دراسات النفيس

الحروب الصليبية جذور الاختلال في العلاقات الدولية ونشأة الهيمنة الغربية دكتور أحمد راسم النفيس

الحروب الصليبية

جذور الاختلال في العلاقات الدولية ونشأة الهيمنة الغربية

دكتور أحمد راسم النفيس

مصر

قطعا تحتاج أمتنا في هذه المرحلة العصيبة أن تتأمل في جذور الاختلال في العلاقات بينها وبين الغرب ولماذا يبدو لنا أن أمتنا أو بمعنى أدق الطبقة المهيمنة على قرارها والمستأثرة بثروتها قد اختارت علاقة التبعية ولم تفرض عليها كما قد يتصور البعض حيث شكل الاجتماع الذي عقد في وارسو بتاريخ 14-2-2019 بهدف رص الصفوف في مواجهة إيران الإسلامية الشيعية نموذجا واضحا للمدى الذي يمكن أن يصل إليه البعض في عدائه لأخيه المسلم دون مراعاة أي اعتبار لرابطة الدين ودون مراعاة اعتبار لتبعات هذا التفريط في أساس الوجود السياسي والاجتماعي لأمة يفترض أنها أمة واحدة.

ورغم أن إيران لا تستخدم كلمة (الشيعية) في وصف نفسها كون وصف إسلامي يكفي ويفي إلا أن الآخرين يؤثرونها بهذه الصفة  بمن فيهم كل من الصهيوني نتنياهو وتابعه إيدي كوهين الذين لم يتوقفا عن التحريض المذهبي مطمئنين إلى أن هذا التحريض يجد من يطرب له من أدعياء الإسلام المطمئنين أيضا لجماهيرهم التي يرون أنها تفوقهم جهلا وجاهلية!!.

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[1].

يمارس هؤلاء دورهم التخريبي القذر دون مراعاة للقيم الإسلامية الأخلاقية الأساسية بل دون أي مراعاة لتبعات تقوية المعسكر المعادي للأمة بأسرها بمن فيهم من تبجحوا بعدائهم لإخوانهم في الدين حيث لا يمكن افتراض أن الصهاينة يمكن أن يبادلوهم أي شعور بالمودة، اللهم إلا شعور الاحتقار والازدراء لأناس يكرهون أنفسهم فكيف يمكن تصور أن من يضمر لهم السوء يمكن أن يتعامل معهم بحرص ووفاء؟!.

المعضلة التي حيرتني وأرهقتني بحثا عن جواب لها: هل كانت حالة الخضوع والخنوع التي يعيشها أغلب المسلمين للاستكبار العالمي الأوروبي سابقا والأمريكي حاليا جاءت كنتيجة للغزو الأوروبي الحديث أم أنها حالة قديمة راسخة هي التي استدعت هذا الخنوع أو سهلت له المهمة أي أن الخنوع سبب للهيمنة الغربية وليس نتيجة لها!!.

هل كان التفوق الغربي على العالم الإسلامي هو سبب اختلال الموازين الواقعية والنفسية المتمثلة في غرب مستكبر يأمر وينهى و(مسلم) ينفذ ويطيع أم أن حالة الذلة والمسكنة سبقت فاستدعت هذا النفوذ الاستكباري وقالت هيت لك؟!.

يبدو أن الثاني هو الصحيح!!.

دائما كان هناك صراع بين خطين ونهجين في مسار أمتنا بغض النظر عن التسميات المذهبية.

الخط الأول هو خط الإلتزام بنهج الوحدة والمنعة إدراكا بأن ثمة مصلحة عليا للأمة الإسلامية تقتضي الحفاظ على قوتها وأن انتصار فريق على فريق عبر محوه من الوجود أو إلغائه يلحق الضرر بالجميع في مواجهة عدو مستكبر لا يرضى بأقل من القضاء على الجميع.

الخط الثاني: يسعى لإلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى بالمختلف عنه أو محوه من الوجود حتى وإن تسبب هذا في إضعاف الجميع وتحويلهم إلى أذناب للاستكبار العالمي وهو ما يمكن تسميته (خط وارسو) ربما قبل أن تبنى مدينة وارسو بمئات السنين!!.

لو تأملنا في تاريخنا المسمى بالإسلامي سنرى أن الفريق الثاني لا يتورع عن إلحاق أكبر قدر ممكن من الخراب بمجموع الأمة وحضارتها إشباعا لغريزة الانتقام الأعمى دون مبالاة بالنتائج الكارثية لهذا النهج التخريبي وهي النتائج التي نراها الآن بوضوح تام فالغرب (الصليبي) وريث الغزوات الصليبية هو الآن في موقع الهيمنة المالية والعسكرية والعلمية وهو ما زال يجني ثمرة خيانات تلك الطبقة المنحطة بينما تبحث نخبنا (المفكرة) عن سبب تراجعنا المشين في كتب الفلسفة أو في كتب التراث التي تقع ضمن منظومة تدجين الأمة وجعلها طيعة لكل صنوف الذل والاستعباد.

أيضا يمكننا القول أن (حلف وارسو) المعادي لإيران حلف قديم لم يتأسس منذ أربعين عاما كما قد يتصور البعض فهو حلف قديم يصل عمره ربما لأكثر من ألف عام حيث نرى بوضوح بين صفحات التاريخ أن الأعراب الأشد كفرا ونفاقا لم يتورعوا أبدا طيلة التاريخ عن التحالف والتعاضد مع أعدى أعدائهم ضد أي دولة تدين بالولاء لمدرسة أهل البيت مبررين ذلك بالتصدي للخطر الشيعي الذي يهدد (عقيدتهم الصحيحة)!!.

السؤال القديم هو: لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟!.

طبعا نحن لا نتحدث عن تقدم غربي أخلاقي بل عن تقدم علمي وتقني لأننا نعتقد أن أخلاق الغرب في كثير من النواحي أكثر انحطاطا من أخلاق المنتسبين للإسلام وخاصة في مجال النظرة الحقوقية لغير أصحاب اللون الأبيض.

في مجال أخلاق السياسة يوجد غرب مستكبر يرى لنفسه من الحقوق ما ليس لغيره ومن ثم فهو في حضيض أخلاقي يغطيه امتلاك القوة والعلم والتقنية ناهيك عن قدر لا يستهان به من الحرية السياسية التي يفتقدها العالم الإسلامي بصورة هائلة.

تفاوتت الإجابات المقدمة من (مفكري) العالم الإسلامي ما بين القول (لأننا تركنا ديننا) أو قائل يقول: (نظرا لغياب الديموقراطية التي هي عملية تقنية) يمكن اقتباسها من الغرب، ناهيك عن نظرية المؤامرة التي تقول أن الغرب تآمر على وحدتنا التي مثلتها الدولة العثمانية رضي الله عنها قبل أن يعرج ذلك المفكر الفذلكي على الصراع العثماني الصفوي منوها (بخيانة) الصفويين للإسلام وأن الصراع الذي تسبب فيه الصفويون مع الفاتحين العثمانيين لأوروبا هو الذي أدى إلى تراجع الفتح الإسلامي لأوروبا وتأخر أسلمتها وووو!!!.

أحد الذين تبنوا هذه النظرية هو المفكر الكبير علي شريعتي الذي انتقد موقف (التشيع الصفوي) من العثمانيين حيث يرى أن: موقفها الشيعي المتعصب من الكيان العثماني ينطلق من كونهم منكرين للإمامة ولذا فهم مدانون (حتى في مقابل الغرب)!!.

ويقول أيضا: رغم أن النظام العثماني نظام فاسد لكنه وقف سدا منيعا بوجه الغزو الاستعماري الغربي الذي يهدد وجودنا ولذا فمن هذه الزاوية سوف يتمنى الشيعي أن يظهر صلاح الدين المناوئ للشيعة مرة أخرى في فلسطين وأن ينهض العثمانيون لطرد الأجانب الغربيين من أراضي المسلمين في آسيا وأفريقيا.

لقد دأبت شخصياتنا المستنيرة للأسف (والكلام لشريعتي) على محاكاة علماء الغرب وكتابه ومثقفيه في إصدار الأحكام غير المنصفة سياسيا واجتماعيا بديننا وحضارتنا ورموزنا التاريخية وبالتالي رددوا نفس التهم التي ألصقها أولئك بالدولة العثمانية بدوافع مغرضة في الغالب أو ناجمة عن تعصب وحقد[2].

ويمضي شريعتي أبعد من ذلك واصفا الدولة الصفوية بالغدر حيث يقول: بينما كان العثمانيون منهمكين في دحر القوات الغربية وتحقيق الانتصارات المتوالية إذا بقوة جديدة تظهر على حدودهم الغربية وتباغتهم من الخلف ثورةٌ في إيران يقودها رجل من سلالة الشيخ صفي الدين الأردبيلي أحد أقطاب التصوف[3].

لو كان حقا موقف الصفويين المناهض للعثمانيين أو إن أردت الدقة موقف العثمانيين المعادي لإيران الصفوية موافقا لهوى الغرب لاستجاب الغرب لنداء المساعدة الذي وجهه شاه إيران لإمبراطور الدولة الرومانية حسب برنادر لويس:

دأب الشاه وخلفاؤه من الصفويين ولو لفترة محدودة على منازعة السلاطين العثمانيين تفوقهم السياسي وزعامتهم الدينية فقام السلطان سليم الأول بشن حملات عسكرية على الدولتين المجاورتين له فحقق نجاحا كبيرا وإن لم يكتمل ضد الشاه ونصرا شاملا ونهائيا على سلطان مصر المملوكي فاصبحت مصر والمناطق التابعة لها من الولايات العثمانية وبقيت بلاد فارس دولة منفصلة ومنافسة، بل أن بوزيق سفير الإمبراطورية الرومانية في استامبول ذهب إلى القول أن التهديد الفارسي وحده هو الذي أنقذ أوربا من الفتح العثماني الوشيك فكتب يقول:

(إننا نرى على الجانب التركي موارد إمبراطورية جبارة وقوة لا يشوبها وهن واعتيادا على النصر وقدرة على التحمل والجلد ووحدة وانضباطا وتقشفا ويقظة وانتباها، أما على جانبنا فنرى فقر العامة وترف الخاصة وقوة مثلومة وروحا منكسرة ونقصا في قوة التحمل والتدريب، فالجنود عاصون والضباط مقترون وانتشر الانحلال والسكر والتبذل وأسوأ ما في الأمر أن العدو قد اعتاد النصر واعتدنا الهزيمة. هل لنا أن نشك فيما ستكون النتيجة؟ إن بلاد الفرس وحدها هي التي تتدخل لصالحنا إذ أن العدو وهو يسرع للهجوم لا بد دائما أن يحذر من ذلك الخطر المتربص بصفوفه الخلفية، لكن بلاد فارس تؤخر من وقوع المصير الذي ينتظرنا ولا تستطيع إنقاذنا فبعد أن يسوي الأتراك أمورهم مع بلاد فارس سوف ينقضون على نحورنا يساندهم جبروت الشرق كله ولا أجرؤ أن أحدد مدى عدم استعدادنا لذلك).

ولقد سمعنا في العصر الحديث بعض المراقبين الغربيين الذين قالوا أقوالا مماثلة عن الاتحاد السوفييتي والصين وثبت خطؤهم مثلما ثبت خطأ بوزيق.

لقد أثبتت الأحداث أن مخاوف بوزيق لم يكن لها ما يبررها إذ استمر القتال بين العثمانيين والفرس حتى القرن التاسع عشر وعندها لم يعودا يمثلان تهديدا لأي أحد عدا رعاياهما.

أما قبل ذلك فأحيانا كان يطرح على بساط البحث إمكان عقد حلف مناهض للعثمانيين بين العالم المسيحي والفرس دون أن يؤدي ذلك إلى شيء.

ففي عام  1523 أرسل الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان لا يزال يتألم من الهزيمة التي لحقت به خطابا للإمبراطور شارل الخامس يعرب فيه عن دهشته من أن الدول الأوربية يحارب بعضها بعضا بدلا من ضم الصفوف في وجه العثمانيين، ولم تلق تلك المناشدة أذنا صاغية ولم يرسل الإمبراطور ردا على الشاه إسماعيل حتى عام 1529 وكان الشاه قد توفي قبلها بخمسة أعوام؟

تجمدت حركة بلاد الفرس مؤقتا واستطاع العثمانيون بزعامة السلطان سليمان القانوني الذي حكم من (1520-1566) خلفا لسليم أن يبدأ مرحلة التوسع في أوربا بدءا من موقعة موهاك الكبرى في المجر وكانت الغلبة الحاسمة فيها للترك ففتحت الأبواب أمام أول حصار ضربوه على فيينا عام 1529 وكان الجانب العثماني يرى أن عدم الاستيلاء على فيينا بعد ذلك الحصار لا يعد هزيمة بل تأخرا في إحراز النصر قبل أن يستمر الصراع للسيطرة على قلب أوربا[4].

إن هذه المعلومة تشير إلى حقيقة غاية في الأهمية وهي أن الغرب وإن أظهر مساندة لسانية لبعض القوى الإسلامية المتصارعة بمن فيهم (جماعة وارسو) فهو لا يرغب يقينا في انتصار قوة على أخرى ليجد نفسه في مواجهة دولة إسلامية كبرى تحدث توازنا سياسيا ضمن النظام العالمي ومن ثم تبقى القاعدة التي ينطلق منها هؤلاء، فخار يكسر بعضه بعضا فلا يبقى منه إلا الشظايا والركام!!.

المدهش ما قاله الدكتور علي شريعتي (ولذا فمن هذه الزاوية سوف يتمنى الشيعي أن يظهر صلاح الدين المناوئ للشيعة مرة أخرى في فلسطين ويجرد خالد بن الوليد سيفه للهجوم على عساكر الروم وأن ينهض العثمانيون لطرد الأجانب الغربيين من أراضي المسلمين في آسيا وأفريقيا)!!.

صلاح الدين وخالد بن الوليد والسفاح سليم خان!!!.

وبعيدا عن الحملة المبتذلة الرامية لفضح جرائم الأيوبي يوسف بن أيوب والتي ركبها البعض لغرض غريب وهو تسخيف مبدأ (تحرير القدس) الذي دفع وما زال يدفع البعض للتغني بأسطورة صلاح الدين إلا أن وجهة نظرنا أن الأمر أبعد من هذا بكثير.

ما يشغل بالنا هو الكارثة العظمى التي لحقت بالأمة الإسلامية والتي أعادتها إلى الوراء عديدا من القرون هو سقوط الحضارة الفاطمية التي كانت أكثر بكثير من مجرد دولة من تلك الدول التي عبرت في تاريخنا كسحابة صيف غير ممطرة!!.

تدمير الحضارة الفاطمية وبدء التراكم الرأسمالي في أوروبا

تقول الدكتورة أولجا تشفيركوفا الأستاذة بجامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية: نتيجة الحملات الصليبية انهمرت على أوروبا كميات هائلة من الذهب بحيث يمكننا القول أن جملة ما حصل عليه الأوروبيون في هذه الحقبة يفوق بمراحل ما حصلوا عليه نتيجة احتلالهم لأمريكا الجنوبية مضيفة أن نهب الذهب المصري كان المعبر الذي عبرت عليه أوربا إلى الرأسمالية بدءا من القرن الثاني عشر[5].

المعنى أن الدعاية الترويجية تزعم أن الحملات الصليبية كانت من أجل استعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين لأن الدولة الفاطمية (عجزت) عن الدفاع عنها حتى جاء البطل المغوار صلاح الأيوبي فاستردها، لم تكن تهدف إلى أكثر من ذلك، رغم أن مزيد من التأمل في قراءة التاريخ يكشف أن الهدف الرئيسي للحملة كان ندمير مصر وإزاحتها من خارطة القوى الدولية الفاعلة وهو عين الهدف الذي اجتمع من أجله الأعراب والصهاينة في وارسو.

(الانتصار على مصر) كان أحد العناوين البارزة للهجمة التخريبية التي شنها الكردي صلاح الدين على حضارتنا وممتلكاتنا، حيث يروي بدر الدين العيني في كتابه (عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان) عن ابن الجوزي: ووصل يوم السبت ثاني وعشرين من محرم ابن أبي عصرون رسولا يبشر أن الخليفة العباسي خطب له بمصر وضربت السكة باسمه وانكمدت الروافض وقد صنفت في هذا كتابا سميته “النصر على مصر” وعرضته على المستضيء بأمر الله!!.

 

لهذا صار الصنم صلاح الدين صنما يتعين على كل (مسلم تقي نقي يبغي رفعة الدين وإعلاء شأنه أن يقدسه ويوقره) إلى آخر تلك السردية السخيفة المبتورة التي يكررها عبدة الطاغوت ومن ضمنهم الزعيم عبد الناصر الذي وجد فيها ضالته الدعائية فحولها إلى شريط سينمائي يبشر بدوره وزعامته رغم أن الجيوش العربية التي كان يتزعمها هي التي سلمت القدس للصهاينة منذ عام 1967 وحتى الآن ولولاه ما كان حلف وارسو ولا مسحوق غسيل الأدمغة رابسو، يغسل أكثر سوادا!!.

هل كان ورثة الإمبراطورية الرومانية من عبدة المال والتي كانت مصر ضمن ممتلكاتها لا يريدون إلا الاستيلاء على القدس؟!.

أم أنهم كانوا يريدون تحطيم مصر والاستيلاء على ثروتها وقد نجحوا في ذلك حيث قدم لهم السيد صلاح كل ما أرادوا مقابل ملك مصر وحصة من ذهبها.

لنكمل قصة ذهب مصر وكيف جرى السطو عليه وتهريبه إلى أوروبا.

يقول الدكتور عبد المنعم ماجد المؤرخ المصري: كان سقوط مصر يعني الخضوع للكردي المستبد صلاح الدين الذي استبعد من وزارته رجال مصر وأخرجهم من الوظائف والجيش وأنزل رجاله في بيوتهم وهم بإخراج القبط من الدواوين لولا خوفه من توقف ديوان العمل كما أن استيلاءه على الحكم كان يعني زوال عصر الرخاء بزوال الفاطميين لأن أموال مصر وخيراتها تخرج للترك الغرباء بمصر والشام وأحسوا باختفاء العملة الذهبية والفضية من التداول منذ مجيئه وظهرت بدلا منها عملة رديئة هي (الفلوس) وهي من نحاس مخلوط بالفضة وكان العثور على دينار ذهب أحمر أشبه ببشارة من الجنة مع أن الفلوس كانت تعتبر زمن الفاطميين عملة غير قانونية[6].

أما المقريزي فيقول في كتاب (شذور العقود في ذكر النقود):

ولما دخل القائد أبو الحسين جوهر الكاتب الصقلي إلى مصر بعساكر أمير المؤمنين الإمام المعز لدين الله ونزل جوهر مناخه موضع القاهرة الآن في يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة واختط القصر وبات الناس فلما أصبحوا حضروا للهناء فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل وكانت فيه زورات غير معتدلة فلما شاهد ذلك جوهر لم يعجبه ثم قال‏:‏ قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة فتركه على حاله‏.‏

وأمر جوهر بفتح دار الضرب وضرب السكة الحمراء وعليها‏:‏

دعا الإمام معد بتوحيد الإله الصمد في سطر‏.‏

وفي السطر الآخر‏:‏ المعز لدين الله أمير المؤمنين‏.‏

وفي سطر آخر‏:‏ بسم الله‏.‏

ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‏.‏

علي أفضل الوصيين وزير خير المرسلين‏.‏

وكثر ضرب الدينار المعزي حتى أن المعز لما قدم مصر سنة ثنتين وستين وثلثمائة ونزل بقصره من القاهرة أقام يعقوب بن كِلس: ابن عسلوج بن الحسن لقبض الخراج فامتنع أن يأخذ إلا دينارا معزيا فاتضع الدينار الراضي (العباسي) وانحط ونقص من صرفه أكثر من ربع دينار وكان صرف الدينار المعزي خمسة عشر درهما ونصف وفي أيام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبي علي المنصور ابن المعز تزايد أمر الدراهم في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فبلغت أربعا وثلاثين درهما بدينار ونزع السعر واضطربت أمور الناس فرفعت تلك الدراهم وأنزل من القصر عشرون صندوقا فيها دراهم جدد وفرقت للصيارف وقرئ سجل بمنع المعاملة بالدراهم الأولى وأترك من بيده شيء منها ثلاثة أيام وأن يورد جميع ما تحصل منها إلى دار الضرب فاضطرب الناس وبلغت أربعة دراهم بدرهم جديد وتقوى أمر الدراهم الجدد على ثمانية عشر درهما بدينار.

فلما انتهى أمر الدولة الفاطمية بدخول الغز إلى مصر على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة تسع وستين وخمسمائة قررت السكة في مصر باسم أمير المؤمنين المرتضى بأمر الله وباسم السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب بلاد الشام فرسم اسم كل منهما في وجه.

وفيهَا عَمت بلوى الضائقة بِأَهْل مصر، لأَن الذَّهَب وَالْفِضَّة خرجا مِنْهَا وَمَا رجعا، وَعدم فَلم يوجدا، ولهج النَّاس بِمَا عمهم من ذَلِك، وصاروا إِذا قيل دِينَار أَحْمَر فَكَأَنَّمَا ذكرت حُرْمَة الغيور لَهُ، وَإِن حصل فِي يَده فَكَأَنَّمَا جَاءَت بِشَارَة الْجنَّة لَهُ. وَمِقْدَار مَا يحدس أَنه خرج من الْقصر مَا بَين دِينَار وَدِرْهَم ومصاغ وجوهر ونحاس وملبوس وأثاث وقماش وَسلَاح مَا لَا يَفِي بِهِ ملك الأكاسرة، وَلَا تتصوره الخواطر، وَلَا تشْتَمل على نيله الممالك، وَلَا يقدر على حسابه إِلَّا من يقدر على حِسَاب الْخلق فِي الْآخِرَة[7].

ولما استبد السلطان صلاح الدين بالأمر بعد وفاة الملك العادل نور الدين زنكي أمر في شوال سنة 583هـ  أَمر بِإبطال نُّقُود مصر وضرب الدينار ذهبا مصريا وَمن الدَّرَاهِم الْفضة الْخَالِصَة وأبطل الدَّرَاهِم السود وضرب الدراهم الناصرية وجعلها فضة خالصة ومن نحاس نصفين بالسوي فاستمر ذلك بمصر والشام إلى أن دخل الملك الكامل ناصر الدين بن محمد العادل أبي بكر محمد بن أيوب فأبطل الدرهم الناصري وأمر بضرب دراهم مستديرة وتقدم أنه لا يتعامل الناس بالدراهم المصرية القديمة التي تعرف في مصر والإسكندرية بالزيوف وجعل الدرهم الكاملي ثلاثة أثلاث ثلثيه من فضة خالصة وثلثه من نحاس فاستمر ذلك بمصر والشام مدة ملوك بني أيوب فلما انقرضوا وقامت مماليكهم الأتراك من بعدهم أبقوا سائر شعائرهم واقتدوا بهم في جميع أموالهم وأقروا نقدهم على حاله من أجل أنهم كانوا يفتخرون بالانتماء لهم[8].

ذهب المعز

الكتاب: (النقود العربية: ماضيها وحاضرها، دكتور عبد الرحمن فهمي). وزارة الثقافة والإرشاد القومي

تحت عنوان (ذهب المعز) يقول المؤلف:

عندما دخل جوهر الصقلي إلى مصر من القيروان كان معه من الدنانير الذهبية ألفا ومائتي صندوق (1200) كما يذكر ابن خلدون إضافة إلى مجموعات من الدنانير المغربية التي تعذر نقلها إلى مصر فصهرها المعز لدين الله وجعلها سبائك في هيئة أحجار الطواحين المستديرة المفرغة من الوسط ووضعت على جمال كل اثنين منها على ظهر جمل وقد قدر بعض المؤرخين هذه السبائك بثلاثة وعشرين مليون دينار أعاد المعز ضربها من جديد في دار السك المصرية[9].

وقد حدد الصلح الذي عقده جوهر مع المصريين في 8 شعبان سنة 358هـ مصير النقود الإخشيدية حيث وافق الجميع على تغيير النقود وتجويدها ومنع الغش فيها وصرفها إلى العيار الذي عليه النقود المنصورية التي ضربها الخلفاء الفاطميون في مدينة المنصورية في تونس الحالية[10].

وقد وصل عيار النقود الذهبية في مصر الفاطمية إلى 23.5 قيراط وهو ما قمت بالكشف عنه بمجموعات متحف الفن الإسلامي وهو عيار جيد جدا وهو ما أشار إليه جوهر في عهده الذي قطعه للمصريين.

ورغم نجاح جوهر في امتصاص كل النقود التي كانت سائدة في أسواق مصر قبل الفتح الفاطمي فإن الدينار العباسي المعروف باسم الدينار الراضي (نسبة للخليفة الراضي 322-329) ظل وسيلة للدفع لأنه كان إذ ذاك أثقل وزنا وأشد نقاء من الدينار المعزي[11].

وقد صحب استعمال دينار المعز في التداول تحديد قيمته من الدراهم الجديدة التي ضربها الفاطميون في مصر، إلا أن الغالب أن الحكومة الفاطمية لم تتوسع في ضرب الدراهم أول عهدها حتى عصر الحاكم بأمر الله 386-411 هـ فتحولت إلى نظام المعدنين وأصبحت الدراهم في عهده نقودا قانونية[12].

وقد لجأت الحكومة الفاطمية إلى فرض رقابة مشددة لمنع تداول النقود المنحطة وخصصت مكانا محددا للصيرفة يسهل الإشراف عليه سمي (رحبة الصيارفة) جوار المسجد الجامع (جامع عمرو) في مصر[13].

عنوان: النقود التذكارية في العصر الفاطمي

ابتدعت الدولة الفاطمية في مصر نقودا تذكارية من معادن وأحجام مختلفة قصد الإنعام بها على الشعب في بعض المواسم والأعياد.

وعندما انتشر دعاة الفاطميين في مصر أواخر عصر الإخشيديين لأخذ البيعة للخليفة المعز لدين الله من رؤساء الجند قبيل دخول الفاطميين إلى البلاد اصطحب هؤلاء معهم دنانير ذهبية باسم المعز لدين الله ضربت خصيصا لهذه المناسبة وعليها اسم مصر وتاريخ سنة 341هـ وتحتفظ دار الكتب المصرية بواحد من هذه الدنانير التي سبقت فتح مصر بسبعة عشر عاما.

ابتدع الفاطميون نوعا من النقود التذكارية الذهبية صغيرة الحجم خفيفة الوزن تسمى خراريب (جمع خروبة 194,0 جرام) لتوزع في المواسم والأعياد على أفراد الشعب مثل خميس العهد الذي يسميه أهل مصر خميس العدس ويعمله نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيام ويتهادون فيه وكان من جملة رسوم الدولة الفاطمية في خميس العدس ضرب خمسمائة دينار ذهبا عشرة آلاف خروبة وتفريقها على جميع أرباب الرسوم.

كما كانت تضرب نقود تذكارية أخرى (برسم التفرقة) في أول كل عام تسمى (الغرة) وهي مجموعة من الدنانير والرباعيات والدراهم المدورة تضرب بأمر الخليفة في الشعر الأواخر من ذي الحجة بتاريخ السنة التي دخل أولها (فيحمل إلى الوزير منها ثلاثمائة وستون رباعيا وثلاثمائة وستون قيراطا وإلى أولاده وأخوته من كل صنف من ذلك خمسون وإلى أرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام من عشرة دنانير وعشر رباعيات وعشرة قراريط إلى دينار).

ويذكر المقريزي في الخطط أن جملة المبلغ الذي ينعم به من هذه الغرة أول العام (من الدنانير والرباعيات والقراريط ما يقرب من ثلاثة آلاف دينار) فيقبلها الوزراء والأمراء وأصحاب المراتب على سبيل التبرك[14].

عصر الفضة الأيوبية

يذكر مؤلف كتاب النقود العربية، أسباب اختفاء الذهب في العصر الأيوبي:

فقد انخفض آنذاك استغلال مناجم الذهب في وادي العلاقي بالصحراء الشرقية ولم يعد للحكومة المصرية أي إشراف رسمي على ما يستخرج منها وكذلك قلت ثمرة البحث عن المطالب والكنوز بين محتويات المقابر الفرعونية فضلا عن هبوط الصادرات المصرية بشكل ملحوظ التي كان يصدر منها إلى بغداد في القرن العاشر الميلادي ما قيمته عشرون ألف دينار سنويا هذا إلى جانب نهب الصليبيين مدينة تنيس عدة مرات[15].

كما نشط الصليبيون في تهريب الذهب إلى البندقية ومرسيليا وبرشلونة نشاطا زائدا وبذلك قلت كميات الذهب في الأسواق العربية بشكل ملحوظ.

والخلاصة أن ندرة الذهب في عصر الأيوبيين ترجع لعاملين رئيسيين: أولهما الاكتناز الذي لجأ إليه سلاطين الدولة الأيوبية للاحتفاظ بالنقود الذهبية حيث تشير بعض المراجع إلى أن ما خلفه الملك الكامل الأيوبي من الذهب ستة ملايين من الدنانير المصرية.

وثانيهما تسرب الذهب من البلاد خلال العمليات الحربية في مصر والشام منذ أواخر العصر الفاطمي وأوائل العصر الأيوبي حتى أن مرتبات الجند كانت تصرف بالدراهم الفضية رغم أنها مقدرة اسميا بالذهب على أساس سعر الدينار ستة عشر درهما.

كان هذا استعراضا لبعض جوانب الغارة على العالم الإسلامي تحديدا في مجال الثروة وهو لم يكن المجال الوحيد لهذه الغارة التي جاءت شاملة لشتى المناحي ومن ضمنها العلم والحضارة بل وحتى مؤسسات الإنتاج الزراعي والصناعي.

يزعمون أن الغرب المادي كان هدفه الأوحد هو القدس ولا شيء سوى القدس وأن السيد صلاح حررها –رغم أنها سلمت بعد ذلك للإمبراطور الروماني مرتين- ويا دار ما دخلك شر!!.

ماذا إذا؟؟!!

تعرضت الدولة الفاطمية في مناطق تواجدها أي مصر والشام لحملة مزدوجة بدأها الغز السلاجقة مما أدى لإنهاكها واستنزاف مواردها قبل أن يأتي الفرنج ليكملوا ما بدأه دواعش السلاجقة لينتهي الأمر بالقضاء على وجودها السياسي والحضاري والأسوأ من كل هذا نهب أموالها وثرواتها والنتيجة الحتمية هو ما نعيشه الآن.

غرب صليبي يمتلك فائضا رأسماليا حصل عليه من سلب ونهب ثرواتنا يزعم أنه (علماني) وأن ليس له موقف معاد من أي دين أو مذهب بينما يقول الواقع أنه معاد حتى الثمالة لنهضة العالم الإسلامي، يدعم الأعراب والأوباش في حروب الاستنزاف التي يشنونها على النواة الصلبة لقوة الأمة ووحدتها ومنعتها.

عالم إسلامي يستحوذ على أغلب ثروته حثالات الأطراف حيث يوظفونها في خدمة إبقاء هيمنة الغرب على مصيرنا ومقدراتنا.

ليس فقط حرمنا الإنقلاب الأيوبي من ثروتنا ومنحها للغرب بل جردنا من مكتسباتنا الحضارية مثل مكتبة القصر الفاطمي ومراكز البحث العلمي  وجعلها هشيما تذروه الرياح حيث انتقل أكثرها أو أغلبها إلى مكتبات أوروبا ليبني عليها الغرب تقدمه العلمي حيث لم يبق لنا إلا الرماد وذكرى الصنم متعدد الاستخدامات بدءا من إنجازه الأبرز وهو القضاء على الدولة المركز وصولا إلى هوس البعض بمحاولة استنساخ صلاح الدين من جديد وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح!!.

وحدهم الأغبياء هم الذين يصدقون أن الغرب ساق هذه الجحافل من أجل هدف يزعمون أنه ديني وهو استعادة كنيسة (قمامة) التي سميت بكنيسة القيامة بعيدا عن هدفه الأصلي وهو استعادة العالم الإسلامي برمته وقلبه مصر إلى هيمنة الإمبرطورية الرومانية.

كان البابا أيضا يرسل رسائله لصلاح الدين ويقوم بالرد عليه وفي بداية الرد يمجد صلاح الدين البابا ثم يؤكد له أنه استلم رسالته التي أرسلها مع المندوب البابوي (أوليفريوس فيتاليس).

كانت البابوية ترسل المندوب برسالتين واحدة خطية وأخرى شفوية وأغلب الظن أن الرسالة الشفوية يغلب عليها السرية حيث يقول صلاح (ولقد استمعنا بعناية إلى كل ما قاله من قبلكم)[16].

وينقل الكاتب عن صلاح الدين أنه أعجب بكل ما جاء في الرسالة البابوية وأنه تلقاها بشغف وروح طيبة كما يذكر له أن الصداقة وطيدة جدا حيث يقول (تأكدنا من عظم الصداقة بيننا).

يقول الكاتب (وأيا كان أمر رسالة صلاح الدين الخطية إلى البابا فقد أرسل مع المندوب البابوي رسالة شفوية غير مكتوبة وسرية للغاية).

يقول الكاتب النحرير (ربما تكون بشأن القدس أو غير ذلك من الأمور التي يجب أن تحوطها السرية التامة)!!.

ولذا فهو يذكر للبابا أن كل ما يقوله المندوب أوليفريوس فهو على لسان صلاح الدين وبمحض إرادته (ولقد أودعنا أوليفريوس مندوبكم الأمور الباقية الأكثر سرية وإذ وثقنا به وتأكدنا من حسن نواياه واستعداده بشأنها ولذا يمكنكم اعتبار ما يقوله لكم جاء على لساننا وبملء إرادتنا)!!.

يتساءل الكاتب: لماذا أرسل صلاح الدين رسائل إلى فردريك الأول بالذات دون غيره من أباطرة الغرب الأوروبي ولماذا أرسلت البابوية رسائل إلى العادل الأيوبي وهي تعلم أن السلطان هو صلاح الدين ولماذا ترسلها له في مصر بالذات دون بلاد الشام ولماذا تصمت المصادر العربية المعاصرة وغير المعاصرة عن ذكر هذه المراسلات؟!.

بالإضافة للعلاقات بين صلاح الدين وفريدريك الأول كانت هناك علاقات بين كل من العادل وصلاح الدين من جهة والبابوية من جهة أخرى علاوة على هذا كانت هناك علاقات بين البابوات السابقين وصلاح الدين إذ أن البابا لوكيوس الثالث يصر على الاستمرار في سياسة سلفه إسكندر الثالث 1159-[17]1181.

ويلاحظ الكاتب أن هناك مصادر عربية معاصرة لصلاح الدين لم تذكر شيئا عن هذه المراسلات في حين تذكره المصادر اللاتينية.

في فبراير 1188/ 584 أرسل الإمبراطور فريدريك الأول رسالة إلى صلاح الدين مع مبعوثه هنري دي ستيتيز من ألمانيا يخاطبه فيها بصفته سلطان المسلمين في الشرق ثم يحذره من المساس ببيت المقدس ثم يذكره بالصلات الطيبة السابقة بينهما والرسائل التي جرى تبادلها بينهما قائلا: إن الخطابات التي أخلصت لنا فيها منذ وقت طويل بشأن المسائل الهامة والعظيمة الشأن بيننا والثقة التي كانت تحملها كلماتك إلينا قد اعتبرت وسيلة للاتصال بعظمتكم.  ص 136.

ويستبعد الكاتب النحرير أن (يكون بينهما اتفاق ضد طرف ثالث عدو مشترك بينهما). 136

ويمضي فريدرك قائلا: (الآن دنست الأرض المقدسة)، وهو يعتبر أن صلاح الدين ليس له حق في القدس مما دفعه إلى ذكر هذه العبارة إذ يعتبره وصيا عليها أو مجرد حارس قائلا: (التي توليت حكمها كأوصياء “حراص” لكل من يهودا والسامرة وفلسطين) ولذا يعتبر فردريك نفسه المدافع عن هذه الأرض ويعطي تعويضا عما خربه كما تقتضيه القوانين المقدسة ثم يعطيه مهلة اثنا عشر شهرا اعتبارا من نوفمبر 1188 كي يتمكن صلاح الدين من الاستجابة لهذه الطلبات وإن لم يستجب فسوف يهاجمه (وإلا هاجمناك في مصر لإحياء الصليب باسم يسوع).

ويذكره (أن هذه الأرض أرض المسيح وأنه –صلاح- يعرف هذا تماما “والتي تبررها كل الكتب القديمة” ثم يذكر له أن كل المنطقة الشرقية ومصر كانت تابعة لهم “ولا تذكر أن كل من ثيوثيا Scythia وبارثيا Parthis حيث لقي جنرالنا ماركوس كراسوس الموت المفاجئ ومصر حيث كان أنطونيو وكليوباترا).

يذكر فردريك كل هذه المناطق ليقنع صلاح الدين بأنه لا حق له في البلاد التي استولى عليها وأن الرومان كانوا أصحابها قبل المسلمين مضيفا أن أرمينيا كانت تابعة له[18].

يقول (عادل عبد الحافظ): ولا شك أن وجهة نظرفردريك خاطئة تماما لأنه إذا كان الرومان سيادة العالم قبل سقوط روما سنة 476مـ فمن كان قبل الرومان؟ ومن جاء بعد الرومان؟[19].

يكشف هذا النقل عن طبيعة الدور الذي اضطلع به قادة الانقلاب الأيوبي العباسي في تدمير مصر والقضاء على حضارتها، كما يشير إلى الرغبات الحقيقية الكامنة (الحملات الصليبية) وكيف مكن لهم أدعياء العروبة والإسلام وأعانوهم على تحقيق غاياتهم.

ويبقى السؤال عن إمكانية تحقيق السلام في غياب أي نوع من العدالة بل في وجود هؤلاء الخونة الذين تمكنوا من رقابنا تحت شعارات مثل الوحدة الإسلامية ومواجهة العدو المشترك لتبقى أمتنا في القاع الأسفل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وما أشبه الليلة بالبارحة.

دكتور أحمد راسم النفيس

المنصورة مصر

‏21‏/02‏/2019مـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] الأنبياء 92.

[2] التشيع العلوي والتشيع الصفوي. علي شريعتي. ص 68-69.

[3] ص 72 المصدر السابق.

[4] ص viii- ix  أين الخطأ برنارد لويس (التأثير الغربي واستجابة المسلمين).

 

[5] https://www.youtube.com/watch?v=pUBWxBpvk3M&t=1042s

برنامج رحلة في الذاكرة خالد الرشد 7 فبراير 2018.

 

[6] عبد المنعم ماجد ص 398 ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر. دار الفكر العربي مصر.

[7] ص 68 شور العقود في ذكر النقود، أحمد بن علي المقريزي. مخطوطة.

[8] ص 69 المصدر السابق.

[9] ص 58-59 المصدر المشار إليه.

[10] ص 59 المصدر السابق.

[11] ص 61-62.

[12] ص 63 المصدر السابق.

[13] ص 65.

[14] المصدر السابق 66-68.

[15] المصدر السابق 70-72.

[16] ص 83 العلاقات السياسية بين الدولة الأيوبية والإمبراطورية الرومانية المقدسة زمن الحروب الصليبية. د عادل عبد الحافظ حمزة الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 

[17] ص 84-86 المصدر السابق.

[18] ص 137 العلاقات السياسية بين الدولة الأيوبية والإمبراطورية الرومانية المقدسة زمن الحروب الصليبية. د عادل عبد الحافظ حمزة الهيئة المصرية العامة للكتاب.

[19] ص 137 المصدر نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى