دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: أفكار مستعملة (ومستهلكة)… للبيع وارد الخارج… استعمال طبيب!!
أفكار ماتت ودفنت وتجارب فشلت لكن ممنوع اللمس والاقتراب!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: أفكار مستعملة… للبيع وارد الخارج… استعمال طبيب!!
منذ مدة طلب مني صديقي الدكتور ناجي أمهز طرح رؤية عن دور النخب الفكرية في عالمنا الإسلامي إلآ أني تباطأت عن الاستجابة لأني لا أعرف على وجه الدقة من هذه النخب وما علاقتي بذلك؟؟!!.
باستثناء النخبة السياسية التي تقود المواجهة مع الاستكبار العالمي وأدواته والتي ضحت وأفنت عمرها قياما بهذا الواجب فالأمر ليس واضحا بالنسبة لي، فمن تكون هذه النخب؟!، كما أن تجاربي غير السعيدة مع المتصدرين للشأن الثقافي لا تشجع على دس الأنف ويكفي نصف قرن من البلاء والجفاء!!.
أخيرا وبسبب عتابه كتبت هذه السطور:
قَال الإمام علي لِابْنِهِ الْحَسَنِ (عليهما السلام) يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ: إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ وَأَوْحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ.
ويقول عليه السلام:
(اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ، أُولَئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ).
قبل فترة كتبت عن الهمروجة الاحتفالية التي أقامها البعض احتفاء بفيلسوف الأوراسية الجديدة مبديا دهشتي واستغرابي ليس فقط من الاحتفاء بالرجل الذي ينَظِر لبلده ومحيطه بل من مبدأ الاحتفاء بالفكر في حد ذاته، إذ أن الفكر والمفكرين لا مكان لهم على مسرح الإعلام العربي الضيق للغاية المحجوز سلفا لأشباه المفكرين وأنصاف الموهوبين ويكاد يكون من المستحيل أن تحشر نفسك فيه، لا أن تجد مكانا لائقا!!.
ما أحوجنا للاستنارة بأطروحات وأفكار من (هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى) بدلا من ترك مساحات كثيرة فارغة أو ملأها بما تيسر على طريقة نصف العمى ولا العمى كله.
الأمر يشبه ما تفعله الشعوب الفقيرة حينما تلجأ لاستبدال الأجزاء التالفة من السيارة بقطع غيار مستعملة وارد الخارج مثلما يفعل كثيرون ونحن منهم تجنبا لشراء قطع جديدة باهظة الثمن.
لا يقتصر الحال على مجال الفكر الإسلامي بل يمتد ليشمل مساحات واسعة مثل العلوم المستقبلية والدراسات السياسية والاستراتيجية.
يقول الإمام علي ع (كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ).
الحديث إذ عن علم وعلماء وفكر ومفكرين لا مجال فيه للاكتفاء بما هو موجود أو الزعم بأن المتصدرين ملأوا الفراغ وكفوا ووفوا فإناء العلم ليس إناء خاصا أو فرديا بل هو بحر واسع تمتد حدوده وآفاقه امتداد البصر يقبل ويرحب بمشاركة كل من بوسعه أن يلقي بدلوه ليملأه أو يدلي بدلوه ليغترف منه!!.
كما أن همروجة فيلسوف الأوراسية تشير إلى أن منطق استيراد أفكار مستعملة، غالبا هي غير مطابقة لأوضاعك وظروفك هو منطق كارثي إذ أن الأولوية ينبغي أن تكون لأبناء الساحة الذين يعرفونها ويتنفسون همومها مع الهواء وليس أبدا لاستيراد الفكر حتى وإن كان (بحالة جيدة)!!.
قبل عقود من الآن وحينما كان منظرو اليسار من أصحاب الصوت العالي يملأون الساحة بضجيجهم كانت السلطة العربية منزعجة للغاية منهم ولا تكف عن التنديد ب(الأفكار المستوردة) وكأنهم يرغبون بحق في التعاطي مع (أفكار وطنية) بينما يقول واقع الحال أن موقفهم من المحلي لا يختلف عن موقفهم من المستورد ولسان حالهم يقول (كلما سمعت كلمة فكر تحسست مسدسي)!!.
في الآونة الأخيرة سمعنا كثيرا عن (العلمانية التي هي الحل) وسمعنا أيضا أن (الإسلام السياسي) سبب كوارث الكون دون أن تكون هناك أي فرصة لتنظير مقابل ليس بالضرورة دفاعا عن (الدولة الدينية) بل ترسيخا لبعض المفاهيم الأساسية التي يتعين إبقاؤها حية مقابل حملة التضليل التي يروجها أعداء الأمة الإسلامية.
رأينا مساحات واسعة تفرد من أجل الترويج (للقومية العربية) وكأنها من المعلوم بالضرورة، تلك التي لم تولد ولن تولد ولم تكن إلا تنظيرا جرى إخماده قبل أن يشعل نارا أو يوري قبسا لقابس، وكأنها هي الحل لمعضلة المسيحيين (العرب) والعرب هنا ليست بالمفهوم القومي أو العرقي بل بالمفهوم الثقافي وحسب!!.
لم يكن إعلامنا ومؤسساتنا الفكرية غائبة بالكلية خلال الفترة السابقة بل كانت محدودة ومكبلة ومربوطة دون سبب قوي بالمؤسسات السياسية التي تملي عليها الاعتبارات واللياقات في غالب الأحيان قلة التصريح بمواقف يمكن اعتبارها راديكالية ولا يمكن تبنيها من دول أو قوى!!.
خذ عندك المعضلة العثمانية ورديفها الإخواني وكيف صدق البعض أن السلجوقي التائه يمكن أن يكون أخا وشقيقا في حين أنه واقعيا مجرد جار مؤذ لا يمكن التخلص منه وكل ما هنالك محاولة تهذيب سلوكه وردع عدوانيته المفرطة!!.
كلامنا هذا لا يعني بالضرورة المطالبة بتأسيس مركز جديد للدراسات وتأجير مكان ووو وغيرها من الأشياء بل الاستفادة المثلى من المساحات المتاحة والاستعانة بالكفاءات المغيبة عمدا مع سبق الإصرار، فربما استطاع المفكر أن يعمل من بيته لكنه لا يستغني عن الدعم وسائر الإمكانات.
توسيع المساحات يعني توسيع مساحات البحث حيث هناك بالفعل نتاج فكري يحتاج لمن يعتني به نشرا وترويجا وتنوير للرأي العام المستهدف من الاستكبار العالمي ولا ندري هل هناك (اتفاق تعاون) بين قوى الأمر الواقع التي تستحوذ على كل ما هو متاح من إمكانات وتعمل من أجل تطويق حالات (التمرد) على السياق المتكلس الحالي ودهاقنة الاستكبار للإبقاء على هذا الحال؟!.
ربما!!
ما بعد العلمانية!!
طلب مني (مركز دراسات) دراسة عن (ما بعد العلمانية) ولما كانت وجهة نظري أن مصطلح (العلمانية) هو مجرد خدعة يصبح الحديث عما بعدها مواصلة للغش والخداع والتضليل.
المهم أن (الشاب) مدير المركز لم يعجبه البحث ورفض نشره والتفضل علي بقيمته تأسيا بسيدنا جوجل رضي الله عنه الذي يرفض منحي حصة من الإعلانات لمخالفتي تعليماته السامية!!.
التغريب والغزو الثقافي!!
منذ نصف قرن ونحن نسمع عن الغزو الثقافي والتغريب والعلمانية دون أن نرى أثرا ملموسا لهذه المزاعم اللهم إلا تشبه البعض بالغرب في الشكل وليس المضمون.
الثابت لدينا أن منظومة التهريج الفكري التي تزعم اضطلاعها بمهمة مقارعة الغزو الثقافي الموهوم تسهم دون أن تدري في الترويج لهذا الغزو عبر ادعائها مقارعة (الليبرالية) و(العلمانية) و(الغزو الثقافي) ومشروع (برنارد لويس لتقسيم العالم الإسلامي) دون أن تكلف نفسها مشقة تأسيس فكر إسلامي راشد يجيب على تساؤلات التائهين وما أكثرهم!!.
الغرب وعندما أجبرته الآثار الكارثية المدمرة للحربين العالميتين الأولى والثانية على سحب جيوشه من المنطقة ترك لنا جحافل الوهابية وكلفها بمهمة تدميرنا من الداخل أولا بأول وهو ما رصدناه في كتابنا (الداعشية الجزئية والشاملة) وقد قامت بدورها على خير وجه!!.
لا نرى مبررا لمقاتلة عدو وهمي في حين يجثم العدو الأخطر في عقر دارنا يتكلم بلساننا بل ويقرأ قرآننا ويستند في جرائمه لقال الله وقال الرسول وهذا هو التحدي الأكبر الذي نعيشه في أرض الواقع!!.
ولأن الله سبحانه يقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) فمن المحتم أن نلتفت أولا إلى الخطر الداخلي الذي أفسح المجال لهيمنة الغرب على مصائرنا دون أن يحتاج لإقناعنا بأي فكر!!.
دكتور أحمد راسم النفيس
20/02/2020