مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون بين التغريب والتخريب الفكري

دكتور أحمد راسم النفيس: المسلمون بين التغريب والتخريب الفكري

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ.

منذ عقود ونحن نسمع من يحذر مما يسمى خطر التغريب والغزو الثقافي رغم أن الواقع يقول أليس هناك مثل هذا الشيء وحتى مئات المدارس الأجنبية المنتشرة الآن في شتى بقاع العالم الإسلامي لا تقدم ثقافة غربية من أي نوع بل توفر لتلاميذها فرصة التكلم بلغة السادة الإفرنج بلكنة عربية معوجة تعرف منها على الفور أن هذا الصبي الأبله أو تلك الفتاة تخرجت من إحدى جامعاتهم.

لا ثقافة ولا فكر ولا شرق ولا غرب!!.

الأدهى والأمر يتعلق بثقافة (النخب)، من يُسمونهم إسلاميين أو من يصفون أنفسهم بالعلمانيين فهي ثقافة سطحية فارغة من العمق ناهيك عن انعدام قدرتهم على تقديم قراءة نقدية لتجارب التاريخ المعاصر أو حتى القديم واعتبار ما يدلون به من تصريحات أو يرفعونه من شعارات منظومة فكرية كاملة متكاملة لا تحتاج إلا لمن يضعها موضع التنفيذ!!.

لم يحتج الغرب الاستكباري للقيام بأي مجهود فكري أو ثقافي لإقناعنا أن ثقافته هي الأفضل ولا احتاج لبناء كنائس أو لإرسال مبشرين ليقنع الناس بأن المسيحية أفضل من الإسلام ولا شيء من هذا على الإطلاق.

عندما قام نابليون بونابرت بغزو مصر سنة 1798 قام بتوظيف شيخ الأزهر لخدمة أغراضه التي هي السيطرة والهيمنة وكل ما عدا ذلك يأتي تاليا عملا بالمبدأ الاستكباري الذي ما زال ساريا حتى الآن: من ذقنه وافتل له!!.

من ذقنه وافتل له!!!.

يقول الجبرتي:

عندما دخل صاري عسكر بونابارته القاهرة طلب المشايخ –الذين يرفعون الآن شعار الأزهر عائد-  فلما استقروا عنده نهض من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة ألوان أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدًا على كتف الشيخ عبد الله الشرقاوي (شيخ الأزهر) فرمى به إلى الأرض وتغير مزاجه وامتقع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ أنتم صرتم أحبابًا لصاري عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فإن تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قلوبهم فقالوا له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند إخواننا من المسلمين  (؟!) فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين أنه قال عن الشيخ الشرقاوي إنه لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال إن لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكار في صدوركم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يومًا‏.‏

وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صاري عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه الترجمان وأهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار وأوثقه بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على أن ذلك لا يخل بالدين‏.‏

ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصًا منكم يكون كبيرًا ورئيسًا عليكم ممتثلين أمره وإشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نو نو أي (لا, لا) إنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة بأوراق فطلع الأكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الأمر حتى زالت الشمس فأذنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم.‏

التغريب الذي ما زال البعض يصرخ ويستنفر الناس في مواجهته لا يعدو كونه الرضوخ والقبول بالهيمنة الغربية، فرنسية ثم انجليزية والآن أمريكية وليس ثقافيا ولا فكريا وهو حقيقة قائمة منذ سقوط الدولة الفاطمية.

التغريب الذي يزعق البعض منددا به أصبح حقيقة واقعة منذ دخل السادة المشايخ إلى حضرة بونابرت وقبل حتى أن يطلب منهم ارتداء شارة الولاء للإمبراطورية الفرنسية.

الهيمنة الغربية حقيقة واقعة ويكفي أن يحرك أوباما أو ترامب عرائس الماريونت من وراء ستار ويأمرهم بمحاربة الروافض أو التحالف مع الكيان الصهيوني فيجاب: لبيك وسعديك والخير كله بين يديك!!!.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏08‏/09‏/2020

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى