
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: ابن تيميه وعصور الانحطاط وإحياء الوثنية!!
ابن تيميه وعصور الانحطاط وإحياء الوثنية
الواضح لأي قارئ مدقق في تاريخ الأديان ومن ضمنها تاريخ الإسلام أن عبدة الأوثان لم يذعنوا لهزيمتهم يوم فتح مكة بل واصلوا حربهم المضادة على التوحيد الحقيقي الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن معركتهم لم تكن قاصرة على الحكم والسياسة كما يعتقد البعض ولذا غصت الكتب بتلك الروايات التي تقدم رب السموات والأرضين في صورة كائن يشبه البشر يجلس على كرسي ويقوم ويقعد ويصعد وينزل ويرتدي قميصا وله قدمين يضعهما في النار ويقول لها قط قط!!.
والثابت أيضا أن الطبقة الأولى من المتكلمين كانوا يترددون في الجهر بتلك المعتقدات بصورة علنية واضحة تاركين المهمة لمن هو على شاكلة ابن تيميه فالأمر يحتاج إلى وقاحة وجرأة والأهم من هذا ترد اجتماعي وانحطاط فكري وأخلاقي تمكنهم من المجاهرة بما امتلأت به صدورهم من كفر ونفاق فكان عصر الانحطاك المملوكي وكان ابن تيميه!!.
الآن أعيد طرح (ابن تيميه) باعتباره الأب المؤسس للإرهاب الوهابي فانبرى الأحفاد للدفاع عن جدهم زاعمين أنه (الأب الروحي) للجهاد ضد التتار رغم أن المسألة أكبر من التتار وأكبر حتى من الإرهاب!!.
المهم أن هذه الوثنية العائدة توارت ضمن ما يسمى بعلم الكلام إلا أنها لو تمكنت لكشفت عن وجهها الأسود منذ اللحظة الأولى كما فعل ابن تيميه حيث ينقل ابن أبي الحديد عن داود الجواربى أنه قال: اعفوني من الفرج واللحية وسلوني عما وراء ذلك. وحكى عنه أنه قال: هو أجوف من فيه إلى صدره، وما سوى ذلك مصمت. وذهب جماعة من هؤلاء إلى القول بالمؤانسة والخلوة والمجالسة والمحادثة وسئل بعضهم عن معنى قوله تعالى: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)، فقال : يقعد معه على سريره ويغلفه بيده. وقال بعضهم: سألت معاذا العنبري فقلت: أله وجه؟ قال: نعم حتى عددت جميع الاعضاء من أنف وفم وصدر وبطن، واستحييت أن أذكر الفرج، فأومأت بيدى إلى فرجي، فقال : نعم، فقلت أذكر أم أنثى؟ فقال: ذكر. ويقال: إن ابن خزيمة أشكل عليه القول في أنه ذكر أم أنثى، فقال له بعض أصحابه: إن هذا مذكور في القرآن، وهو قوله تعالى: (وليس الذكر كالانثى)، فقال: أفدت وأجدت ، وأودعه كتابه. ودخل إنسان على معاذ بن معاذ يوم عيد، وبين يديه لحم في طبيخ سكباج، فسأله عن البارئ تعالى في جملة ما سأله، فقال: هو والله مثل هذا الذى بين يدى، لحم دم.
انتهى النقل عن شرح نهج البلاغة ج1.
الصراع إذا حول قضية الذات والصفات ليست كما يظن البعض مجرد جدال فلسفي بل هو هجوم يشنه هؤلاء الوثنيون الذين يريدون إعادة الناس إلأى عبادة أوثان التصور ولو استطاعوا لأعادوهم إلى وثنية الأحجار.
إنه صراع طويل وممتد دخل واحدة من أخطر مراحله بدءا بسقوط الخلافة الفاطمية واعتلاء العبيد سدة الحكم!!.
إنها مرحلة التخلف والانحطاط.
المصدر: البداية والنهاية ابن كثير
دخلت سنة ست وتسعين وستمائة والخليفة والسلطان الملك العادل كتبغا، ونائب مصر لاجين وأكابر الامراء، ونائب الشام بدمشق الامير سيف الدين غرلو العادلي.
فلما كان يوم الاربعاء ثاني المحرم دخل السلطان كتبغا إلى دمشق وصلى الجمعة بالمقصورة وزار قبر هود وصلى عنده، وأخذ من الناس قصصهم بيده، وجلس دار العدل في يوم السبت ووقع على القصص هو ووزيره فخر الدين الخليلي.
من هو السلطان (العادل كتبغا)؟!.
إنه واحد من جنود الجيش التتري كان ضمن من أسروا في معركة عين جالوت (25 رمضان 658هـ) ودخل في سلك العبيد المماليك مما أهله ليصبح حاكما لمصر المحروسة وإنا لله وإنا إليه راجعون!!.
هل كان التتار إبان اجتياحهم للشام كفارا أو مسلمين؟!.
الجواب عند ابن كثير في البداية والنهاية:
وفي سنة 696هـ قَتل قازان الأمير نوروز الذي كان إسلامه على يديه، وكان نوروز هذا هو الذي دعاه للاسلام فأسلم ومعه أكثر التتر، فإن التتر شوشوا خاطر قازان عليه واستمالوه منه وعنه، فلم يزل به حتى قتله وقتل جميع من ينسب إليه، وكان نوروز هذا من خيار أمراء التتر عند قازان وكان ذا عبادة وصدق في إسلامه وأذكاره وتطوعاته، وقصده الجيد رحمه الله وعفا عنه، ولقد أسلم على يديه منهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، واتخذوا السبح والهياكل وحضروا الجمع والجماعات وقرأوا القرآن والله أعلم.
المعنى أن غالبية التتار آنئذ كانوا من المسلمين!!.
السؤال التالي: هل كان سلوكهم البربري المتوحش وإهلاكهم للحرث والنسل وانتهاكهم للأعراض خروجا على مألوف هذا الزمان الأغبر أو حتى خروجا على مألوف حكام المسلمين في هذا الوقت ممن ولدوا لأب وأم مسلمين؟!.
الجواب لا وألف لا، كما أن ابن تيميه (شيخ الإسلام) كان واحدا من فقهاء القتل والإبادة الجماعية وانتهاك الأعراض.
لا يتفق سفهاء آخر الزمان المصابون بمرض الشيعوفوبيا على شيء غير محاولتهم تحميل الشيعة مسئولية تلك الكوارث التي لحقت بأمة لا إله إلا الله فهم يختصرون مأساة سقوط بغداد في ابن العلقمي الذي سلم مفاتيح المدينة لجنكيز خان، أما ما سبق هذا من حوادث ساقت لهذه الكارثة فلا أحد يتعرض لذكرها!!.
شهدت هذه المرحلة منذ نهاية القرن السادس الهجري في أعقاب سقوط الخلافة الفاطمية تنافسا دمويا محموما بين ثلاثة قوى رئيسية في آسيا الوسطى إضافة للخلافة العباسية المتعضعضة وهي الخوارزمية والتتار فضلا عن السلاجقة المسيطرين على بغداد.
ومن باب التذكير ليس إلا شهدت تلك الحقبة بداية انحسار الدولة الإسلامية في الأندلس أي أن سقوط الدولة الفاطمية شكل بداية لانفراط عقد تلك الكيانات المتهالكة والتي لم تكن تحتاج إلا لقشة تقصم ظهر البعير!!.
كيف ولماذا اجتاح التتار العالم الإسلامي؟؟:
يروي الذهبي في كتابه العبر في خبر من غبر:
وفي سنة 614هـ سار خوارزم شاه في أربع مائة ألف راكب إلى أن وصل همذان قاصدًا بغداد ليتملكها ويحكم على الخليفة العباسي الناصر لدين الله فاستعد له الناصر وفرق الأموال والسلاح وراسله مع السهروردي الذي حكى قصة هذا اللقاء قال: دخلت إليه في خيمة عظيمة لم أر مثل دهليزها وهو من أطلس ،والأطناب حرير وفي الخدمة ملوك العجم وما وراء النهر وهو شاب له شعرات قاعد على تخت وعليه قباء يساوي خمسة دراهم وعلى رأسه قلنسوة جلد تساوي درهمًا فسلمت، فما رد ولا أمرني بالجلوس فخطبت وذكرت فضل بني العباس وأطنبت في وصف الخليفة والترجمان يخبره فقال: قل له: هذا الذي تصفه ما هو في بغداد بل أنا أجيء وأقيم خليفة هكذا ثم ردنا بلا جواب.
و في سنة 615هـ جاءت رسل جنكيزخان ملك التتار محمود الخوارزمي وعلي البخاري بتقدمة مستطرفة إلى خوارزم شاه ويطلب منه المسالمة والهدنة فاستمال خوارزم شاه محمودًا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا وأعطاه معضدة جوهر وقرر معه أن يكون عينًا للمسلمين ثم سأله: أصدقني أيملك جنكزخان طمغاج الصين قال: نعم… فما ترى؟؟ قال: الهدنة فأجاب وسر جنكزخان بإجابته إلى الهدنة.
واستقر الحال إلى أن جاء من بلاده تجار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرهًا منه ثم كاتب خوارزمشاه يقول: إنهم تتار في زي التجار وقصدهم يجسوا البلاد.
ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه يقول: إن كان ما فعله خالك بأمره فسلمه إلينا وإن كان بأمرك فالغدر قبيح وستشاهد ما تعرفني به فندم خوارزم شاه وتجلد وأمر بالرسل فقتلوا ليقضي الله أمرًا كان مفعولا فيالها حركة عظيمة الشؤم أجرت كل قطرة بحرًا من الدماء.
وفي سنة 616هـ تحركت التتار فخارت قوى السلطان خوارزم شاه وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر وانجفل الناس بخوارزم وأمرت أمه بقتل من كان محبوسًا من الملوك بخوارزم وكانوا بضعة عشر نفسًا ثم سارت بالخزائن إلى قلعة ايلال بمازندران ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفًا وتقوضت أيامه.
انتهت هذه المرحلة كما هو معلوم بدخول التتار بغداد عام 656هـ وإزالة ما كان يسمى بالخلافة العباسية وبقوا يشنون غاراتهم على المسلمين وصولا إلى تلك المرحلة التي أغار فيها تيمور لنك على مصر والشام التي كانت تحت حكم مملوك تتري هو كتبغا والتي نعرض لها في هذه الدراسة!!.
مقتل لاجين (لاشين) وعودة قلاوون
ثم دخلت سنة 698هـ والخليفة (الحاكم) العباسي والسلطان المنصور لاجين ونائبه بمصر مملوكه سيف الدين منكوتمر، ونائب الشام سيف الدين قبجق المنصوري، والوزير تقي الدين توبة، والخطيب بدر الدين بن جماعة.
ذكر مقتل المنصور لاجين وعود الملك إلى محمد بن قلاوون:
وفي ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الأول، قتل السلطان لاجين على يد الامير سيف الدين كرجي الاشرفي ومن وافقه من الامراء، وذلك بحضور القاضي حسام الدين الحنفي وهو جالس في خدمته يتحدثان، وقيل كانا يلعبان بالشطرنج، فلم يشعرا إلا وقد دخلوا عليهم فبادروا إلى السلطان بسرعة فقتلوه وقتل نائبه صبرا صبيحة يوم الجمعة وألقي على مزبلة، واتفق الامراء على إعادة ابن أستاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون، فأرسلوا وراءه، وكان بالكرك ونادوا له بالقاهرة، وخطب له على المنابر قبل قدومه، وجاءت الكتب إلى نائب الشام قبجق فوجدوه قد فر خوفا من غائلة لاجين، فسارت إليه البريدية فلم يدركوه إلا وقد لحق بالمغول عند رأس العين، من أعمال ماردين، وتفارط الحال ولا قوة إلا بالله.
وجاءت البشائر بدخول الملك الناصر قلاوون إلى مصر يوم السبت رابع جمادى الاولى، وكان يوما مشهودا، ودقت البشائر ودخل القضاة وأكابر الدولة إلى القلعة، وبويع بحضرة علم الدين أرجواش، وخطب له على المنابر بدمشق وغيرها بحضرة أكابر العلماء والقضاة والامراء، وجاء الخبر بانه قد ركب وشق القاهرة وعليه خلعة الخليفة، والجيش معه مشاة، فضربت البشائر أيضا.
ابن تيميه والفتوى الحموية وإحياء الوثنية!!
يقول ابن كثير في البداية والنهاية:
وكان قد وقع في أواخر دولة لاجين محنة للشيخ تقي الدين بن تيمية قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي، فلم يحضر فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة المسماة بالحموية، فانتصر له الامير سيف الدين جاعان وأرسل يطلب الذين قاموا عنده فاختفى كثير منهم، وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة فسكت الباقون، فلما كان يوم الجمعة عمل الشيخ تقي الدين الميعاد بالجامع على عادته، وفسر في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) [ القلم: 4 ] ثم اجتمع بالقاضي إمام الدين يوم السبت واجتمع عنده جماعة من الفضلاء وبحثوا في الحموية وناقشوه في أماكن فيها، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير، ثم ذهب الشيخ تقي الدين وقد تمهدت الامور، وسكنت الاحوال، وكان القاضي إمام الدين معتقده حسنا ومقصده صالحا.
حقيقة الفتوى!!
يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَلَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَ وَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ، أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلَا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيْءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ.
لماذا بدأنا بكلام الإمام علي عليه السلام؟!.
السبب الأول أن تيميه وفقا لأسلوبه التهجمي المعهود يؤيد ترهاته دوما بزعمه أنه لا يعرف من يخالف كلامه أو أن هذا القول مجمع عليه، فكيف يمكننا أن نصدق هذا الزعم في حين أنه يخالف كلام الإمام علي عليه السلام؟!.
الأمر الثاني أن هذا النوع من الخرافات مقدمة للاعتقاد بتعدد الآلهة أو بمعنى أدق العودة إلى الوثنية لأن من يؤمن بتعدد الصفات الزائدة عن الذات أو يدعي مكانا أو حيزا تشغله الذات الإلهية سيسهل عليه الإيمان بأنه سبحانه وتعالى صنم أو صورة تشاكل صورة المخلوقات أو العكس وهو نسف لعقيدة لا إله إلا الله من جذورها.
لذا نتلقى كلام الإمام عليه السلام (نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ) بالتسليم والقبول منعا للانزلاق نحو الشرك والوثنية التي يدعي التيمويون والوهابيون أنهم يحاربونها خلافا للحقيقة التي تؤكد سعيهم لترسيخها.
من أراد فهم المسألة بشكل أوسع فعليه قراءة كتابنا (عقيدة التوحيد في مدرسة أهل البيت) عليهم السلام.
يزعم ابن تيميه في فتواه (أن من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينا ومن أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول ﷺ المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين – أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام؛ إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته).
وينقل ابن تيميه عن البيهقي قال: هذه الأحاديث التي يقول فيها « ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره» «وإن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه» «والكرسي موضع القدمين» وهذه الأحاديث في الرؤية هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض؛ غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها.
قال محمد بن عبد الله: ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين. ثم ذكر « حديث أنس الذي فيه التجلي يوم الجمعة في الآخرة وفيه فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه ثم يحف الكرسي على منابر من ذهب مكللة بالجواهر؛ ثم يجيء النبيون فيجلسون عليها ».
ونقل عن يحيى بن سالم صاحب التفسير المشهور : حدثني العلاء بن هلال عن عمار الدهني؛ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الكرسي الذي وسع السموات والأرض لموضع القدمين؛ ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه.
عن أي (قدمين) يتحدث شيخ الوثنيين؟!.
القدمان حسب ذلك الوثني منسوبان لرب العزة عز وجل نقلا عن البخاري /4569 – حدثنا محمد بن موسى القطان: حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي: حدثنا عوف، عن محمد، عن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: (يقال لجهنم: هل امتلأت، وتقول: هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط).
4569 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة: فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا).
الدليل القاطع على أن ما قاله ابن تيميه في فتواه الوثنية التجسيدية لا يعبر عن اتفاق أو إجماع أن مشايخ زمن الانحطاط تمسكوا بما نقلوه عن الآباء والأجداد رفضا لهذا الهذيان وقرروا التصدي لفتنة الشيخ، ولكن عبر الشكاية لأحد أعلام العبيد عفوا المماليك في دولة العبيد إلا أن لم يبلغوا غايتهم فهؤلاء أجهل من هؤلاء!!.
هذا هو الحال الذي آلت إليه أمة لا إله إلا الله عندما أبعدت أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام واستبدلت بهم أراذل الخلق من يومها وإلى الآن وصدق الإمام الصادق عليه السلام: إن أبي كان يقول: إن الله عز وجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون ولا خير في شئ ليس له أصل.
الخلاصة أن ابن تيميه كان أكثر جرأة ممن عاصروه من الفقهاء حيث لا مرجعية دينية ولا سياسية منذ سقوط دولة الخلافة الفاطمية واستلام العبيد المماليك إدارة أمة يفترض أن تكون خير أمة أخرجت للناس!!.
الأمة الإسلامية آنئذ كانت تحت حكم العبيد المجلوبين من أصقاع الأرض وتحديدا من آسيا الوسطى ممن لا علاقة لهم من الأساس بالإسلام أو العقيدة والفقه ولا يحسنون نطق العربية، فكيف لهؤلاء أن يكونوا حكما في أمور العقيدة والتأويل وغيرها من أمور الدين؟!.
كما أن الغارات التي كان التتار يشنونها على الشام ومصر لم تكن بدافع ديني إذ أن هذا هو السلوك المعتاد لبدو آسيا الوسطى سواء من التتر أو الخوارزمية وأخيرا الغز السلجقة الذين تمكنوا بعد ذلك وبسبب ظروف الانحطاط التي عاشها العالم الإسلامي وغياب دولة مركزية قادرة على الدفاع عن وجود هذا العالم من إقامة دولة كبرى مهيمنة على هذا الفضاء الفسيح هي السلطنة العثمانية.
الاجتياح التتري بقيادة قازان:
دخلت سنة 696هـ وفيها كانت وقعة قازان.
في هذه السنة تواترت الاخبار بقصد التتار بلاد الشام، وقد خاف الناس من ذلك خوفا شديدا، وجفل الناس من بلاد حلب وحماة، وبلغ كري الخيل من حماة إلى دمشق نحو المائتي درهم، فلما كان يوم الثلاثاء ثاني المحرم ضربت البشائر بسبب خروج السلطان من مصر قاصدا الشام، حيث دخل دمشق يوم الجمعة ثامن ربيع الاول وهي في مطر شديد ووحل كثير، ومع هذا خرج الناس لتلقيه، وكان قد أقام بغزة قريبا من شهرين، وذلك لما بلغه قدوم التتار إلى الشام، فنزل بالطارمة، وكثرت له الادعية وكان وقتا شديدا، وحالا صعبا، وامتلا البلد من الجافين النازحين عن بلادهم، وجلس الاعسر وزير الدولة وطالب العمال واقترضوا أموال الايتام وأموال الاسرى لاجل تقوية الجيش وخرج السلطان بالجيش من دمشق يوم الاحد سابع عشر ربيع الاول ولم يتخلف أحد من الجيوش، وخرج معهم خلق كثير من المتطوعة، وأخذ الناس في الدعاء والقنوت في الصلوات بالجامع وغيره، وتضرعوا واستغاثوا وابتهلوا إلى الله بالادعية.
هزيمة جيش المماليك بقيادة السلطان قلاوووز!!
ولما وصل السلطان إلى وادي الخزندار عند وادي سلمية، فالتقى التتر يوم الاربعاء يوم 27 من ربيع الاول فكسروا المسلمين وولى السلطان هاربا فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقتل جماعة من الامراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير، وفقد في المعركة قاضي قضاة الحنفية، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا، فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، ورجعت العساكر على أعقابها للديار المصرية واجتاز كثير منهم على دمشق، وأهل دمشق في خوف شديد على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ثم إنهم استكانوا واستسلموا للقضاء والقدر، وماذا يجدي الحذر إذا نزل القدر، ورجع السلطان في طائفة من الجيش على ناحية بعلبك والبقاع، وأبواب دمشق مغلقة، والقلعة محصنة والغلاء شديد والحال ضيق وهرب جماعة من أعيان البلد وغيرهم إلى مصر، كالقاضي إمام الدين الشافعي، وقاضي المالكية الزواوي، وتاج الدين الشيرازي، وعلم الدين الصوابي والي البر، وجمال الدين بن النحاس والي المدينة، والمحتسب وغيرهم من التجار والعوام، وبقي البلد شاغرا ليس فيهم حاكم سوى نائب القلعة.
ابن تيميه يستجدي الأمان من قازان!!
وقصد سلطان التتار دمشق بعد الوقعة، فاجتمع أعيان البلد والشيخ تقي الدين بن تيمية في مشهد علي واتفقوا على المسير إلى قازان لتلقيه، وأخذ الامان منه لاهل دمشق، فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتمعوا به عند النبك، وكلمه الشيخ تقي الدين كلاما قويا شديدا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد.
ودخل المسلمون ليلتئذ من جهة قازان فنزلوا بالبدرانية وغلقت أبواب البلد سوى باب توما، وخطب الخطيب بالجامع يوم الجمعة، ولم يذكر سلطانا في خطبته، وبعد الصلاة قدم الامير إسماعيل ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن.
وحضر الفرمان بالامان وطيف به في البلد، وقرئ يوم السبت ثامن الشهر بمقصورة الخطابة، ونثر شئ من الذهب والفضة.
قازان ينهب دمشق بعد أمان ابن تيميه
لم يمض على (أمان ابن تيميه) سوى يوم واحد حيث مضى قازان في تنفيذ خطة السلب والنهب التي جاءت به إلى بلاد الشام ضاربا عرض الحائط بوعوده التي بذلها لوفد المتسولين.
يقول ابن كثير:
وفي ثاني يوم من المناداة بالامان طُلبت الخيول والسلاح والاموال المخبأة عند الناس من جهة الدولة، وجلس ديوان الاستخلاص إذ ذاك بالمدرسة القيمرية، وفي يوم الاثنين عاشر الشهر قدم سيف الدين قبجق المنصوري فنزل في الميدان واقترب جيش التتر وكثر العيث في ظاهر البلد، وقتل جماعة وغلت الاسعار بالبلد جدا، وأرسل قبجق إلى نائب القلعة ليسلمها إلى التتر فامتنع أرجواش من ذلك أشد الامتناع، فجمع له قبجق أعيان البلد فكلموه أيضا فلم يجبهم إلى ذلك، وصمم على ترك تسليمها إليهم وبها عين تطرف، فإن الشيخ تقي الدين بن تيمية أرسل إلى نائب القلعة يقول له، لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت.
ملاحظة هامة: كان قبجق هذا من رجال الدولة المملوكية وكان أحد نواب السلطان إلا أنه انضم إلى التتار وأصبح من رجالهم!!.
وفي يوم دخول قبجق إلى دمشق دخل السلطان ونائبه سلار إلى مصر كما جاءت البطاقة بذلك إلى القلعة، ودقت البشائر بها فقوي جأش الناس بعض قوة!!.
ياللخزي والعار!!.
وفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خطب لقازان على منبر دمشق بحضور المغول بالمقصورة ودعي له على السدة بعد الصلاة وقرئ عليها مرسوم بنيابة قبجق على الشام، وذهب إليه الاعيان فهنؤه بذلك، فأظهر الكرامة وأنه في تعب عظيم مع التتر.
وفي النصف من ربيع الآخر شرعت التتار وصاحب سيس في نهب الصالحية ومسجد الاسدية ومسجد خاتون ودار الحديث الاشرفية بها واحترق جامع التوبة بالعقيبية، وكان هذا من جهة الكرج والارمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله.
وسبوا من أهلها خلقا كثيرا وجما غفيرا، وجاء أكثر الناس إلى رباط الحنابلة فاحتاطت به التتار فحماه منهم شيخ الشيوخ المذكور، وأعطى في الساكن مال له صورة ثم اقتحموا عليهم فسبوا منهم خلقا كثيرا من بنات المشايخ وأولادهم فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما نكب دير الحنابلة في ثاني جمادى الاولى قتلوا خلقا من الرجال وأسروا من النساء كثيرا، ونال قاضي القضاة تقي الدين أذى كثير، ويقال إنهم قتلوا من أهل الصالحية قريبا من أربعمائة، وأسروا نحوا من أربعة آلاف أسير، ونهبت كتب كثيرة من الرباط الناصري والضيائية، وخزانة ابن البزوري، وكانت تباع وهي مكتوب عليها الوقفية، وفعلوا بالمزة مثل ما فعلوا بالصالحية، وكذلك بداريا وبغيرها، وتحصن الناس منهم في الجامع بداريا ففتحوه قسرا وقتلوا منهم خلقا وسبوا نساءهم وأولادهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ابن تيميه يتسول لقاء قازان مرة أخرى!!
وخرج الشيخ ابن تيمية في جماعة من أصحابه يوم 25 من ربيع الآخر إلى ملك التتر وعاد بعد يومين ولم يتمكن من الاجتماع به، حجبه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي (؟!) والتزما له بقضاء الشغل، وذكرا له أن التتر لم يحصل لكثير منهم شئ إلى الآن (لم ينهبوا بعد ما يملأ بطونهم)، ولا بد لهم من شئ، واشتهر بالبلد أن التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك وخافوا خوفا شديدا، وأرادوا الخروج منها والهرب على وجوههم، وأين الفرار ولات حين مناص، وقد أخذ من البلد فوق العشرة آلاف فرس، ثم فرضت أموال كثيرة على البلد موزعة على أهل الاسواق كل سوق بحسبه من المال، فلا قوة إلا بالله.
ملاحظة: من الذي فرض ومن الذي نهب وأين كان ابن تيميه (قائد المقاومة)؟؟!!.
وشرع التتر في عمل مجانيق بالجامع ليرموا بها القلعة من صحن الجامع، وغلقت أبوابه ونزل التتار في مشاهده يحرسون أخشاب المجانيق، وينهبون ما حوله من الاسواق، وأحرق أرجوان ما حول القلعة من الابنية، كدار الحديث الاشرفية وغير ذلك، إلى حد العادلية الكبيرة، وأحرق دار السعادة لئلا يتمكنوا من محاصرة القلعة من أعاليها، ولزم الناس منازلهم لئلا يسخروا في طم الخندق، وكانت الطرقات لا يرى بها أحد إلا القليل،
والجامع لا يصلي فيه أحد إلا اليسير، ويوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الاول وما بعده إلا بجهد جهيد، ومن خرج من منزله في ضرورة يخرج بثياب زيهم ثم يعود سريعا، ويظن أنه لا يعود إلى أهله، وأهل البلد قد أذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والمصادرات والتراسيم والعقوبات عمالة في أكابر أهل البلد ليلا ونهارا، حتى أخذ منهم شئ كثير من الاموال والاوقاف، كالجامع وغيره، ثم جاء مرسوم بصيانة الجامع وتوفير أوقافه وصرف ما كان يؤخذ بخزائن السلاح وإلى الحجاز، وقرئ ذلك المرسوم بعد صلاة الجمعة بالجامع في تاسع عشر جمادى الاولى، وفي ذلك اليوم توجه السلطان قازان وترك نوابه بالشام في ستين ألف مقاتل نحو بلاد العراق، وجاء كتابه إنا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين ألف مقاتل، وفي عزمنا العود إليها في زمن الخريف، والدخول إلى الديار المصرية وفتحها، وقد أعجزتهم القلعة أن يصلوا إلى حجر منها، وخرج سيف الدين قبجق لتوديع قطلوشاه نائب قازان وسار وراءه وضربت البشائر بالقلعة فرحا لرحيلهم، ولم تفتح القلعة، وأرسل أرجواش ثاني يوم من خروج قبجق القلعية إلى الجامع فكسروا أخشاب المنجنيقات المنصوبة به، وعادوا إلى القلعة سريعا سالمين، وجاءت الرسل من قبجق إلى دمشق فنادوا بها طيبوا أنفسكم وافتحوا دكاكينكم وتهيئوا غدا لتلقي سلطان الشام سيف الدين قبجق، فخرج الناس إلى أماكنهم فأشرفوا عليها فرأوا ما بها من الفساد والدمار، وانفك رؤساء البلد من التراسيم (حبس) بعد ما ذاقوا شيئا كثيرا.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: ذكر لي الشيخ وجيه الدين بن المنجا أنه حمل إلى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف وستمائه ألف درهم، سوى ما تمحق من التراسيم والبراطيل وما أخذ غيره من الامراء والوزراء، وأن شيخ المشايخ حصل له نحو من ستمائة ألف درهم، والاصيل بن النصير
الطوسي مائة ألف، والصفي السخاوي ثمانون ألفا، وعاد سيف الدين قبجق إلى دمشق يوم الخميس بعد الظهر 25 جمادى الاولى ومعه الالبكي وجماعة، وبين يديه السيوف مسللة وعلى رأسه عصابة فنزل بالقصر ونودي بالبلد نائبكم قبجق قد جاء فافتحوا دكاكينكم واعملوا معاشكم ولا يغرر أحد بنفسه هذا الزمان والاسعار في غاية الغلاء والقلة، قد بلغت الغرارة إلى أربعمائة، واللحم بنحو العشرة، والخبز كل رطل بدرهمين ونصف، والعشرة الدقيق بنحو الاربعين، والجبن الاوقية بدرهم، والبيض كل خمسة بدرهم، ثم فرج عنهم في أواخر الشهر، ولما كان في أواخر الشهر نادى قبجق بالبلد أن يخرج الناس إلى قراهم وأمر جماعة وانضاف إليه خلق من الاجناد، وكثرت الاراجيف على بابه، وعظم شأنه ودقت البشائر بالقلعة وعلى باب باب قبجق يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة، وركب قبجق بالعصائب في البلد والشاويشية بين يديه، وجهز نحوا من ألف فارس نحو خربة اللصوص، ومشى مشي الملوك في الولايات وتأمير الامراء والمراسيم العالية النافذة.
ثم إنه (قبجق) ضمن الخمارات ومواضع الزنا من الحانات وغيرها، وجعلت دار ابن جرادة خمارة وحانة أيضا، وصار له على ذلك في كل يوم ألف درهم، وهي التي دمرته ومحقت آثاره وأخذ أموالا أخر من أوقاف المدارس وغيرها، ورجع بولاي من جهة الاغوار وقد عاث في الارض فسادا، ونهب البلاد وخرب ومعه طائفة من التتر كثيرة، وقد خربوا قرى كثيرة، وقتلوا من أهلها وسبواخلقا من أطفالها، وجبى لبولاي من دمشق أيضا جباية أخرى، وخرج طائفة من القلعة فقتلوا طائفة من التتر ونهبوهم، وقتل جماعة من المسلمين في غبون ذلك، وأخذوا طائفة ممن كان يلوذ بالتتر ورسم قبجق لخطيب البلد وجماعة من الاعيان أن يدخلوا القلعة فيتكلموا مع نائبها في المصالحة فدخلوا عليه يوم الاثنين 12 جمادى الآخرة، فكلموه وبالغوا معه فلم يجب إلى ذلك وقد أجاد وأحسن وأرجل في ذلك بيض الله وجهه.
وفي ثامن رجب طلب قبجق القضاة والاعيان فحلفهم على المناصحة للدولة المحمودية – يعني قازان – فحلفوا له، وفي هذا اليوم خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى مخيم بولاي فاجتمع به في فكاك من كان معه من أسارى المسلمين، فاستنقذ كثيرا منهم من أيديهم، وأقام عنده ثلاثة أيام ثم عاد، ثم راح إليه جماعة من أعيان دمشق ثم عادوا من عنده فشلحوا عند باب شرقي وأخذ ثيابهم وعمائمهم ورجعوا في شر حالة، ثم بعث في طلبهم فاختفى أكثرهم وتغيبوا عنه، ونودي بالجامع بعد الصلاة ثالث رجب من جهة نائب القلعة بأن العساكر المصرية قادمة إلى الشام، وفي عشية يوم السبت رحل بولاي وأصحابه من التتر وانشمروا عن دمشق وقد أراح الله منهم وساروا من على عقبة دمر فعاثوا في تلك النواحي فسادا، ولم يأت سابع الشهر وفي حواشي البلد منهم أحد، وقد أزاح الله عز وجل شرهم عن العباد والبلاد، ونادى قبجق في الناس قد أمنت الطرقات ولم يبق بالشام من التتر أحد، وصلى قبجق يوم الجمعة عاشر رجب بالمقصورة، ومعه جماعة عليهم لامة الحرب من السيوف والقسي والتراكيش فيها النشاب، وأمنت البلاد، وخرج الناس للفرجة في غيض السفرجل على عادتهم فعاثت عليهم طائفة من التتر، فلما رأوهم رجعوا إلى البلد هاربين مسرعين، ونهب بعض الناس بعضا ومنهم من ألقى نفسه في النهر، وإنما كانت هذه الطائفة مجتازين ليس لهم قرار، وتقلق قبجق من البلد ثم إنه خرج منها في جماعة من رؤسائها وأعيانها منهم عز الدين ين القلانسي ليتلقوا الجيش المصري وذلك أن جيش مصر خرج إلى الشام في تاسع رجب وجاءت البريدية بذلك، وبقي البلد ليس به أحد، ونادى أرجواش في البلد احفظوا الاسوار وأخرجوا ما كان عندكم من الاسلحة ولا تهملوا الاسوار والابواب، ولا يبيتن أحد إلا على السور، ومن بات في داره شنق، فاجتمع الناس على الاسوار لحفظ البلاد، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يدور كل ليلة على الاسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط.
وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب أعيدت الخطبة بدمشق لصاحب مصر ففرح الناس بذلك، وكان يخطب لقازان بدمشق وغيرها من بلاد الشام مائة يوم سواء.
وفي بكرة يوم الجمعة المذكور دار الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وأصحابه على الخمارات والحانات فكسروا آنية الخمور وشققوا الظروف وأراقوا الخمور، وعزروا جماعة من أهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش، ففرح الناس بذلك، ونودي يوم السبت ثامن عشر رجب بأن تزين البلد لقدوم العساكر المصرية، وفتح باب الفرج مضافا إلى باب النصر يوم الاحد تاسع عشر رجب، ففرح الناس بذلك وانفرجوا لانهم لم يكونوا يدخلون إلا من باب النصر،، وقدم الجيش الشامي صحبة نائب دمشق جمال الدين آقوش الافرم يوم السبت عاشر شعبان.
خلاصة القول:
لم تهدف هذه الغزوة التترية لاحتلال بلاد الشام أو القضاء على الإسلام كما يزعم بهاليل ابن تيميه المعاصرين بل للسلب والنهب.
لم يكن ابن تيميه داعية استقلال ولا باحثا عن حكومة عادلة ولذا لم يمانع من القيام بدور الوسيط مع قازان (المسلم)، كما أنه لم يكن يرى بأسا بدفع الأتاوات التي طلبت من أهل الشام خاصة وأن قبج قائد الحملة كان في الأساس من جند العبيد المماليك.
كما أظهرت هذه الحملة وما سبقها وما سيأتي بعدها عمق الهاوية التي سقطت فيها أمة لا إله إلا الله حيث عادت النزعات الوثنية التي قضى عليها رسول الله لتطل برأسها على يد ما يسمى بشيخ الإسلام وما تزال تحوم حول رؤوسنا وتراودنا عن توحيدنا الخالص وتدعونا لعبادة إله الوثنية القديمة هذه المرة بعنوان (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)!!.
ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
وللحديث بقية…………..
دكتور أحمد راسم النفيس
21/05/2020