مقالات النفيس

الدكتور أحمد راسم النفيس يكتب: مقالات الإسلاميين ومقالات الأمريكيين!!

الدكتور أحمد راسم النفيس يكتب: مقالات الإسلاميين ومقالات الأمريكيين!!

 

شد انتباهي تلك الضجة المثارة حول تقرير مؤسسة راند الصادر في مارس 2004 بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي.. الشركاء والموارد والاستراتيجيات) والذي جرى تقديمه كالعادة باعتباره خطة أمريكية لمحاربة الإسلام.

من بين هؤلاء من ذكّره التقرير (بموضوعية ومسئولية العلماء المسلمين في تعاملهم مع الفرق المختلفة التي حفلت بها المجتمعات الإسلامية عندما قاموا باستعراض كل الفرق التي عرفت في زمانهم وقاموا بإدراج الجميع تحت عنوان الإسلاميين بمن فيهم الخوارج والمعتزلة والروافض وغيرهم من الفرق التي انتسبت إلى الإسلام من أي باب) أي أنه أراد أن يجعل منها فرصة لمدح من أسسوا للانحياز والتعصب وذم من يراهم مارقين عن قواعد جماعة الحقيقة المطلقة.

المشكلة الكبرى التي واجهت العالم الإسلامي في الفترة السابقة تمثلت في الطريقة التي طرح بها المشروع الإسلامي للرأي العام العالمي والمحلي الذي كان يعيش حالة متدهورة حيث اكتفى بنقل شذرات مما أنجزه الأولون (وما قاله صاحبنا دليل على هذا) معتبرين أن هذا يكفي لنقل الأمة من حال إلى حال ثم تبين بعد التجربة أن ما يجهله هؤلاء وغيرهم عن الإسلام أكثر مما يعرفونه وأن عليهم إعادة النظر والتأمل في أصول المسائل وعدم الاعتماد على ما قدمه هؤلاء بل ونزعم أن الضرورة تحتم علينا إعادة دراسة الكثير من المسائل والتصورات الجوهرية خاصة فيما يتعلق بطبيعة النظام الإسلامي والعلاقة بين الإسلام والسلطة وصولا إلى إعادة النظر في تلك التقسيمات الفكرية والمذهبية التي نعتقد أن الكثير منها كانت في خدمة السلطة وانتفت الحاجة الآن إليها بل وأصبحت في ذمة التاريخ.

ودونكم هذه الملاحظات حول التقرير:

أول هذه الملاحظات أنه يكشف عن الطريقة التي يفكر بها الغرب وهو طرح المشكلة القائمة ومحاولة الحصول على إجابة لها والمشكلة هي (أن الإسلام بحالته الراهنة أصبح يشكل أزمة للعالم المتحضر بسبب الصراع القائم بينه وبين الغرب وبسبب الصراع القائم بين مدارسه الفكرية المختلفة في الداخل) فضلا عن (عجز العالم الإسلامي عن تقديم حلول لمشاكله من خلال مجموعة التجارب الفاشلة التي خاضها في الحقبة الأخيرة وإلقاء اللوم على العالم الغربي في صناعة هذا الفشل) أما نحن فلا نعترف بأن هناك ثمة مشكلة بل و مازلنا نعتبر أن الأمر كله هو محض مؤامرة ويكفي أن نتابع الجولات المكوكية لقوافل (تحسين صورة الإسلام) لندرك أننا ما زلنا عاجزين عن الفهم والاستيعاب أو أننا لا نرغب في هذا من الأساس.

إذا فالاستنتاج الأول أن الغرب يفكر لصالحه (موضوعيا) أما نحن فيبدو أننا قد توقفنا عن التفكير منذ زمن سحيق!!.

الملاحظة الثانية: أن تصنيف الاتجاهات الفكرية السائدة في العالم الإسلامي إلى أربعة اتجاهات رئيسية (أصولية ومحافظة وتجديدية وعلمانية) ثم الإعلان بوضوح عن استهداف ما يسميه التقرير بالتيار الأصولي ينفي فكرة أن واضعي التقرير يخططون للقضاء على كل أنواع الإسلام أقله في المرحلة الراهنة.

الملاحظة الثالثة والتي تظهر الفارق بين الموضوعية العلمية للباحثين الأمريكيين و(الموضوعية) العلمية للأشعري والشهرستاني عندما قاموا بتصنيف الفرق الإسلامية في كتب مثل (الملل والنحل) و(مقالات الإسلاميين) هو أن الأمريكان قد حددوا عددا من المعايير التصنيفية وقاموا برصدها من مصادرها الأصلية وهي (الموقف من الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطبيق الشريعة الإسلامية والحدود والحجاب وتعدد الزوجات والموقف من الأقليات الدينية ومحاولة استعادة دولة الخلافة والجهاد) أما شيخنا الشهرستاني فيقول (اعلم أن لأصحاب المقالات طرقا في تعديد الفرق الإسلامية لا على قانون مستند إلى نص ولا على قاعدة مخبرة عن الوجود فما وجدت مصنفين منهم متفقين على منهاج واحد في تعديد الفرق ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أن ليس كل من تميز بمقالة ما في مسألة ما عد صاحب مقالة فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعد فلا بد إذا من ضابط في مسائل هي أصول وقواعد وما وجدت لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط إلا انهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمة كيف اتفق وعلى الوجه الذي وجد لا قانون مستقر وأصل مستمر)!!!.

إذا فما يقوله الأستاذ عن موضوعية الأقدمين هو محض هراء ولا أصل له ناهيك عن غياب الأمانة العلمية بالنسبة للكثير مما أدرجوه من ادعاءات ضد خصوم السياسة واعتمادهم على الإشاعات والدعاية المضادة والنبذ بالألقاب مثل كلمة الروافض واعتبار كل هذا حقائق ثابتة وهكذا فقد وقع صاحب الملل والنحل في أخطاء مضحكة عندما قسم الشيعة إلى تقسيمات مثل الكيسانية والمختارية فقال (الكيسانية أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقيل تلميذ للسيد محمد بن الحنفية (لاحظ التخبط) يعتقدون فيه اعتقادا بالغا من إحاطته بالعلوم كلها واقتباسه من السيدين الأسرار بجملتها من علم التأويل والباطن وعلم الآفاق والأنفس) ثم انتقل الرجل إلى فريق شيعي آخر “من وجهة نظره طبعا” هو المختارية (أصحاب المختار بن أبي عبيد كان خارجيا ثم أصبح زبيريا ثم صار شيعيا وكيسانيا قال بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي وقيل لا بل بعد الحسن والحسين (لاحظ التخبط) وكان يدعو الناس إليه ويظهر أنه من رجاله ودعاته ويذكر علوما مزخرفة ينوطها به ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك تبرأ منه …)

والمهزلة (الموضوعية) أن المختار بن أبي عبيد هو نفسه كيسان أي أن كيسان كان كيسانيا وهذا يثبت أن الرجل لا يهتدي ضرب أخماس لأسداس فضلا عن أن المختار لم يكن خارجيا ولا زبيريا ولا حتى صاحب فرقة بل كان لاعبا عاديا!!.

الملاحظة الرابعة: لماذا سعى (الموضوعيون) الأوائل لتقسيم الأمة إلى بضع وسبعين فرقة كلهم في النار عدا واحدة هو الفريق القومي الفائز بكأس أبي عدي؟؟.

الجواب معلوم و هو تلك الرواية المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (افترقت اليهود والنصارى على بضع وسبعين فرقة وستفترق أمتي على…) والرواية من وجهة نظرنا لا تستقيم مع ما ورد في القرآن من قول الله تبارك وتعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) والعبرة بالأعمال الصالحة وذلك أمر شرحه يطول وقد رد القرآن على من سبقنا من الأمم عندما قالوا (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) بقوله تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وعلق دخولهم الجنة أو خروجهم من النار على العمل الصالح لا بالأماني أو بالفريق الذي ينتمي إليه ومن باب أولى بلون الفانلة وقال عز من قائل (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) فمن يعمل سوءا لا بد أن يجزى به سواء كان من هذه الأمة أو من غيرها ودعك من أحاديث الأماني والشهرستاني!!.

إذا فالسادة كانوا يهدفون لإثبات أن من لم يطع السلطة الجائرة فقد خسر الدنيا والآخرة وسيذهب إلى النار ومن هنا فقد كانت دراساتهم حافلة بالتلفيق والسعي لإكمال العدد أو التقسيم السبعيني لأمة لا إله إلا الله مهما كلفهم هذا من تضحيات من وحدة الأمة وتماسكها وها نحن نجني الثمار المرة لموضوعية الأولين المزعومة.

ومن ناحية أخرى فإننا لا ننفي وجود تباينات فكرية وفقهية ومذهبية ولكننا نعتقد كما يعتقد الباحثون الأمريكان بالتداخل الفكري بين كل هذه الفرق المزعومة وأن هذا التقسيم السبعيني لأمة لا إله إلا الله لم يكن يوما ما خالصا لوجه الله.

أما الأمريكان فهم يبحثون ويخططون ويدرسون لمواجهة الخطر القائم والمحتمل الذي يمثله العالم الإسلامي المرتبك والمضطرب بالرغم من أننا نؤكد أن جميع المسائل تمام التمام.

الملاحظة الخامسة: وهي أن دراسة العقائد والأفكار والجماعات والأحزاب السياسية والدينية لا بد أن تكون طازجة ومطابقة للواقع وأن ما قدمه لنا السابقون بفرض صحته يومها لم يعد صحيحا الآن ولا ينبغي التسليم به مهما كانت مصداقية الأولين في بحثهم.

الملاحظة السادسة وهي ضرورة التفريق بين المذهب والحالة فالخوارج يشكلون حالة متنقلة وليس مذهبا ولو أنك سألت أيا من الخوارج المعاصرين هل أنتم خوارج فسيقول لك نحن خير البشر ومن أنكر ذلك فقد كفر أما المذهب فهو مدرسة لها أصول وقواعد فأين هي الأصول والقواعد في عالمنا الإسلامي الذي يحكمه الاضطراب والفوضى؟؟!!.

والخلاصة أنه إذا كان هذه هو رأيهم في حالتنا فالكارثة هي في غياب رأينا في حالتنا وفي غياب الحرية الفكرية التي تسمح بدراسة جذور الأفكار وأصول الاختلاف بين الناس والسعي لتقريب وجهات النظر (بعيدا عن هراوة السلطة) وبعيدا عن المجاملات الفارغة وتعظيم الاستفادة من الفكر الصحيح الخلاق بدلا من اعتباره عدوا قائما أو محتملا وصهر كل هذا في إطار النقاش الديمقراطي الواعي الساعي لتحقيق مصلحة الأمة في إطارها الأضيق وهو الوطن أو في إطارها الأكبر وهو العالم الإسلامي.

المخرج يتمثل في إفساح المجال أمام مدارس الفكر الإسلامي المختلفة وإعطائها فرصا متكافئة بمن فيهم من نختلف معهم وتقديم الدعم والمساندة لها وتركها لتتنافس وتتحاور وتصحح أخطاءها وأخطاء المجتمع وأخطاء الفرق الشاذة والشاردة بدلا من انتظار ما تفعله بنا أمريكا وهو بالتأكيد ليس قدرا محتوما لأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) بدلا من الانتظار ليفعل بنا الآخرون ما يحقق مصلحتهم.

دكتور أحمد راسم النفيس.

17-8-2004.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى