسيان على جانب كبير من الأهمية:
أولهما: أن الباب العالي قد حز في نفسه ذلك النجاح الكبير الذي حققه الجيش المصري وزاد من كمده احتمال وصول الجيش المصري إلى خليج البصرة فكان يخفي في قرارة نفسه خوفه أن تصل هذه الجيوش يوما ما إلى العراق.
ثانيهما: بدأت حكومة الهند البريطانية بالنظر إلى تحركات الجيش المصري بعين الشك والارتياب خشية أن يتحكم محمد علي يوما ما في الشاطيء العربي من الخليج الفارسي فيضر ذلك بسيادتها ويعارض مشاريعها هناك.
كان الانجليز يقدرون قوة الجيش المصري وهاهم يرونه يصل إلى الخليج الفارسي ويضع حاميات في أهم موانئ الساحل العربي فاعتقدوا أن هذه الجهات التي فتحها إبراهيم باشا بشق الأنفس لا يمكن أن ينسحب منها قبل أن يثبت أقدام الحكم المصري فيها وأن الحسا قد تصبح ولاية مصرية.
في 9 ديسمبر 1819 وصل إبراهيم إلى المياه المصرية[3].
دكتور أحمد راسم النفيس
28/09/2019
[1] عبد الرحمن الرافعي. عصر محمد علي. دار المعارف المصرية. ص 189.214.
[2] نفس المصدر ص 567- 574.
[3] إبراهيم باشا 1848-1948. الجمعية الملكية للدراسات التاريخية. مكتبة مدبولي إبراهيم باشا في بلاد العرب. دكتور عبد الحميد البطريق. ص 3-31 باختصار.