دراسات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون والتقسيم الثنائي للعالم

بحث مقدم لمؤتمر جامعة بغداد 15-16 فبراير 2014

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون

والتقسيم الثنائي للعالم

 

بحث مقدم لمؤتمر جامعة بغداد 15-16 فبراير 2014

 

 

دكتور أحمد راسم أمين النفيس

26ديسمبر 2013.

‏الخميس‏، 23‏ صفر‏، 1435

الأستاذ بجامعة المنصورة مصر

 

هاتف منزل: 0020502244839

مكتب: 0022502222910

نقال: 00201223913029

بريد الكتروني: arasem99@yahoo.com

Arasem99@hotmail.com

 

 

المسلمون والتقسيم الثنائي للعالم

تعاني أمتنا من عديد التشوهات الفكرية التي ضربت مسارها السياسي في مقتل وأدت إلى دخول المسلمين في نفق مظلم لم يخرجوا منه حتى الآن وليس ثمة ضوء في نهاية النفق.

ما زال قادة الأنفاق أبطال الحَفر والحُفر يحاولون تحطيم الصخور كونها على ما يبدو هوايتهم المفضلة أو صنعتهم الوحيدة التي يحسنونها.

كثير من أزماتنا الفكرية الكبرى هي من نوع (السهل الممتنع) كونها بنيت على وهم أو مقولة عابرة كان من الممكن أن تمر مر الكرام أو كسحابة صيف لم تفلح حتى في إحداث ظل لها، إلا أنه بدلا من تجاهلها أو تفنيدها أو الرد عليها تحولت إلى مسلمة أو ما يسميه البعض (معلوما من الدين بالضرورة) ثم كرت سبحة الكوارث بعد ذلك دون أن يفكر أحد أن يراجع أصل المسألة.

في مقاله الشهير (The Roots of Muslim Rage) تحدث برنارد لويس عن الرؤية السائدة لدى المسلمين وهي تقسيم العالم إلى قسمين: دار الإسلام حيث تسود العقيدة والشريعة الإسلامية ودار الكفر أو دار الحرب.

أما دار الحرب أو البرابرة فتنقسم بدورها من وجهة نظر المسلمين إلى قسمين: قسم عبدة الأوثان الواقع سابقا جنوب دار الإسلام وشرقها والقسم الآخر فيقع شمالا وغربا وهم المسيحيون.

في القرون العشرة الأولى كانت الغلبة والتمدد للمسلمين على خصومهم المسيحيين الذين تراجعوا أمامهم في شمال أفريقيا والشام قبل أن يصل المسلمون إلى أوروبا في صقلية والبرتغال وحينما استرد المسيحيون أسبانيا والبرتغال كان المسلمون يتمددون في شرق أوربا وصولا إلى أسوار فيينا.

ومنذ هزيمة الأتراك العثمانيين على أسوار فيينا عام 1683 انتقل (الإسلام)[1] إلى حالة التراجع والدفاع عن النفس بل ووقع العالم الإسلامي داخل دائرة نفوذ الحضارة المسيحية.

مرت هزيمة المسلمين عبر ثلاث مراحل.

الأولى: فقدان الهيمنة على النظام العالمي لصالح روسيا والغرب.

الثانية: تآكل السيادة الداخلية للمسلمين داخل أوطانهم بسبب الغزو الثقافي والفكري والأخلاقي الآتي من الغرب.

الثالثة: تآكل قدرة المسلم داخل بيته على التحكم بزوجاته وأطفاله.

لذا كان من الطبيعي ومن وجهة نظر السيد/ لويس أن يصب المسلم جام غضبه على الغرب الكافر المسئول عن كل ما لحق به من مصائب وويلات!!. انتهى النقل.

لم يأت السيد برنارد لويس بشيء من عنده إذ أن تقسيم العالم لدار إسلام ودار حرب (كل من عدا المسلمين) ليس اختراعا بل هو من الأسس التي قام عليها (الفقه الإسلامي) وهو الأساس الذي بنى عليه أسامة بن لادن تقسيم العالم إلى فسطاطين (فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر) كما جاء في خطابه يوم 7 أكتوبر 2001:

إنّ هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين!: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه!، وفسطاط كُفْرٍ!، أعاذنا الله وإيّاكم منه، فينبغي على كلّ مسلم، أنْ يهبّ لنصرة دينه، وقد هبّت رياح الإيمان، وهبّت رياح التّغيير لإزالة الباطل! مِنْ جزيرة مُحَمد صلى الله عليه وسلم.

أما كتب الفقه الحنبلي فتزخر بذات التقسيم كما ورد في كتاب (الكافي في فقه أحمد ابن حنبل):

ويقاتل أهل الكتاب و المجوس، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لقول الله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، و يقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا، في ظاهر المذهب. ولا يجوز قتل نسائهم، وصبيانهم، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء و الصبيان متفق عليه، ولأنهما يصيران رقيقاً ومالاً للمسلمين فقتلهما إتلاف لمال المسلمين. الكافي في فقه أحمد ابن حنبل.
من البديهي أن العالم ينقسم عقائديا إلى قسمين: مسلمون وغير مسلمين وأن غير المسلمين ينقسمون إلى أهل كتاب أو أصحاب ديانات سماوية سابقة على الإسلام وأصحاب ديانات غير سماوية ووثنيون ولا دينيين من الأساس.

لا نرى في القرآن تكليفا للمسلمين بحسم الخلاف العقائدي بين هذه الديانات عبر الحرب ولا نرى تكليفا ثابتا عدا البلاغ المبين أما الحرب والقتال فهي حالة استئثنائية تمليها الضرورات، أما الفصل فهو متروك ليوم الفصل يوم يقضي الله بين الخلائق بالحق والعدل.

يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[2].

السؤال المطروح هنا: هل كان من المنطقي والديني والقانوني أن يترجم خط التقسيم العقائدي إلى خط تقسيم حربي وأن يمنع الشرع قتل (النساء والصبيان) ليس لأنهم أصحاب حقوق إنسانية لا يجوز انتهاكها بل لاحتمالية أن يصير هؤلاء رقيقا ومالا للمسلمين ولأن قتل هؤلاء الأبرياء يشكل إهدارا للمال العام، لا للقيم الأخلاقية الإنسانية!!.

السؤال التالي: يتعلق بأصل تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب وهو ما يرتبط مباشرة بتفسير وضعي مخترع لآيات السيف (سورة التوبة 1-13) وافق أهواء البعض وربما الرغبة في (مضاعفة الدخل القومي) عبر استعباد مزيد من البشر خاصة من النساء والأطفال مما يؤدي لتلبية حاجات المجتمع من (العمالة الرخيصة والجنس الرخيص) وتحسين السلالة العربية عبر تطعيمها بأعراق إضافية (أوروبية وآسيوية وغيرها) وهو الإنجاز الأبرز الذي حققه هؤلاء المتوحشون باسم الإسلام والإسلام منهم ومن أفعالهم براء.

أصل الحكاية:

يقول ابن القيم في كتاب زاد المعاد: فأقام (رسول الله ص) بِضْعَ عشرة سنة بعد نبوته يُنْذِرُ بالدعوة بغير قتال ولا جِزية، ويُؤمر بالكفِّ والصبرِ والصَّفح.
ثم أُذِنَ له فى الهجرة، وأُذِنَ له فى القتال، ثم أمره أن يُقاتِلَ مَن قاتله، ويَكُفَّ عمن اعتزله ولم يُقاتله، ثم أمره بِقتالِ المشركين حتى يكونَ الدِّينُ كُلُّه لله، ثم كان الكفارُ معه بعد الأمرِ بالجهاد ثلاثة أقسام: أهلُ صُلح وهُدنة، وأهلُ حرب، وأهلُ ذِّمة، فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يُوفى لهم به ما استقامُوا على العهد، فإن خاف منهم خِيانة نبذَ إليهم عهدهم ولم يُقاتِلْهم حتى يُعْلِمَهم بِنَقْضِ العهد، وأُمِرَ أن يقاتل مَن نقض عهده. ولما نزلت سورة “براءة” نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يُقاتِلَ عدوَّه مِن أهل الكتاب حتى يُعطوا الجزيَةَ، أو يدخلوا فى الإسلام، وأمره فيها بجِهَادِ الكُفَّارِ والمنافقين والغِلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيفِ والسنانِ، والمنافقين بالحُجَّةِ واللِّسان.
وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عُهودهم إليهم، وجعلَ أهلَ العهد فى ذلك ثلاثة أقسام: قسماً أمره بقتالهم، وهُم الذين نقضُوا عهده، ولم يستقِيموا له، فحاربهم وظهر عليهم. وقسماً لهم عهد مُؤقَّت لم ينقضُوه، ولم يُظاهِروا عليه، فأمره أن يُتِمَّ لهم عهدَهم إلى مدتهم. وقسماً لم يكن لهم عهد ولم يُحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يُؤجلهم أربعة أشهر، فإذا انسلخت قاتلهم، وهى الأشهر الأربعة المذكورة فى قوله: {فَسِيحُواْ فِى الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} وهى الحُرُمُ المذكورة فى قوله: {فإذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتلُواْ الْمُشرِكيِنَ}. فالحُرُم ههنا: هى أشهر التسيير، أولها يومُ الأذان وهو اليومُ العاشر من ذى الحِجة، وهو يومُ الحجِّ الأكبر الذى وقع فيه التأذين بذلك، وآخِرُها العاشر من ربيع الآخر، وهو إنما أجلهم أربعة أشهر، ثم أمره بعد انسلاخها أن يُقاتلهم، فقتل الناقض لعهده، وأجَّل مَنْ لا عهد له، أو له عهد مطلق أربعة أشهر، وأمره أن يُتمَّ للموفى بعهده عهدَه إلى مدته، فأسلم هؤلاء كُلُّهم، ولم يُقيموا على كفرهم إلى مدتهم، وضَرَبَ على أهل الذِّمة الجِزية[3].

يزعم القوم أن الآية الكريمة قضت بما يلي: قسم لهم عهد مُؤقَّت لم ينقضُوه، فأمره أن يُتِمَّ لهم عهدَهم إلى مدتهم. وقسم لم يكن لهم عهد ولم يُحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يُؤجلهم أربعة أشهر، فإذا انسلخت قاتلهم!!!.

كيف؟؟!!

ما هو المنطق القانوني والأخلاقي الذي يبيح نقض العهد مع من عاهدهم رسول الله عهدا أبديا ولم ينقضوه في حين أن القرآن أقر العهود المؤقتة إلى نهايتها (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين)؟!.

ما هو المنطق الذي يسوي بين أصحاب المعاهدات الدائمة الذين لم ينقضوها ولم يخلوا بالشروط التي التزموها وبين من كان لهم عهد وخانوا الأمانة وأي عدالة توجب منح هؤلاء وهؤلاء أربعة أشهر فقط لا غير قبل أن ينهال السيف على رؤوسهم؟!.

ما هو المنطق الذي يوجب الحفاظ على عهد مؤقت قد تكون مدته مائة عام في حين يتوجب نقض عهد أبدي وإمهال صاحبه أربعة شهر فقط لا غير قبل أن يصطلم بالسيف؟!.

العقل السوي يحكم بأن صاحب العهد الممتد غير المقيد بمدة زمنية هو أهل لثقة طويلة وممتدة على عكس أصحاب العهود المحددة بمدة زمنية تسقط المعاهدة بعدها.

المهم أن السادة الذين قدموا لنا هذا التفسير الذي لا يقره عقل ولا يصرح به نص قد وضعوا الأمة بأسرها في ورطة كبرى وهي عدم جواز إبرام أي معاهدات بين المسلمين وغيرهم بعد نزول هذه الآيات وهو ما خالف الواقع الذي شهد إبرام الكثير من المعاهدات من يومها إلى يومنا هذا ويناقض القرآن الذي يوجب الحفاظ على العقود والعهود إلى يوم الدين ومن ثم يبيح إبرامها أي أنه لا يوجد نص ولا يمكن أن يوجد نص يمنع من عقد المعاهدات.

يقول تعالى:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[4].

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[5].

(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً)[6].

وغيرها وغيرها من الآيات التي توجب وتوصي بالوفاء بالعهود والمواثيق.

من ناحية أخرى فنحن نعتقد أن المشكلة لم تنجم بسبب تفسير مغلوط للآية بل بسبب قراءة مغلوطة للنص إذ لا يوجد دليل من أي نوع على إلغاء العهود والمواثيق الممتدة بين المسلمين وغيرهم بل يوجد الدليل على عكس ذلك في الآيات: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي أن مبدأ التعاقد مبدأ ثابت وممتد (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) بل وأن هذه الاستقامة والحفاظ على العهود هي من التقوى التي أمر الله المؤمنين بها.

يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: رفع الأمان عن الذين عاهدوهم من المشركين ليس رفعا جزافيا أو إبطالا للعهد من غير سبب يبيح ذلك فإن الله تعالى يذكر بعد عدة آيات أنهم لا وثوق بعهدهم الذي عاهدوه وقد فسق أكثرهم ولم يراعوا حرمة العهد ونقضوا ميثاقهم، وقد أباح تعالى عند ذلك إبطال العهد بالمقابل نقضا بنقض حيث قال: “وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين:” الأنفال: – 58 فأباح إبطال العهد عند مخافة الخيانة ولم يرض مع ذلك إلا بإبلاغ النقض إليهم لئلا يؤخذوا على الغفلة فيكون ذلك من الخيانة المحظورة.

ولو كان إبطال العهد من غير سبب مبيح لذلك من قبل المشركين لم يفرق بين من دام على عهده منهم وبين من لم يدم عليه، ولذا قال تعالى “إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين”.

ولم يرض تعالى بنقض عهد هؤلاء المعاهدين الناقضين لعهدهم دون أن يضرب لهم أجلا ليفكروا في أمرهم ويرتئوا رأيهم ولا يكونوا مأخوذين بالمباغتة و المفاجأة.

فمحصل الآية الحكم ببطلان العهد ورفع الأمان عن جماعة من المشركين كانوا قد عاهدوا المسلمين ثم نقضه أكثرهم ولم يبق إلى من بقي منهم وثوق تطمئن به النفس إلى عهدهم و تعتمد على يمينهم و تأمن شرهم و أنواع مكرهم.

قوله تعالى: “إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم يظاهروا عليكم أحدا” إلخ، استثناء من عموم البراءة من المشركين، و المستثنون هم المشركون الذين لهم عهد لم ينقضوه فمن الواجب الوفاء بميثاقهم و إتمام عهدهم إلى مدتهم.

و قوله تعالى: “إن الله يحب المتقين” في مقام التعليل لوجوب الوفاء بالعهد ما لم ينقضه المعاهد المشرك، و ذلك يجعل احترام العهد وحفظ الميثاق أحد مصاديق التقوى التي يأمر بها القرآن و قد صرح به في نظائر هذا المورد كقوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى:” المائدة: – 8 و قوله: “ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان واتقوا الله:” المائدة: – 2.

إنه نفس المعنى الذي يؤكده الشيخ الطوسي في تفسير التبيان حيث يقول رحمه الله في معنى (فأتموا عهدهم): أن النبي صلى الله عليه وآله صالح أهل هجر وأهل البحرين وإيلى ودومة الجندل وأدرج، وأهل معان، وهم ناس من اليهود في توجهه إلى تبوك وله عهود الصلح والحرب غير هذه، ولم ينبذ اليهم بنقض عهد، ولا حاربهم بعد ان صاروا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله. ووفى لهم بذلك من بعده فمن حمل ذلك على جميع العهود فقد أخطأ والإتمام بلوغ الحد في العدة من غير زيادة ولانقصان فهنا معناه إمضاء الأمر على ما تقدم به العهد إلى انقضاء أجل العقد. والمُدد زمان طويل الفسحة واشتقاقه من مددت له في الأجل للمهلة. والمعنى إلى انقضاء مدتهم. انتهى.

الذي نخلص إليه مما سبق أن ليس هناك نقض عشوائي للعهود والمواثيق المبرمة بين المسلمين وغيرهم من الأمم وأن القاعدة القرآنية الحاكمة لهذه العلاقة هي قوله تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) سواء كان هذا العقد دائما أو مؤقتا بمدة زمنية طالت أم قصرت.

الأمر الثاني أن البراءة من المشركين وحتى من أدعياء الإسلام لا ترتبط بديانتهم بل بمدى التزامهم بعهودهم ومن ثم فوجوب قتالهم يرتبط بنكثهم وخيانتهم للعهود أو بعدوانهم على المسلمين.

لا شيء من هذه المبادئ يشكل خروجا على المألوف الإنساني أو على القانون الدولي العام كون كل هذا يندرج في إطار الحق الطبيعي للدفاع عن النفس والكيان والوجود وهو ما لا نتبرأ منه بل نصر عليه إلى يوم القيامة.

يقول تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)[7].

تؤكد هذه الآيات من سورة الأنفال وخاصة قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها, على المعنى الذي قرر البعض أن يتنصل منه بسبب الإفراط في تقدير مخزون القوة الذي امتلكه المسلمون في بدايات تاريخهم السياسي والرغبة الجامحة في التخلص من كل قيد يحد من صلاحية النظم الحاكمة في شن حروب الفتح المالي وإثراء خزائن الدولة وإنفاقها على الملذات والشهوات وتحويل بوصلة الصراع واستنزاف القوى البشرية بعيدا عن الصراع الداخلي ليمكن القول أن دولة الفجور والترف هي دولة تسعى لنشر راية الإسلام خفاقة بين ربى العالمين!!.

المسلمون والطرف الثالث

كثيرا ما سمعنا بعد ثورة 25 يناير في مصر مصطلح (الطرف الثالث) وهو مصطلح يراد به إلقاء مسئولية ما لا يرغب الأطراف الأساسيون في تحمل مسئوليته، على طرف ثالث غامض أو واضح يمكن أن يخفف حدة الصراع بين الطرفين 1و2.

أما إذا كان الطرف واحد يرغب في تحمل كامل المسئولية والعبء فلن نسمع رقم 3 هذا على الإطلاق حتى ولو كان موجودا.

وبغض النظر عن صحة رؤية هذا التيار وفقهائه للعالم وكونه ينقسم حصريا إلى دار حرب ودار سلم فالحاجة السياسية كانت تملي على المسلمين إبقاء (الطرف الثالث) حاضرا في المعادلة الكونية كونه يمكن أن يخفف عنهم الضغط تارة أو يقوم بدور الوساطة تارة أخرى لئلا يجد المسلمون أنفسهم في مواجهة العالم بمفردهم!!.

الحاجة السياسية هي التي أملت على العثمانيين الجدد اللهاث وراء حلم الانضمام لأوروبا وهي التي كانت في السابق مجرد دار حرب والمورد الأساس للثروة القومية ممثلة في النساء والأطفال!!.

لماذا تجاهل هؤلاء (الفقهاء) لو كانوا حقا من الفقهاء ولو كان مصدر فتاواهم هو الكتاب والسنة بقية الآيات القرآنية التي توسع دائرة التآخي والصداقة بين المسلمين وقطاع واسع من النصارى كما أنها لا تقفل الباب نهائيا أمام الصداقة مع اليهود إذا توافرت الشروط الضرورية لإقامة هذه الصداقة.

لماذا تجاهل هؤلاء الفقهاء الآيات التي تمدح فريقا لا يستهان به من المسيحيين ومن بينها.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)[8].

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[9].

اللافت للانتباه أن آية سورة الممتحنة تتحدث عن غير المسلمين ولذا فهي أشمل وأعم من آيات سورة المائدة التي تتحدث عن أهل الكتاب وتحدد معيارا واضحا لمن يتعين معاداتهم وهو أن يقاتلنا هؤلاء بسبب ديننا أو يخرجونا من ديارنا أو يظاهروا على إخراجنا لا لمجرد كونهم كفارا أو على دين مختلف غير دين الإسلام.

أما عن آية سورة المائدة فهي تؤسس لعلاقة ودية طيبة مع قطاع لا يستهان به من النصارى ومن ضمنهم قطاع لا يستهان به من نصارى الجزيرة العربية الذين لم يعلنوا يوما ما حربا على رسولنا الأكرم محمدا صلى الله عليه وآله ولم نسمع عن دور متآمر قاموا به ضمن التحالف الأموي اليهودي الذي جمع قضه وقضيضه للقضاء على الإسلام والمسلمين يوم غزوة الأحزاب.

الوهم الذي عاش فيه هؤلاء الفقهاء هو وهم الزعم بنسخ سائر الآيات التي ترسم منهج الجهاد في سبيل الله ومن ضمنها قوله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[10]، ومن ثم يصبح الحديث عن دار حرب يقابلها دار للإسلام حديثا عن فكرة مخترعة لاقت قبولا واسعا في زمن كانت الدولة المتمسحة بالإسلام تعتقد أن لديها فائضا للقوة العسكرية والجنسية تمكنها من أسر نساء أوروبا وغلمانها ولا يهم بعد ذلك أن يصل المسلمون إلى حالة الاستضعاف بعد هذا القدر الهائل من الإنهاك الجسدي والعسكري الذي تعرض له ذكور الأمة، ملوكها ورؤساؤها وجنودها في حروب المدن وجهاد النكاح!!.

يأتي الآن من يعيد الكَرة في حروب عبثية طائفية يباركها (فقهاء) البلاء رغم أن نظريتهم (الفقهية) قد سقطت نهائيا بعد أن قررت تلك الإمارات والمشيخات التي تستعين بهؤلاء الفقهاء أن (الغرب الصليبي الكافر) لم يعد دار الحرب واستبدلتها بديار رفاق الدين المختلفين في المذهب.

الآن أصبح الغرب الأوروبي (دار لهو) لأمراء البغاء والغباء العربي، ولم تعد (دار حرب) وها نحن نسمع العتب والغضب على الغرب الأوروبي الأمريكي (دار الحرب) سابقا لأنه أعلن أنه لن يشن حربا للدفاع عن (دار الإسلام) في مواجهة إيران وهكذا اختلطت الأوراق وأصبح عاليها سافلها ولم يبق إلا أن تنزل من السماء على رؤوس هؤلاء حجارة من سجيل لتجعلهم كعصف مأكول ليرتاح العالم ونرتاح من كذبهم ونفاقهم.

نعود إلى أصل المسألة.

عندما أحس العرب المتغلبون بفائض قوتهم وقدرتهم على سحق أعدائهم وإذلالهم وفرض شروطهم تبنوا نظرية تقسيم العالم إلى قسمين لا ثالث لهما: دار حرب ودار سلم ودار في فلكهم من يسمونهم بالفقهاء.

عندما تقلص هذا الفائض ونضب، لم يراجع فقهاؤنا ولا أمراؤنا شيئا من مسلماتهم التي أسندوها إلى القرآن، وبدلا من محاولة استعادة التوازن العسكري والتقني المفقود، قرروا أن يصبوا جام غضبهم على من يرونه أضعف منهم، سواء من رفاقهم في الدين والمعتقد، أو ممن تبقى تحت إمرتهم من (أهل الكتاب) من مسيحيي الشرق الذي لا يملكون قوة عسكرية مستقلة تدفع عنهم، قرر السادة الملوك والأمراء نقل دار الحرب إلى الداخل، إذ أن هؤلاء لا يعنيهم في قليل ولا كثير إعلاء كلمة الله قدر اهتمامهم بإذلال مخالفيهم وقتلهم وهتك أعراضهم.

القضية إذا لا تتعلق بخلاف عقائدي بين المسلمين والنصارى قدر تعلقها بحب السيطرة والعلو في الأرض رغم قوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص (83).

أما فيما يتعلق بعلاقة الإسلام بالديانة المسيحية فالمؤكد لدينا أن الصدام الحربي لم يكن هو القاعدة الثابتة في العلاقة بين الفريقين مع تمييز واضح بين الأفرقاء النصارى وهو تمييز ينطلق من قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) وهو حكم ينطلق من قواعد متينة صلبة لا من مجرد عاطفة أو رغبة.

السلوك الإنساني عامة لا ينطلق من باعث واحد هو الباعث الديني حيث تتداخل العوامل المختلفة لتشكل معالم التصرف البشري.

ليس الدين وحده هو الذي يدفع الإنسان لاتخاذ موقف ما ولو قبلنا بهذا لقبلنا بأن تصرف المسلمين ينطلق حصريا من تفسيرهم للنصوص الدينية وهو ما يختلف عليه الكثير منهم ولولا ذلك لما كان هناك فرق ولا مذاهب ولا نزاعات سياسية ولا عرقية أو مالية، ولا قتل الأخ أخاه طلبا للسلطة والجاه.

نماذج من السيرة النبوية والتاريخ

نموذجان من تاريخنا الإسلامي لم يكن فيه المسيحي هو العدو الذي يتحتم قتله وسبي نسائه وأطفاله بل كان الطرف الآخر الذي يتعين محاورته وإقامة علاقة سلم وصداقة معه.

النموذج الأول هو الحوار الذي أقامه رسولنا الكرم محمدا صلى الله عليه وآله مع هرقل رأس الدولة البيزنطية آنئذ على هامش غزوة تبوك التي تحرك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله على رأس جيشه إلى شمال الجزيرة العربية (في العام التاسع للهجرة) على تخوم دولة الروم فهي أيضا لم تكن هبة عفوية من دون أسباب مباشرة كما اعتاد المؤرخون من جماعة (غزا يغزو غزوا) على سردها من دون مقدمات.

يذكر الواقدي في المغازي: كَانَتْ الأَنْبَاطُ (سكان الأردن) يَقْدَمُونَ الْمَدِينَة بِالدّرْمَكِ وَالزّيْتِ فِى الْجَاهِلِيّةِ، وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ الإِسْلامُ، كَانَتْ أَخْبَارُ الشّامِ عِنْد الْمُسْلِمِينَ كُلّ يَوْمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الأَنْبَاطِ، فَقَدِمَتْ قَادِمَةٌ فَذَكَرُوا أَنّ الرّومَ قَدْ جَمَعَتْ جَمُوعًا كَثِيرَةً بِالشّامِ، وَأَنّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ، وَجُذَامُ، وَغَسّانُ، وَعَامِلَةُ، وَزَحَفُوا وَقَدّمُوا مُقَدّمَاتِهِمْ إلَى الْبَلْقَاءِ، وَعَسْكَرُوا بِهَا، وَتَخَلّفَ هِرَقْلُ بِحِمْصٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَالُوهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَدُوّ أَخْوَفَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ لِمَا عَايَنُوا مِنْهُمْ – إذْ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ تُجّارًا – مِنْ الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ وَالْكُرَاعِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ لا يَغْزُو غَزْوَةً إلاّ وَرّى بِغَيْرِهَا، لِئَلاّ تَذْهَبَ الأَخْبَارُ بِأَنّهُ يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا، حَتّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ فِى حَرّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ غُزّى وَعَدَدًا كَثِيرًا، فَجَلّى لِلنّاسِ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، وَأَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الّذِى يُرِيدُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ إلَى الْقَبَائِلِ، وَإِلَى مَكّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إلَى غَزْوِهِمْ، فَبَعَثَ إلَى أَسْلَمَ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْلُغَ الْفُرْعَ، وَبَعَثَ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِىّ إلَى قَوْمِهِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ بِبِلادِهِمْ، وَخَرَجَ أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِىّ فِى قَوْمِهِ، وَخَرَجَ أَبُو الْجَعْدِ الضّمْرِىّ فِى قَوْمِهِ بِالسّاحِلِ، وَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ، وَجُنْدُبَ بْنَ مَكِيثٍ فِى جُهَيْنَةَ؛ وَبَعَثَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فِى أَشْجَعَ، وَبَعَثَ فِى بَنِى كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ وَعَمْرَو ابْنَ سَالِمٍ وَبِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ؛ وَبَعَثَ فِى سُلَيْمٍ عِدّةً مِنْهُمْ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَحَضّ رَسُولُ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ بِالصّدَقَةِ، فَحَمَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً.

وسواء كان الحشد الذي أمر به هرقل الروم حقيقيا أم أنه كان مجرد تخويف كما يرى صاحب المغازي (وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَالُوهُ)، فالشيء المؤكد أن الروم كانوا يرسلون بهذا الحشد الحقيقي أو المزعوم رسالة تهديد وتخويف للدولة الإسلامية وهي رسالة مشفوعة بما حدث سابقا من قتل لرسول رسول الله إلى ملك بصرى وما تلا ذلك من معركة مؤتة التي استشهد فيها عدد لا يستهان به من أكابر المسلمين وهم جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وهي المعركة التي حدثت في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة في حين وقعت غزوة تبوك في رجب من السنة التاسعة للهجرة أي بعدها بثلاثة عشر شهر تقريبا.

نلاحظ أيضا أن كثيرا من المؤرخين لم يربط بين غزوة تبوك ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قيصر الروم هرقل رغم أنها أرسلت إليه أثناء وجوده صلى الله عليه وآله في تبوك وأن مواجهة عسكرية لم تحدث بين الفريقين حيث أقام صلى الله عليه وآله في تبوك عشرين ليلة كانت فترة حوار غير مباشر بين رسولنا الأكرم وهرقل حيث جرى في الفترة تبادل الرسائل بين الفريقين وكان أن قفل رسولنا عائدا إلى المدينة بعد أن حقق الهدف السياسي الذي كان يسعى لتحقيقه.

يروي ابن كثير في البداية والنهايةتحت عنوان قدوم رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك:

قال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا يحيى بن سليم  عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن أبي راشد قال لقيت التنوخي رسول الله هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص وكان جارا لي شيخنا كبيرا قد بلغ العقد (مائة عام) أو قرب.
فقلت ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال بلى: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي إلى هرقل فلما أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم؟ وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال، يدعوني أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقى إليه الحرب.
والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي فهلم فلنتبعه على دينه أو نعطيه مالنا على أرضنا، فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لاعرابي جاء من الحجاز.
فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم ردهم وقال لهم: إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال: ادع لي رجلا حافظا للحديث، عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاء بي فدفع إلي هرقل كتابا فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما سمعته من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال، انظر هل يذكر صحيفته إلي التي كتب بشئ، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شئ يريبك.
قال فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا على الماء، فقلت أين صاحبكم؟ قيل ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه، فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال “ممن أنت” فقلت أنا أخو تنوخ قال “هل لك إلى الاسلام الحنيفية ملة أبيكم ابراهيم؟ “قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم، فضحك وقال “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين، يا أخا تنوخ إني كتبت بكتاب إلى كسرى والله ممزقه وممزق ملكه وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مخرقه ويخرق ملكه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير” قلت هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جنب سيفي ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية فإذا في كتاب صاحبي تدعوني إلى جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار” قال: فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي، فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال “إن لك حقا وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرملون “قال: فناداه رجل من طائفة الناس قال أنا أجوزه، ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري، قلت من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله “أيكم ينزل هذا الرجل؟” فقال فتى من الانصار: أنا، فقام الانصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله فقال “تعال يا أخا تنوخ” فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره وقال “هاهنا امض لما أمرت
به” فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحمحمة الضخمة.
مصالحته عليه السلام ملك أيلة وأهل جرباء وأذرح قبل رجوعه من تبوك:

قال ابن إسحاق: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة، صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية، كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم، وكتب ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل ايلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر: لهم ذمة الله وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه.
وأنه طيب لمن أخذه من الناس، وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يردونه من بر أو بحر.
زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق بعد هذا، وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله.
وكتب لاهل جرباء وأذرح: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لاهل جرباء وأذرح، أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب، ومائة أوقية طيبة، وأن الله عليهم كفيل بالنصح والاحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين.
قال: وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهل أيلة برده مع كتابه أمانا لهم، قال: فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلثمائة دينار.
كما يذكر ابن جرير الطبري المزيد من التفاصيل عن حوارات رسول رسول الله دحية الكلبي مع كبير أساقفة الروم:

إن هرقل قال لدحية بن خليفة الكلبي حين قدم عليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لاعلم أن صاحبك نبي مرسل، وأنه الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى صغاطر الاسقف فاذكر له أمر صاحبكم فهو والله في الروم أعظم مني وأجود قولا عندهم مني، فانظر ماذا يقول لك؟ قال فجاء دحية فأخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وبما يدعو إليه، فقال صغاطر والله صاحبك نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا باسمه، ثم دخل وألقى ثيابا كانت عليه سودا وليس ثيابا بياضا ثم أخذ عصاه فخرج على الروم في الكنيسة فقال: يا معشر الروم إنه قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى الله وأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله. قال فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فضربوه حتى قتلوه. قال: فلما رجع دحية إلى هرقل فأخبره الخبر قال: قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا، فصغاطر والله كان أعظم عندهم وأجوز قولا مني.
وروى الطبراني من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه، عن عبد الله بن شداد، عن دحية الكلبي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر صاحب الروم بكتاب فقلت استأذنوا لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى قيصر فقيل له إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك وقال: أدخله، فأدخلني عليه وعنده بطارقته فأعطيته الكتاب فإذا فيه، بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم، فنخر ابن أخ له أحمر أزرق سبط فقال لا تقرأ الكتاب اليوم فإنه بدأ بنفسه وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم، قال فقرئ الكتاب حتى فرغ منه ثم أمرهم فخرجوا من عنده ثم بعث إلي
فدخلت عليه فسألني فأخبرته، فبعث إلى الاسقف فدخل عليه – وكان صاحب أمرهم يصدرون عن رأيه وعن قوله – فلما قرأ الكتاب قال الاسقف: هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر. قال قيصر فما تأمرني؟ قال الأسقف أما أنا فإني مصدقه ومتبعه، فقال قيصر: أعرف أنه كذلك ولكن لا أستطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم.

لم تكن غزوة تبوك إذا مشروعا للغزو والقتل والسبي بل كانت مشروعا للحوار مع الآخر النصراني من موضع القوة لا من موقع الاستجداء والضعف.

الدولة الفاطمية والتحالف مع مسيحيي بيزنطة

النموذج الآخر هو الهدنة التي عقدت بين الدولتين الفاطمية والبيزنطية (تركيا الآن) تلك الهدنة التي دامت لعشرات السنين حيث شكل الروم البيزنطيون عازلا منع الفرنج من اجتياح العالم الإسلامي عبر منعهم من عبور أراضيهم (تركيا الآن)، وكانت هذه الهدنة من موقع القوة بعد كسر شوكة البيزنطيين الحربية في بلاد الشام[11].

عقدت أول هدنة بين الفريقين لمدة عشر سنوات سنة 391هـ /1001مـ وكان من شروط الصلح أن يتمتع الروم في بلاد الفاطميين بالحرية ويسمح لهم بتجديد كنائسهم[12].

وفي سنة 405هـ أرسل الروم وفدا إلى الحاكم الذي أحسن استقبالهم في قصره فاصطفت العساكر بعددها وأسلحتها وفرش الإيوان[13]

ثم فكر باسيل ملك الروم في نقض الهدنة فهدم مسجد المسلمين في القسطنطينية فما كان من الحاكم إلا أن أصدر أمرا بهدم كنيسة القيامة سنة 400هـ.

كما سعى الحاكم بأمر الله الفاطمي  للتقارب مع الأبخاز (سكان جورجيا) وكانوا أعداء لباسيل الثاني الذي أرسل إليهم أسطولا فكاتب جرجس ملكهم الحاكم ليعاونه ويبدو أن خطوات الحاكم الانتقامية جعلت باسيل لا يتحرك.

هذه السياسة السلمية القائمة على اليقظة مع بيزنطة مكنت الحاكم من السيطرة على الشام بصورة تامة وهو ما لم يحدث من قبل حيث كان عرب الشام أعداء للفاطميين حتى بعد استيلاء العزيز على الشام.

يروي المقريزي في اتعاظ الحنفا: وفي سنة 418هـ وقعت الهدنة بين متملك الروم وبين الخليفة الفاطمي الظاهر عن ديار مصر والشام وكتب بينهما كتاب وتفردت الخطبة للظاهر ببلاد الروم‏‏ وفتح جامع القسطنطينية وعمل له الحصر والقناديل وأقيم به مؤذن وعند ذلك أذن الظاهر في فتح كنيسة القمامة التي بالقدس فحمل إليها ملوك النصارى الأموال والآلات.

وفي سنة 427هـ جددت الهدنة بين الظاهر وبين ميخائيل ملك الروم عشر سنين متوالية‏.‏

انتقلت العلاقة بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية من المواجهة إلى الهدنة والصداقة مما ساعد الفاطميين على الحفاظ على دولتهم إلى أن جاء الغز السلاجقة أجداد أردوجان وقاموا بتخريب تلك العلاقة مما أدى للقضاء على الدولتين وأفسح الطريق واسعا أمام همجية الصليبيين الفرنج للاستيلاء على القدس وغرس أنيابهم وأظفارهم في جسد العالم الإسلامي المنهك بالهيمنة الغربية من يومها وحتى لحظتنا هذه.

إنه المنهج الهمجي الفوضوي الذي يؤمن بلحظة القوة ورغم ذلك فما زال أردوجان يتبجح بإنجازات أجداده السلاجقة التخريبية والتي مهدت لوضع العالم الإسلامي في مأزقه الذي يعيش فيه الآن باحثا عن مخرج وخلاص لكنه لا يعرف من أين أو إلى أين!!.

البحث عن مخرج

بينما تتواصل عمليات الحشد التكفيري على الصعيد الفكري وعلى الصعيد الواقعي نرى أصحاب الفكر والرأي القادرين على التصحيح والتصويب يتثاقلون ويتباطئون، يصلون ليلهم ونهارهم يتثاءبون دون أن يبذلوا جهدا حقيقيا لمنع الفكر التكفيري الاستئصالي من التمدد والانتشار بين عقول الشباب انتشار النار في الهشيم.

نرى كرنفالات ومؤتمرات تحتفي بشخوص نراهم في كل المؤتمرات التي ذهبنا إليها، لكننا لا نرى لهم إنتاجا فكريا، ولو كان لهم هكذا إنتاج فليس هناك من يعتني بنشره وتعميمه.

لا عجب أن يتقاطر التكفيريون مغسولوا الأدمغة على سوريا والعراق لقتل وذبح أكبر عدد ممكن من البشر حتى ولو كانوا يؤمنون بذات الأفكار.

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) الرعد (11).

دكتور أحمد راسم النفيس

‏26‏/12‏/2013

 

[1] هكذا حرفيا.

[2] البقرة 62.

[3] زاد المعاد لابن القيم ج3 ص 159-160.

[4] المائدة 1.

[5] النحل 91.

[6] الإسراء 34.

[7] الأنفال 55-62.

[8] المائدة 82-85.

[9] الممتحنة 8-9.

[10] البقرة 190.

[11] الفاطميون والقدس: أحمد راسم النفيس دار المحجة البيضاء 2010 بيروت.

[12]  د عبد المنعم ماجد قيام الدولة الفاطمية وسقوطها. ص 125.

[13] نفس الصدر ص 126.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى