مقالات النفيس

هل انتقل التيار الجهادي الإرهابي إلى العربية السعودية أم نشأ وترعرع فيها (عن الإخوان الأرطاوية)؟؟!! دكتور أحمد راسم النفيس

مقال قديم سنحتاج إليه عند الحديث عن مجزرة التنومة (حجاج اليمن)

 

 

هل انتقل التيار الجهادي إلى العربية السعودية أم نشأ وترعرع فيها (عن الإخوان الأرطاوية)؟؟!!

دكتور أحمد راسم النفيس

مقال قديم سنحتاج إليه عند الحديث عن مجزرة التنومة

منذ أن وقعت واقعة الثاني عشر من مايو عام 2003 التفجيرية في الرياض انطلقت التصريحات والتحليلات عن أسباب تلك الفاجعة ومن يقف وراءها والطريف أننا لم نسمع هذه المرة من يحدثنا عن أربعة آلاف يهودي تغيبوا عن العمل صبيحة الحادث الذي وقع ليلا بالرغم من أن النظام السعودي قد قرر على ما يبدو أن يستثمر هذا الحادث مثلما استثمرت واشنطن أحداث نيويورك وهو ما يمكن استخلاصه من التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي قال (إن هذا الحادث يمثل بالنسبة لنا ما مثله حادث الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للولايات المتحدة) بل ومضى الفيصل أبعد من هذا عندما عقد مقارنة بين عدد الانتحاريين في الحادثين بقوله (من مفارقات القدر أن عدد المشاركين في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك كان خمسة عشر سعوديا وأن عدد المشاركين في انفجارات الرياض هو خمسة عشر أيضا).

إذا فالقاسم المشترك بين الحادثين هو (الأغلبية الهجومية السعودية في الفريقين!!) إلا أن المحللين السعوديين بالطبع لا زالوا يتساءلون في براءة (..) عن الطريقة التي انتقل بها التيار الجهادي إلى دولة (لم تعرف منذ تأسيسها إلا أيديولوجية التسامح والسلام والدعوة بالتي هي أحسن)!.

فالمسئولون السعوديون قد دأبوا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على إلقاء اللوم على أطراف خارجية واعتبارها مسئولة عن استشراس الإسلام السعودي وتحوله للهجوم على كل الجبهات فهم يتهمون الإخوان المسلمين المصريين تارة وسيد قطب تارة أخرى!!.

فمن المسئول إذا عن تمكن التيار الجهادي التكفيري من (الدخول) والسيطرة على الساحة السعودية وهل جاء فعلا هذا التيار من الخارج؟؟؟.

هل هي حقا طبخة بيشاور كما يرى الكاتب السعودي مشاري الذايدي في صحيفة الشرق الأوسط الذي يقول (أن مرحلة بيشاور مسؤولة بدرجة مركزية عن ولادة هذا التيار «الجهادي» التكفيري السعودي. فقد وفد إلى أفغانستان هاربا من الكويت شخصية مهمة ستلعب دورا خطيرا في التكوين الفكري والأيديولوجي للجهاديين السعوديين هو أبو محمد المقدسي واسمه الحقيقي عصام برقاوي وهو أردني من أصل فلسطيني، أقام في الكويت فترة معينة وانخرط في تيار أهل الحديث الثوريين ورثة تيار جماعة «جهيمان العتيبي» التي احتلت الحرم المكي عام 1979م وكانت هذه الجماعة ناشطة في الكويت، وكان المقدسي ناشطا ضمنها، فترة الثمانينات إلا أنه اختلف مع بعض رموزهم خصوصا حينما بالغ في مسألة التكفير (لاحظ أن نقطة الخلاف ليست على مبدأ التكفير بل المبالغة فيه) وقد ألف عدة مؤلفات في هذه الفترة أهمها كتاب «ملة إبراهيم» وهو يشبه كتاب «معالم في الطريق» في درجة تأثيره وصياغته لأيديولوجيا «الجهادية السلفية» ويقوم كتيب ملة إبراهيم على فكرة بسيطة مفادها الأخذ بملة النبي إبراهيم الذي أمرنا الله بالاقتداء به كما في نص الآية التي تقول «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده…». سورة الممتحنة.

ذهب المقدسي إلى بيشاور في باكستان عقب غزو العراق للكويت ثم جاء إلى السعودية فترة محدودة، وتعرف على من تعرف هناك، بيد أن «الجو» لم يرق له كثيرا، فعاد إلى الأردن، وفي الاعترافات التي أدلى بها منفذو تفجيرات الرياض في نوفمبر عام 1995م أنهم كانوا يجلبون كتيبات المقدسي من الأردن مهربة. قبل ذلك نشير إلى محطة المقدسي في بيشاور التي أقام فيها عدة اشهر طبع خلالها كتابه الشهير «الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية» ووزع الكتاب بكثافة عالية وتم تهريبه إلى السعودية بكثافة أيضا. «الكواشف الجلية» من أخطر الأدبيات التي صاغت التيار الجهادي السعودي، وقد طبخ في مطبخ بيشاور الذي كان يفوح بروائح النكهات الراديكالية المختلفة).

هل حقا يتعين علينا أن نصدق أن أزمة النظام السعودي نشأت بسبب كتابي ملة إبراهيم و الكواشف الجلية وأنها نشأت في مطبخ بيشاور؟؟.

وإذا كان هذا الكلام صحيحا فكيف يمكن لنا أن نفسر حادثة الحرم عام 1979ببطولة جهيمان العتيبي حيث يقر الكاتب أن المقدسي مثل امتدادا لهذه المجموعة التي مثلت امتدادا قبليا للأخوان الأرطاوية من قبائل مطير.

ولماذا لا نتبنى نظرية معاكسة مفادها أن النظام السعودي الوهابي يحصد الآن ما بذره من بذور الأفكار التكفيرية تلك الأفكار التي نجح من خلالها في إلهاب حماسة بدو الجزيرة للاصطفاف خلفه في معارك الإبادة التي شنها على خصومه السياسيين في جزيرة العرب إبان ما سمي بحروب التوحيد ومن بين هؤلاء (الإخوان الأرطاوية) الذراع العسكري الضارب للحركة الوهابية والتي نفذت بموجب لائحة التكفير الوهابية عديد المجازر ضد (المسلمين الكفار) في الطائف وجدة حيث قتل في تلك المعارك

أكثر من 150 ألف بموجب تلك الفتاوى وكما يقول محمد عبد الغفور العطار نقلا عن لسان ابن سعود في كتابه “صقر الجزيرة” : “لقد وصلني وأنا في الرياض خبر المذبحة في الطائف فبكيت حتّى تبللت لحيتي! .. واعترتني الكآبة وطافت على وجهي سحابة من الحزن البالغ العميق، وتمنيت لو لم ينتصر سلطان بن بجاد بهذا الثمن، وتمنيت أنني حاضر، ولكنني بعثت رسولي إلى سلطان بن بجاد وخالد بن لؤي مهددا وطلبت إليهم الكف عن القتال، ولما قدمت مكة عزمت أولياء القتلى وأهليهم على وليمة ورتبت لهم وألفت لجنة للتعويضات على منكوبي الطائف وأعطيت كل واحد عشرة ريالات فرنسية وصاعا من القمح )!!. وعندما لم يتحمل قادة الإخوان (الذين كانوا ينفذون التعليمات الصادرة إليهم) التشهير بهم وتحميلهم وحدهم المسئولية واجهوا ابن سعود بالحقيقة أمام الأشهاد مؤكدين على أن كل ما عملوه كان بأمره لأن أهل الحجاز كفرة كما يقول ابن سعود!!. ورجع الإخوان وقادتهم غاضبين من الحجاز بعد أن احتلوه، إلى موطنهم الأول (الأرطاوية) وعقدوا مؤتمرا بتاريخ 3 رجب 1345 حضره القادة وكبار الرؤساء تعاهدوا فيه : “على نصرة دين الله”، واتخذوا القرارات التكفيرية التالية هذه المرة ضد ابن سعود:

أولا : ينكر الإخوان على عبد العزيز بن سعود ركونه للإنكليز وإدخالهم البلاد المقدسة ، كما ينكر الإخوان تنصيب عبد العزيز ملكا فالإسلام يحرم الملكية.

ثانيا : ينكر الإخوان إرسال عبد العزيز ولده سعود إلى مصر لعقد اتفاق مع الإنكليز.

ثالثا : ينكر الإخوان إرسال عبد العزيز ولده فيصل مع فيلبي إلى بلد الشرك لندن لرهن بلادنا للإنكليز.

رابعا: ينكر الإخوان على عبد العزيز أخذه للضرائب والمكوس .

خامسا : يقرر الإخوان انّه لا عهد ولا طاعة لعبد العزيز لأنه خان العهد، واخلف الوعد، وعمل للمشركين.

إذا (فالجهادية الوهابية التكفيرية) لم تكن وليدة المطابخ الأفغانية ولا ناجمة عن اختلاط أفكار السعوديين بأفكار سيد قطب أو الإخوان المسلمين إخوان حسن البنا ناهيك عن كتاب الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية فقبل ذلك كان هناك الإخوان الأرطاوية الذين دفعوا غاليا ثمن تمردهم المضاد بقيادة فيصل الدويش حيث جرت إبادتهم من خلال التعاون المشترك بين الإنجليز وابن سعود (الذي حشد في مواجهتهم جيشا جرارا قوامه (40000) شخص وتقدم بهم نحو الإخوان البالغ تعدادهم (4000) شخص والتقى الجمعان عند مكان يسمى السبلة بتاريخ 19 شوال 1347 هـ 29 /3 / 1929 م .. فما هي إلا جولات بسيطة حتّى أفناهم ابن سعود بعد أن أحاط بهم وقتل منهم (3059) شخص بينما فرّ قسم منهم وعلى رأسهم سلطان بن بجاد إلى قريته (الغطغط) القريبة من الرياض، الذي استسلم بعد ذلك لابن سعود الذي أرسله إلى السجن ليموت فيه).

ويبقى أن (الفكر التكفيري الجهادي) ليس ابتكارا سعوديا ولا مصريا ولا قطبيا ولا إخوانيا ولا حتى سلفيا إنه فكر قديم قدم التاريخ الإسلامي نفسه ولا شك أنه حصل على زخم غير عادي من خلال التحامه مع المشروع الوهابي السعودي الذي نقله نقلة هائلة عبر المحيط الأطلسي ليضرب أبراج نيويورك.

كنا ولا زلنا نتمنى على أصحاب الرأي والضمير من الساسة والمفكرين أن يعيدوا قراءة التاريخ القديم والمعاصر واستخلاص العبر لعلهم يعثرون على العلة الكامنة وراء تخلفنا عن ركب الحضارة والديمقراطية وارتكاسنا إلى التكفيرية الدموية التي يرى البعض أن عيبها الوحيد هو إمكانية استخدامها من قبل كل من هب ودب وأن التكفير والقتل والسحل وسفك الدماء هو حق شرعي وأصيل لهؤلاء الحكام ومفتيهم دون سواهم كما أننا نؤكد على أن الطريق الأمني القمعي لن يؤدي لتحقيق الاستقرار المنشود لا في السعودية ولا في غيرها إذ لا بديل عن الإصلاح ثم الإصلاح الفكري والسياسي وفتح نوافذ الحوار الحر.

هذا وإلا ستبقى القضية كلها في إطار تبادل الأدوار فقاتل اليوم قتيل الغد وهكذا دواليك لترث أمريكا وإسرائيل الأرض ومن عليها.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

15-5-2003

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى