
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: عن مؤتمر السيدة زينب دمشق 2004
نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 3-8-2004
نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 3-8-2004.
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: عن مؤتمر السيدة زينب
تحت عنوان (المرأة المسلمة وأولويات التجديد والإصلاح والتنمية السيدة زينب نموذجا) عقد في دمشق يومي السبت والأحد 19و20 يونيو 2004 مؤتمر حضره لفيف من العلماء والمفكرين من لبنان وسوريا ومصر.
عقدت الندوة في ضاحية السيدة زينب بالقرب من العاصمة السورية تلك الضاحية التي نشأت من العدم ولم يكن أحد يسمع بها قبل عقد أو عقدين من الزمان حول المرقد الطاهر للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب شقيقة الإمام الحسين ورفيقة دربه في معركة كربلاء أما الآن فقد تحولت إلى واحدة من أهم المعالم السياحية في سوريا.
زينب الكبرى أم زينب الصغرى؟؟.
المتابع لسيرة أهل بيت النبوة يلاحظ ظاهرة تكرار أسماء بعينها مثل زينب وعلي وقد كان للإمام الحسين ولدان أحدهما علي الأكبر الذي استشهد على يد جلاوذة بني أمية يوم الطف وعلي الأصغر الملقب بزين العابدين أو الإمام السجاد وكذا كان للإمام علي بنت هي زينب الكبرى المدفونة في القاهرة على أرجح الأقوال (السنية وحتى الشيعية) وزينب الصغرى (أم كلثوم بنت علي) المدفونة في تلك الضاحية التي تحولت إلى منجم من الذهب يضخ في شرايين الاقتصاد السوري.
ملاحظة عابرة:
قبل عدة أيام نشرت جريدة الأهرام تصريحا على لسان واحد من المشايخ ينفي فيه وجود رأس الحسين بن علي في مرقده المشهور في قلب القاهرة واصفا فيه الفاطميين بأحط الصفات ومعتبرا أن مثل هذه المراقد هي من مخترعات الدولة الفاطمية والحقيقة أننا لا نجد ما نصف به كلام مثل هذا الشيخ سوى أنه لا عقل ولا نقل!!.
أما عن النقل فكان على الشيخ أن يرجع إلى ما أورده المؤرخون عن هذه الأضرحة و ساكنيها عليهم رضوان الله وأما عن العقل فلو كان الرجل يعي ما يقول لعلم أنه يساهم في تخريب الاقتصاد المصري المخرب أصلا بسبب تصرفات أمثاله ولو أنه كلف خاطره هو أو أي من القابعين في أبراجهم العاجية وذهب إلى دمشق ثم عاد ليسأل نفسه لماذا تحتفي عاصمة من كانوا ولا زالوا أمويين بمراقد أعدائهم التاريخيين والتي تحولت إلى قبلة يؤمها السائحون المسلمون من كل حدب وصوب على اختلاف مذاهبهم باستثناء الوهابيين بالطبع لعلم أن الجاهل عدو نفسه وعدو أمته وعدو بني وطنه مهما ادعى عكس ذلك!!.
عن الوحدة الإسلامية والمؤتمر:
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعى فيها لمثل هذه المؤتمرات والظاهرة المتكررة التي نلفت انتباه كثير من السادة إليها والذين ما فتئوا يلوكون أحاديثهم عن الوحدة الإسلامية والتقارب المذهبي والعوائق التي تقف في وجه هذه الوحدة ومن بينها (اعتقاد الشيعة بعصمة الأئمة) أو كما قال السيد ممدوح الشيخ (حفظه الله ذخرا للفكر الإسلامي!!) هي الحضور الواسع لكافة أنواع الطيف الإسلامي الشيعي والسني سواء من ممثلي الأوقاف السورية أو دار الإفتاء (الشيخ كفتارو) أو الجماعة الإسلامية اللبنانية (فتحي يكن ومنى حداد) أو حتى من القيادات المارونية الدينية والسياسية وأن هؤلاء يتناوبون الحديث حول قضية مشتركة فالسيدة زينب وأهل البيت هم جزء أصيل من تراث الأمة المسلمة بل وجزء من تاريخ الأمة العربية (بالنسبة للعرب من غير المسلمين) وهي جزء من المصلحة الاقتصادية والسياسية للبلد المضيف وبالتالي فنحن نعتقد أن استمرار البعض في الحديث عن عوامل والانقسام والتشرذم أو عن اختلاف الرؤى حول بعض القضايا مثل عصمة الأئمة وغير ذلك تأتي في إطار استمرار حالة الغيبوبة واللاوعي التي تربى عليها وللأسف الشديد الكثير ممن يمارسون التنظير في حلبة السياسة والفكر.
التشكيكيون والدور السياسي والاجتماعي الذي قامت به السيدة زينب.
السيدة زينب كما يسميها المصريون هي عقيلة بني هاشم وهي أم هاشم وهي رئيسة الديوان إنها في الوجدان المصري بمنزلة القلب والعقل والروح.
إنها موجودة في كتابات نجيب محفوظ كما في رائعة يحيى حقي (قنديل أم هاشم) ولا عليك من الطفح الوهابي المعاصر الذي رفع السيف والسكين على رقاب الجميع سواء كان سيف أبو مصعب الزرقاوي أو سيف التشهير والتكفير العقائدي عندما يصرون على وصف زوار هذه المقامات الطاهرة أو المقدسة بالشرك وعبادة الأوثان والقداسة هنا تعني الاحترام والتبجيل ولا تعني العبادة بحال من الأحوال (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) سورة المائدة.
وفي الوقت الذي يشتد فيه الهجوم على العالم الإسلامي المتهم بتغييب دور المرأة وهو اتهام لا يخلو من الصحة في ضوء ما قدمه النموذج الطالباني نسمع باستمرار من يقوم بالتشكيك في ذلك الدور الذي قامت به عقيلة بني هاشم التي خرجت صحبة أخيها أبي عبد الله الحسين لتفضح ذلك الطغيان الأموي وتكون شاهدة على تلك الجريمة التي تقاسم نتائجها إلى الآن الأمة من ناحية وأهل البيت من ناحية أخرى فهم لا يكفون على ذرف دموع التماسيح قائلين لماذا أخذ الحسين بن علي حرائر أهل البيت وقد نصحه فلان؟؟ ولماذا خرج وقد نصحه علان ولو أنهم كلفوا أنفسهم قراءة التاريخ بإمعان لعلموا أن عقيلة بني هاشم قد قامت بما عجزوا هم عن القيام به إلى يومنا هذا فها هي تخطب في الكوفة أول محطات الأسر الهاشمي في مواجهة ابن زياد كما ينقل الرواة (لمّا أدخلوا السبايا الكوفة أخذ النّاس يبكون وينوحون لأجلهم التفتت إليهم زينب بنت علي ولم أر خفرة (أي امرأة) والله أنطق منها كأنها تفرغ من لسان أبيها وقد أومأت إلى النّاس أن اسكتوا فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس ثم قالت:الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبّين الأخيار. أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف والصدر الشنف وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة، أو كفضِّة على ملحودة ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون؟ إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة و سيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم؟ ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.ويلكم أهل الكوفة أتدرون أيَّ كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم، وأيَّ حرمة له انتهكتم أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تنصرون.قال الراوي: ثم جلس ابن زياد في القصر وأذن إذناً عاماً وجيء برأس الحسين عليه السّلام فوضع بين يديه وأدخل نساء الحسين عليه السّلام وصبيانه إليه فجلست زينب بنت عليّ عليه السلام متنكرة فسأل عنها فقيل: زينب بنت عليّ عليه السّلام، فأقبل إليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا. فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت ما رأيت إلاَّ جميلاً هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن يكون الفلج يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة. قال الراوي: فغضب ابن زياد وكأنه همَّ بها. فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك فقالت: لعمري لقد قتلك كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت. فقال ابن زياد: هذه سجّاعة! ولعمري، القد كان أبوك شاعراً سجّاعاً. فقالت: يا ابن زياد، ما للمرأة والسجاعة وإنّ لي عن السجاعة لشغلاً وإنيّ لأعجب ممّن يشتفي بقتل أئمته، ويعلم أنَّهم منتقمون منه في آخرته.
في مواجهة يزيد:
ثم هي تخطب في مواجهة يزيد بن معاوية وقد جيء إليه برأس الحسين فدعا بقضيب خيزران وجعل ينكث به ثنايا أبي عبد الله الحسين عليه السّلام ويتمثَّل بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً***ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم***وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعل
قال الراوي: فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقالت: الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: (ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُواْ السّوَءَىَ أَن كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) سورة الروم. أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة؟ وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً لا تطش جهلا أنسيت قول الله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوَاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مّهِينٌ).
أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبايا قد هتكت ستورهنّ وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههن القريب والبعيد، والدنيّ والشريف ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي؟ وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟ ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:
لأهلوا واستهلوا فرحاً***ثم قالوا يا يزيد لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله عليه السّلام سيّد شباب أهل الجنّة، تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردّن وشيكاً موردهم، ولتودّن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت (اللهم خذ لنا بحقّنا وانتقم ممّن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا).
فوالله، ما فريت إلاّ جلدك، ولا حززت إلا لحمك ولتردّن على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم (وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ) وحسبك بالله حاكماً وبمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصيماً وبجبرئيل ظهيراً وسيعلم من سوّل لك ومكنّك من رقاب المسلّمين بئس للظالمين بدلاً وأيّكم شر مكاناً وأضعف جُنداً ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إنّي لأستصغر قدرك، واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطّف من دمائنا والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفواعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى، وعليه المعول، فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولاتدرك أمدنا ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيّامك إلاّ عدد وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يُكمِّلَ لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
ونحن نقول كما قالت زينب حسبنا الله ونعم الوكيل!!
Arasem99@yahoo.com
دكتور أحمد راسم النفيس
22-6-2004.