مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: عن حرية التعبير!!

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: عن حرية التعبير!!

 

مقال قديم

قبل اثني عشر عاما دعيت بإلحاح للمرة الأولى والأخيرة لحضور ندوة تقيمها مكتبة الاسكندرية وإبان رئاسة الدكتور إسماعيل سراج الدين وكان هذا صيف عام 2008.

لم يكن اتصالا واحدا بل عدة اتصالات ولم أعرف إلى الآن لماذا؟، المهم أنها لم تتكرر والملاحظ أن الحضور كلهم كانوا من علية القوم ما بين وزير سابق أو لاحق، إلا أن اللافت أن رئيس المكتبة الذي يفترض فيه أنه (كبير المتنورين) في مصر ألقى محاضرة عن حرية التعبير مضمونها: نعم لحرية التعبير ولكن ضمن حدود!!.

كان هذا تعليقي على المحاضرة الذي نشر في جريدة القاهرة ضمن التاريخ المشار إليه.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏04‏/03‏/2020

 

المقال

 

أتيح لي أن أحضر محاضرة من ذوات النجوم الخمس عن حرية التعبير.

استدل المحاضر على عراقة وأصالة الإيمان بحرية التعبير في (الإسلام) بأن أحدا لم يتعرض لأبي العلاء المعري قبل ألف عام عندما قال شعرا ينكر فيه النبوة والمعاد والمعنى أن حرية الكفر ومن ثم الفكر كانت موجودة والحمد لله!!.

إنه نفس مضمون الخطاب السلفي الذي تضمنه كتاب (تاريخنا المفترى عليه) وكأن النظم السياسية كانت تدافع دوما عن الدين في وجه الإلحاد والملحدين!!.

صدق السيد المحاضر ونحن نضيف إلى دليله الذي (ينطبق بقوة) على واقعنا المعاصر تلك الرواية التي أوردها ابن أبي الحديد شارح النهج عن المطرف بن المغيرة بن شعبة, قال: كان أبي يأتي معاوية بن أبي سفيان، فيتحدث معه إذ جاء ذات ليلة مغتما فقلت: مالي أراك مغتما؟ فقال يا بني جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر وإن ابن أبى كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: (أشهد أن محمدا رسول الله)، فأى عمل يبقى، وأى ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلا دفنا دفنا.

ولا بأس أن نزيدك من الشعر بيتا فنشير إلى أصالة مبدأ (الحرية الفردية) في تاريخنا الذي سبقت به أمتنا الليبرالية الغربية بمئات السنين حيث يروي المقريزي في كتاب السلوك عندما كان يؤرخ للظاهر برقوق فيقول: واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة (!!)‏:‏ إتيان الذكران حتى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان لينفق سوق فسوقهن وذلك لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان وتهمته (..) وتهمة أمرائه بعمل الفاحشة فيهم‏.

ولك أن تتخيل حجم الحرية التي كانت ترفل فيها مصر في ذلك الزمان لدرجة أن البغايا قد تشبهن بالغلمان التزاما بقانون العرض والطلب!!.

ثم يقولون لنا أننا أمة لم تعرف الحرية في أبهى حللها!!.

لا نعتقد أن هذا النوع من الحريات كان معرضا لتهديدات خطيرة وما نراه الآن من معارك ضد (فكر الكفر) لا يعدو كونه نوعا من تحلية بضاعة النظام السياسي العربي بوشاح المدافع عن الدين ضد أعداء الدين لا أكثر ولا أقل!!.

حريات وحقوق

لو دارت عجلة الزمان إلى الوراء كان من المتعين على أحرار الأمة  أن لا يمكنوا معاوية بن أبي سفيان من التسلط على رقاب المسلمين ولاستمروا في إعطائه سهم المؤلفة قلوبهم ريثما يشفى قلبه من داء الغل والحقد على رسول الله وأهل بيته أو يموت على ذلك ليحاسب وحده أمام الله تبارك وتعالى فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولكن العكس هو الذي حصل وبدلا من مفاخرة  الدنيا بأن الإسلام حاول أن يطيب نفوس هؤلاء إذا به يقوم بنشر وتعميم حالته المرضية على أمة لا إله إلا الله!!.

أما الأخ برقوق سلطان مصر فلو دار بنا الزمان لما وافقنا على شرائه بدولار أمريكي واحد ولأبقيناه حيث كان في القفقاز ينشر قاذوراته بعيدا عنا وعن أرضنا الطاهرة!!.

عبثا تحاول إقناع البعض بأن قراءة التاريخ كما هو لا تهدف لمجرد التشويه أو للانتقام والتشفي فالعدالة الإلهية آتية لا ريب فيها, سواء فضح هؤلاء في الدنيا أو بقيت سيرتهم المزيفة تقرأ على المنابر وأن الهدف الرئيس من هذه القراءة هو التعرف على جذور التشوهات الفكرية السائدة الآن في الواقع المعاصر والتي امتدت إلى أقصى شمال الكون لترتد علينا رسوما كاريكاتورية من الدانمارك!!.

قبل شهرين وعلى هامش مؤتمر التقريب بين المذاهب الذي عقد في طهران التقيت بنجم الفتنة الدانماركية وهو سوري مهاجر إلى بلاد الكفر والفسق!!.

كان الرجل فخورا بدوره الذي قام به خاصة عندما بكى على شاشة الجزيرة فانطلقت غزوة الأشرفية المظفرة التي أدت إلى إحراق السفار الدانماركية والوسط التجاري اللبناني المحيط بها كما كان حريصا في نفس الوقت على الإشادة بمناخ الحرية السائد في هذا البلد وأن كبار المسئولين هناك قاموا بالدفاع عنه في البرلمان عندما طالب المتطرفون بسحب الجنسية منه!!.

عندما طرحت عليه سؤالا عن دور المسلمين في توفير المادة التي تنطلق منها تلك الحملات المضادة لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وذكرت له رواية محاولة الرسول المزعومة لإلقاء نفسه من رؤوس شواهق الجبال ثلاث مرات حزنا لانقطاع الوحي انتفض الرجل غاضبا وقال: يبدو أن بينك وبين البخاري مشكلة!!.

وطبعا فإن من كان بينه وبين البخاري مشكلة فلا بارك الله فيه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وسنسلمه للأخوة أبطال معارك الحسبة أما هو فسيعود ليقبع في حضانة أمه الرءوم وزيرة الحسبة الدانماركية!!.

صراع سلفيات!!

الآن يبدو واضحا أن ثمة انقسام على محورين, الأول: سلفي قح يؤمن بكل ما صاغه (سلفه) من قوانين وأحكام والثاني سلفي ليبرالي قام بتطعيم تلك الحزمة السابقة من القوانين ببعض المبادئ التي تعلمها من الغرب مثل حرية الاعتقاد وحرية التعبير (في حدود) وفي إطار اتفاق ضمني موقع بين الطرفين بالأحرف الأولى.

بالتأكيد فإن الفريق الأول لن يتردد في تمزيق تلك الوريقة الممهورة بأحرفهم الأولى عندما يصل قريبا إلى مرحلة التمكين فهم لا يقرون بإسلام هؤلاء المتغربين العلمانيين حتى ولو كانت علمانيتهم جزئية وليست شاملة!!.

الفريق الثاني لا يرغب في المواجهة ولا في تعكير صفو الحياة إذ أن كل شيء يسير على ما يرام ويكفي أن يقول (تعقلوا أثابكم الله) فيتعقل المتطرفون ويعيدوا السيوف إلى أغمادها.

إنهم يتحدثون عن التنوير وينددون بالظلامية والإرهاب والأصولية إلا أنهم ليسوا مستعدين للتشمير عن ساعد الجد والاجتهاد والغوص وسط ركام الأساطير ليقولوا للناس أن هذا المفهوم خاطئ وأن الصحيح هو كيت وكيت وهذا هو دليلنا على ما نقول.

من ناحية عملية بحتة فإن الاعتماد على جهود الفريق الثاني لا يعدو كونه خدعة مضللة إذ لا مفر من خلع أربطة العنق والنوم أسفل السيارة المعطوبة لإصلاح العطل والخراب وقبول التحدي حتى نهايته.

سنضرب مثلا واحدا لنثبت أن التنديد بالظلامية والإرهاب والإشادة بالتنوير لا قيمة لها ما لم تقترن بمواجهة المفاهيم في العمق واقتحام قدس الأقداس وبيت الكهان المسمى بعلم الحديث.

إنها الرواية المنسوبة إلى رسول الله ص والتي تقول: بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة ‏‏والصغار ‏‏على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم.

إنها الرواية العمدة في (فقه الجهاد) الجماعاتي والتي جرى تطويع تفسير القرآن ليتواءم معها!!.

سيف ورمح وخُرج توضع فيه الغنائم ولولا ذلك لمات الرسول جوعا!!.

الله تبارك وتعالى يقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهم يتحدثون عن السيف والرمح والخرج!!.

ماذا لو استلهم أحد رسامي الكاريكاتير تلك الصورة ووضعها على غلاف مجلة دانماركية؟!.

هل هذه الرواية المناقضة للقرآن والتي لم يروها إلا شخص واحد صاحب مناكير رواية صحيحة؟!.

أيها السادة لا مفر من خلع تلك البزة الأنيقة والنزول تحت السيارة لإصلاحها.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏22‏/07‏/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى