دكتور أحمد راسم النفيس يكتب الإخوان المسلمون وبناؤهم الفكري الجزء الثاني
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب الإخوان المسلمون وبناؤهم الفكري الجزء الثاني
سيد قطب:
ننتقل إلى سيد قطب المفكر الأخواني الأبرز بعد مؤسس الجماعة وهي شهرة ترجع من وجهة نظرنا للخطأ الفادح الذي ارتكبه عبد الناصر بإعدامه عام 1966 في ذروة صراعه مع الإخوان رغم ما هو ثابت لدينا من أن إعدامه لم يكن بسبب كتاب المعالم فقط وإنما بسبب مشروع انقلاب مسلح أشرف عليه (المفكر الكبير) وتضمن بعض العمليات التخريبية مثل تفجير القناطر الخيرية وإغراق منطقة دلتا النيل وتدمير حياة ساكنيها من (الكفار الجاهليين) من غير جماعة الإخوان القطبيين ومن لا يصدقنا فليقرأ مذكرات الرجل التي نشرت أكثر من مرة تحت عنوان (لماذا أعدموني؟؟).
والشاهد أن إعدام سيد قطب عقابا له على كتابه أو على خطته لإغراق الدلتا وأهلها قد أدى إلى إغراق العالم الإسلامي بفيضان الجهل والتكفير بعد أن تحول الرجل إلى أيقونة ورمز شهيد في مجتمع كان ولا زال يعاني من ثنائية الظلم والأمية الفكرية ولا يحفل إلا بالثقافة السطحية التي أبدع هؤلاء القوم في إنتاجها.
هذا النوع من المجتمعات لا يهتم كثيرا بالتدقيق في الملابسات التي أدت لإعدام شخص تحول إلى رمز لا فارق بينه وبين (قاتل السادات المفترض) خالد الإسلامبولي الذي ادعى البعض أنه قام بما قام به رفضا للاتفاق مع الكيان الصهيوني بينما تقول أوراق القضية شيئا مغايرا تماما.
الأمر نفسه ينطبق على أسامة بن لادن صنيعة المخابرات الأمريكية الذي أصبح (رمزا) لدى كثيرين بسبب صوتياته الرنانة وما نسب إليه من تفجير أبراج نيويورك يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
يقول سيد قطب (إن وجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع (لاحظ العبقرية اللغوية في الجمع بين الشك واليقين!!) منذ قرون كثيرة فالأمة المسلمة ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام وليست قوما كان أجدادهم في عصر من العصور يعيشون بالنظام الإسلامي إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى) معالم في الطريق ص8.
(إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا أنه كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي وفي الشرائع القانونية وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلا) ص98.
(وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها فهي وغن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخض خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله فتتلقى من هذه الحاكمية نظمها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقومات حياتها تقريبا والله سبحانه يقول عن الحاكمين بغير ما أنزل الله “ومن لم يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”) نفس المصدر ص 101.
ونمضي مع سيد قطب وهو يواصل إطلاق قذائف الأحكام على الظالم والمظلوم من أمة لا إله إلا الله وصولا إلى الثقافة الإسلامية المتداولة وهو موقف يتسم بالرفض الصبياني النزق حيث يقول (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم كل ما حولنا جاهلية تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم آدابهم شرائعهم وقوانينهم حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكير إسلامي هو كذلك من صنع الجاهلية) ص21.
إذا فالرجل لم يبق ولم يذر حتى ما يظنه (المخدوعون) من غير تلاميذه ثقافة إسلامية وفكرا إسلاميا تبين في النهاية أن كل هذا جاهلية لن يخرجنا منها إلا نبي الإسلام الجديد سيد قطب الذي دعا في نهاية خطابه الجميع من المخدوعين ومن غير المخدوعين للدخول في دين التوحيد من جديد.
إنها العشوائية والتخبط ثم جاء الإعدام وتلاه الافتتان وفيضان فكر التكفير الذي تحول إلى فريضة إسلامية بدلا من التفكير فتحول طين الأمة إلى مستنقع كبير لا يمكنها الخروج منه.
متى انقطع الحكم بما أنزل الله وعلى يد من؟ ذلك السؤال المهم الذي سيحدد لنا متى عادت الأمة إلى جاهليتها الأولى أو أظلم كما يقول.
لم يجبنا سيد قطب على هذا السؤال ولكننا سنحاول انتزاع هذه الإجابة من واحد من ورثة علمه الفياض.
السؤال الآخر: كيف يمكن للمسلمين البسطاء من غير تلامذة سيد قطب وممن لم ينالوا شرف الانتماء إلى جماعة الإخوان أن يميزوا بين الثقافة الإسلامية (الإسلامية) والثقافة الإسلامية الجاهلية؟؟ وما الذي يمنع أن لا تكون ثقافة الإخوان أيضا من ذلك النوع المضروب الموجود في السوق والتي رفضها سيد قطب حفظه الله؟؟.
نوجز مرة أخرى لائحة الاتهامات الموجهة ضد الأمة الإسلامية من قبل أولئك المصلحون:
- الأمة المسلمة لم تعد موجودة.
- الأمة تعيش جاهلية أشد وأقسى من الجاهلية الأولى وكل شيء حولنا هو محض جاهلية بما فيها أغلب الثقافات التي تتسمى باسم الإسلام.
- الأمة مرتدة والإمساك عن إصدار حكم الكفر عليها يرجع لأسباب أخرى.
يبقى السؤال: هل كان سيد قطب تكفيريا؟؟.
الإجابة واضحة وضوح الشمس فيما نقلناه سابقا…
نعم كان تكفيريا بل كان أبو التكفير المعاصر..
إنها إجابة لم ولن تعجب أيا من التلفيقيين الذين حاولوا إيجاد المعاذير لتلك الحالة التكفيرية والزعم بأن التيار التكفيري نشأ إما بسبب سوء فهم مقولات الرجل أو التحامل عليه وعدم إدراك الظروف النفسية التي عاشها وهو كلام واعتذار هزيل ومفكك إذ أن الكاتب أو المفكر عليه أن يزن كلامه بمعيار العلم لا بمعيار الانفعال وقد قال الرجل كلامه ثم مضى ولم تعد هناك فرصة لإعادته إلى الحياة لنسأله عما كان يقصده ومالا يقصده.
مأمون الهضيبي يدلي بدلوه.
استعرضنا سابقا الآراء المختلفة حول حالة الأمة الإسلامية ومتى ألم بها ذلك الداء العضال ولمزيد من التأكيد فنحن نرى أيضا أن الأمة مريضة ولكننا نختلف معهم حول تشخيص المرض فنحن نقول أنها حالة فتنة وانحراف وهم يقولون ردة وكفر … نحن نرجع إلى ما صح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يرجعون إلى آرائهم وأهوائهم.
إنهم نموذج للعامل على غير بصيرة لم تزده شدة السير إلا بعدا عن الطريق الواضح.
ولما كان تشخيص أي مرض يعتمد على تحديد تاريخ ظهوره كان من اللازم لنا أن نعرف متى (ارتدت الأمة) و(عادت إلى الجاهلية) حسب زعمهم وسنرى أن التناقض في تحديد الميعاد يكشف عن وجود خلل عقلي وفكري خطير في رؤية هؤلاء (المصلحين) لما ينبغي عمله وأنهم يعتمدون رؤية سطحية وساذجة لا تنفذ إلى حقائق الأشياء مهما زعموا غير ذلك.
ماذا قال مأمون الهضيبي المرشد السابق وابن المرشد الأسبق.
سئل الرجل عن طبيعة الشعار الانتخابي المرفوع من قبل الجماعة (الإسلام هو الحل) فقال:
أولا: لا بد أن نفهم بماذا ينادي الأخوان؟؟ قبل أن يأتي الاحتلال إلى بلادنا لم تكن مصر تعرف لها دستورا سوى القرآن (!!) وليس لديها قانون سوى الشريعة الإسلامية وليس لديها محاكم سوى المحاكم الشرعية المأخوذة من القرآن والسنة والإسلام هو مرجعية الدولة (!!) وليس معنى ذلك عدم وجود قوانين تنظم بعض التفاصيل ولكن لا تمس أو تغير من ثوابت الشريعة وهي تدخل في إطار المصالح المرسلة.
عندما جاء المحتل الإنجليزي كان يدرك أن مرجعيتنا هي الإسلام فما أن احتلنا في سبتمبر 1882 حتى جاء في يوليو 1883 وقد ترجم القانون الفرنسي وطبقه في مصر وأنشأ المحاكم الأهلية ثم انشأ البنوك الربوية وأسس النظام الاقتصادي على أسس ربوية وألغى الشريعة دستورا وقانونا وبالإضافة إلى ذلك بدأ في تأسيس المدارس الابتدائية على نظامه حتى تخرج موظفين لا يعرفون شيئا عن الإسلام. الإخوان المسلمون 60 قضية ساخنة.
قل لي بربك من أين تشرق الشمس؟؟.
فبينما يقول لنا مؤسس الجماعة أن الكارثة كانت في سقوط الخلافة العثمانية أي في أوائل القرن العشرين يقول لنا مأمون الهضيبي لا الكارثة حدثت نهاية القرن التاسع عشر.
وبينما يرجع سعيد حوى المأساة إلى حالة تلبس عام بالمعصية وردة وترك لا تصل إلى حد إطلاق أحكام الكفر أو أننا نعيش في دار حرب يقول لنا سيد قطب أننا نعيش في جاهلية معاصرة كالجاهلية الأولى أو اشد هولا والسبب هو ترك العمل بأحكام الشريعة الإسلامية منذ قرون وليس منذ قرن واحد كما يزعم الأستاذ مأمون الهضيبي.
مؤسس الجماعة يرجع أزمة الأمة إلى استيلاء غير العرب على السلطة والخلافة بينما هو يبكي على سقوط الخلافة العثمانية التركية[1].
أما الأهم من هذا كله: هل نحن نعيش في مجتمعات كافرة تم استخدام الرأفة معها لتوصف بأنها مرتدة وفاسقة أم أنها مجتمعات جاهلية وإن صلت وإن صامت أو تسمت بأسماء إسلامية بما فيها ثقافتنا التي كنا نظنها إسلامية ثم تبين له أنها جاهلية كما يقرر سيدنا قطب الذي فاته وفات أتباعه أن يسألوا من أين جاء هو بثقافته التي يظنها هو أيضا ثقافة إسلامية بينما يشهد له الواقع والتاريخ أنها ثقافة تكفيرية خوارجية بامتياز.
هل هبط عليه وحي الثقافة الإسلامية الصحيحة أم جاءه مبعوث العناية الإلهية واجتاز أعناق كل البشر بمن فيهم أبيه وأمه ليفسر له كل ما غاب عن هؤلاء الجاهلين الجاهليين.
ثم يقولون لنا أن الرجل لم يكفر أحدا وأن كلامه فهم على غير مراده الأصلي وكأنه كان لديه علم الباطن ويتحدث بلسان الباطن وإذا ضاقت بهم سبل وأساليب الدفاع قالوا لك أن الرجل لم يكن يمثل مدرسة الإخوان فأين هي هذه المدرسة وما هي أهم معالمها الفكرية لنحكم على مدى انطباق ما قاله على المعايير الإخوانية المتعارف عليها دوليا.
سيد قطب يدعو المسلمين إلى الإسلام:
انطلق سيد قطب في بناء منهجه الدموي من تقرير قاعدة (جاهلية المجتمع المسلم) و نفي صفة الإسلام عنه ثم دعوته إلى إنشاء أو اعتناق الإسلام من جديد فقال: (كذلك ينبغي أن يكون مفهوما لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولا إلى اعتناق العقيدة حتى و لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين و تشهد لهم شهادات الميلاد أنهم مسلمون) ص 40- معالم في الطريق.
(و لتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام كما كانت هي أساس دعوتهم إلى الإسلام أول مرة هذه الدعوة التي تكفل بها القرآن المكي طوال ثلاثة عشر عاما) ص- 40.
إنه تكفير واضح وصريح لا ينفع معه أي من مساحيق التجميل ولا كل أنواع الدعاية والتضليل التي مارسها المؤمنون بذلك الفكر التكفيري البشع أو المعجبون بهذا الفكر من الناقمين على تلك النظم الجائرة ولكننا لسنا مقتنعين بشيء من هذه المبررات فلماذا نلجأ إلى طريق لا يقودنا إلى ما نهدف للوصول إليه لمجرد أننا نكره تلك النظم الجائرة و نحلم بنظم أكثر عدلا و أكثر ديمقراطية؟؟.
ثم ما هي الفائدة التي سنجنيها من مدح ذلك الفكر المغرور المتغطرس الذي يفتتح بتكفير الناس كل الناس حكاما ومحكومين ورفض قبول ادعائهم بالإسلام ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين وتشهد لهم شهادات الميلاد أنهم مسلمون؟؟.
الواقع يقول أنه لا تكفير الحكام ولا تكفير المحكومين نفعنا أو سينفعنا ولا قربنا قيد أنملة مما نحلم به من إقامة نظم حكم عادلة تلتزم بالإسلام شريعة و منهاجا.
و قبل أن نخوض في نظرية سيد قطب الجهادية نرد على المتوثبين للدفع بأن سيد قطب لم يكن يمثل الأخوان تمثيلا صحيحا فنقول أن هذا الفكر هو فكر ثلاثي الأبعاد يلتقي فيها سيد قطب مع غيره من المنتمين إلى هذه الجماعات وليس هناك فارق كبير بين هذا وذاك.
- النظر إلى المجتمع نظرة احتقار و ازدراء و تكفير تستثني المجموعة إياها وإن اختلفت المصطلحات حيث لا يوجد من الأصل مرجعية فقهية ولا فكرية يعتمد عليها هؤلاء وما تركه مؤسس الجماعة من أفكار لا تعدو كونها مجموعة من القصاصات التي لا يمكن الادعاء إطلاقا بأنها تمثل مرجعية من أي نوع إلا على سبيل الفجور أو المماحكة.
- الدعوة إلى إنشاء الأمة الإسلامية من جديد و الانضمام إلى الجماعة التنظيم (الأخوان- الجماعة الإسلامية_ الجهاد- التكفير و الهجرة) التي ستشكل النواة الصلبة للأمة الإسلامية في طورها الجديد.
- البيعة على السمع و الطاعة لقائد الجماعة التنظيم إمام الأمة المزيف (حسن البنا- الهضيبي- مشهور- شكري مصطفى- عمر عبد الرحمن).
النظرية القطبية الجهادية:
وقع منظرو تلك الجماعات بدءا من إمامهم الملهم الشهيد في مأزق فكري خطير دفعهم إليه الرغبة الملحة في تأديب مخالفيهم ممن يقفون في وجه الجماعة و يمتنعون عن تطبيق الشريعة الإسلامية حيث استند هؤلاء إلى آيات الجهاد التي تحض على قتال المشركين و أعداء الأمة من المخالفين في الدين الذين يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا، فكيف نجحوا في صرف هذا الاستدلال إلى جواز قتل المسلمين و قتالهم؟؟ و حتى لو نجح هؤلاء في تكفير الحكام فكيف يمكنهم تكفير العساكر الغلابة الذين يحرسون مؤسسة أو بنكا و بأي منطق يجوز قتل هؤلاء؟؟.
من هنا فإن التنظير لقضية التغيير و الإصلاح داخل المجتمعات الإسلامية الذي هو ضرورة حيوية تستلزم الرجوع إلى مصدر مختلف عن المصدر الفقهي و الشرعي الذي نرجع إليه لتحديد طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلامية و أعدائها في الدين و هو ما ورد في سورة التوبة و أغلب سور الجهاد في كتاب الله العزيز.
من هنا تبدو غرابة و شذوذ الاستدلال على جواز قتل النقراشي بأن رسول الله صلى الله عليه و آله أرسل من قتل كعب الأشراف الذي كان يجهز لحرب جديدة ضد الإسلام والمسلمين وإنشاء تحالف مشابه لتحالف الأحزاب الذي حاصر المسلمين وألحق بهم بالغ الضرر فما هو وجه الاستدلال بتلك الواقعة على حق الأخوان المسلمين في رفع السلاح في وجه مخالفيهم وسفك دمائهم مثلما استدل ذلك الأحمق المسمى محمود الصباغ[2].
إن حق الأمة في الديمقراطية والشورى هو حق ثابت وأصيل لا يستلزم بالضرورة رفع السلاح في وجه الطبقة الحاكمة وإنما يستلزم إيجاد قوى سياسية قادرة على ممارسة الديمقراطية والتعددية والدفاع عن معتقداتها السياسية و الأيديولوجية وخوض المعارك الفكرية والسياسية و إيجاد القيادات السياسية والفكرية معلومة الفكر والتاريخ الشخصي والأخلاقي لا تلك القيادات التي تنبغ وتتألق بفضل قدرتها على العيش في الظلام وممارسة التآمر التنظيمي والتملق الشخصي الذي يطلقون عليه السمع و الطاعة فضلا عن قدرتها على الإطاحة بأصحاب الكفاءة ممن يعترضون طريقها وعندما تتكون هذه القوى السياسية التي تربت على الحرية وعلى حب الحق و لو أدى ذلك إلى الاستشهاد في سبيل الله وتنطلق في باحة المجتمع وسط النور وبعيدا عن الكواليس المغلقة لتعرض فكرها وتدافع عن رأيها و عن حق تلك المجتمعات في الحرية والعدالة و الشورى وتعترضها القوى التسلطية يصبح من حق المجتمع كل المجتمع أن يدافع عن حريته وكرامته ويصبح استخدام القوة في حدها الضروري الأدنى حالة استثنائية أملتها الضرورات الواقعية الملحة بل و الشريعة الإسلامية والوضعية لا شهوة الانتقام ولا الرغبة الملحة في التنكيل بالخصوم والزئير في وسط الساحة ها ها من يبارزني!!!؟؟
انطلق سيد قطب من تلك الخلفية التكفيرية يعرض لنا فقهه الجهادي حيث كتب فصلا بعنوان (الجهاد في سبيل الله) ناقلا عن ابن القيم “فصل في ترتيب هديه مع الكفار و المنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل” فهل كانت مجتمعاتنا مجتمعات كافرة حتى يستدل ذلك الفقيه على شرعية جهاده ضدها بهذا العنوان؟.
نعم هي من وجهة نظره كافرة بعدما نعتها سابقا بالجاهلية المعاصرة ص 62، ثم إن هذا (الفقيه الكبير) يعطي ما يسميه بالحركة الإسلامية أي جماعة الأخوان نفس الصلاحيات التي كانت لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في مراحل الدعوة المختلفة في مواجهة كفار قريش و كفار جزيرة العرب و دولتي الفرس و الروم.
ومن هنا ولكي نفهم جيدا ما قاله (قطب) نحدد تقسيمه وتصنيفه لساحة الصراع الفكري و العقائدي والسياسي المتواجدة على الساحة.
- الإسلام و تمثله جماعة الأخوان أو تنظيم سيد قطب الذي نشأ من حوله وكلهم يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك.
- الكفر الذي تمثله الدولة المعاصرة والمجتمع الجاهلي الذي هو كل من عدا جماعة سيد قطب.
لقد جهزت معداتي لدراسة فقه الرجل الجهادي مستعينا بكتب الفقه والتفسير وقلت لعلنا نجد مادة فقهية تستدعي البحث والرد والتفنيد فلم نجد شيئا سوى خطبا حماسية في فن التكفير والقتل والسحل فلا وجه من الأصل لاستدلاله بما أورده ابن القيم عن تسلسل أحكام الجهاد في سبيل الله ولا أثر على الإطلاق ولا معنى لمناقشة الناسخ والمنسوخ بالنسبة لرؤيته في جهاد المجتمعات الإسلامية بعد تكفيرها والحكم بجاهليتها.
الخلاف الفقهي حول آية السيف وهل نسخت ما سبقها أو لم تنسخ لا مكان له منذ البدء وما يتحتم مناقشته مع الرجل والمعجبين بفكره المريض (هل هذه مجتمعات كافرة يجب استخدام السيف في مواجهتها أم هي مجتمعات إسلامية مصونة الدم والمال والعرض وإن ضلت أو انحرفت) و لا أعتقد أن أحدا من أنصار الرجل المعاصرين وعبدة الأسطورة القطبية الكاذبة والمتجرين بالقرب منه والحديث عنه وعن كراماته المزعومة بوسعه الجهر بهذه السخافات أو الدفاع عنها فماذا قال الرجل؟؟.
قلنا من قبل أن سيد قطب يختلف عمن سبقوه بنفسه الكلامي الطويل الممطوط لا البلاغي ومن هنا فقد بز الرجل السابقين بإخراجه لأفكارهم البالية في تلك الصياغة العاطفية التي تؤثر في قلوب مريضة أو عقول تافهة ومن هنا كان تقريره لضرورة إنشاء التنظيم الذي هو النواة الصلبة للمجتمع الإسلامي الجديد الذي كان مقررا أن ينشأ على يديه فيقول تحت عنوان (نشأة المجتمع المسلم و خصائصه):
(ومن أجل أن الجاهلية لا تتمثل في نظرية مجردة لكن تتمثل في تجمع حركي فإن محاولة إلغاء هذه الجاهلية ورد الناس إلى الله مرة أخرى لا بد لهذه المحاولة أن تتمثل في تجمع عضوي حركي أقوى في قواعده النظرية و التنظيمية وفي روابطه وعلاقاته ووشائجه من ذلك المجتمع الجاهلي القائم).
ص-54 فصل (نشأة المجتمع المسلم و خصائصه).
(والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام على مدار التاريخ البشري هي قاعدة شهادة أن لا إله إلا الله أي إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية إفراده بها اعتقادا في الضمير و عبادة في الشرائع وشريعة في واقع الحياة فشهادة أن لا إله إلا الله لا توجد فعلا ولا تعتبر موجودة شرعا إلا في هذه الصورة المتكاملة التي تعطيها وجودا حقيقيا يقوم عليه اعتبار قائلها مسلما أو غير مسلم) ص-55 الفصل نفسه.
ياللهول وياللهول إنها حقا كارثة و القوم كلهم يفكرون بطريقة واحدة على طريقة ذلك الأحمق الذي أفتى بأن قتل النقراشي (فرض عين على كل مسلم و مسلمة)، لقد كنت أتخيل قبل بدء دراستي لسيد قطب أنني سأقف أمام (عقاد أو طه حسين الأخوان) فإذا بي أمام ركاكة ما بعدها ركاكة تشهد بها الفقرة السابقة التي أوردناها بتمامها و من الواضح أن هؤلاء الناس لا يفكرون بعقولهم بل بطرف ألسنتهم و كل همهم هو التناغم مع الحالة التكفيرية السائدة و المزايدة عليها و الدليل على ذلك هو ذلك الكلام السفيه الذي أورده صاحبنا من أن (شهادة لا إله إلا الله لا تعتبر موجودة شرعا إلا) و هو اختراع قطبي يضاهئون به قول الخوارج من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون و هذا الإدعاء الفاجر غير المسبوق من تعليق الحكم بقبول إعلان الشهادتين على (إثبات وجودها فعلا أو شرعا) ما هو إلا مزايدة من الخوارج الآخرين على الخوارج الأولين حيث لم يدعى أحد من المسلمين على اختلاف مذاهبهم هذا الإدعاء إلا سيد قطب.
و متى كان الشرع أي الفقه أي الأحكام الدينية الكلية أو الجزئية حاكمة على العقيدة التي محلها القلب و هل يمكن إيجاز ذلك المنطق الفاجر الأخرق سوى في كلمة واحدة هي (عقلية الخوارج) أبعدهم الله و لا قرب محلهم فهم وحدهم الذين جعلوا من الشريعة حاكمة على العقيدة و هم وحدهم الذي قالوا بكفر صاحب الكبيرة يعني بلغة سيد قطب (أن شهادة لا إله إلا الله لا توجد فعلا و لا تعتبر موجودة شرعا إلا في هذه الصورة المتكاملة التي تعطيها وجودا جديا حقيقيا يقوم عليه اعتبار قائلها مسلما أو غير مسلم).
وهناك سؤال إضافي من هو صاحب الحق في اعتبار قائلها مسلما أو غير مسلم أنت أم من؟؟
ثم يخرج علينا سيد قطب بنظرية ثالثة مثل نظريات الأخ العقيد وهي ضرورة التفريق بين (المسلمين نظريا) و(المسلمين عمليا) ولا شك أن هذه الأطروحة كانت من أحدث ما أنتجته معامل التكفير المعاصر فماذا قال الرجل.
(ولكن الإسلام كما قلنا لم يكن يملك أن يتمثل في نظرية مجردة يعتنقها من يعتنقها اعتقادا و يزاولها عبادة ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفرادا ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعلا فإن وجودهم على هذا النحو مهما كثر عددهم لا يمكن أن يؤدي إلى (وجود فعلي) للإسلام لأن الأفراد (المسلمين نظريا)- و القوسين من عنده- الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء و الامتداد و سيعطونه كفاياتهم و خبراتهم و نشاطهم ليحيا بها و يقوى بدلا من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي و من ثم لم يكن بد أن تتمثل القاعدة النظرية للإسلام في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى و أن يكون محور التجمع الجديد هو القيادة الجديدة المتمثلة في رسول الله ص و من بعده في كل قيادة إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية الله وحده و أن يخلع كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولاءه من التجمع الحركي الجاهلي الذي جاء منه و من قيادة ذلك التجمع في أي صورة كانت و أن يحصر ولاءه في التجمع العضوي الإسلامي الجديد و في قيادته المسلمة) ص 55-57.
وهنا يبرز سؤال تلقائي عن نظرة تلاميذ الشهيد للمجتمع وللناس من حولهم وهي نظرة تتجاوز الحكايات البريئة والساذجة عن أن سيد قطب كان يدعو إلى الحاكمية الإلهية وأن الذين تتلمذوا على يديه الشريفتين لم يفهموا هذا الكلام على وجهه الصحيح وكأنه كان يكتب قرآنا يحتاج إلى مفسرين وعلماء متخصصين، فأي شئ نطلقه على هذه الكلمات سوى أنها تأسيس للاستحلال والخيانة والغدر وهدم المجتمع المسلم الذي يزعم فضيلته أنه يريد بناءه وأين هو سوء الفهم الذي وقع فيه تلاميذه عندما ترجموا هذا الكلام إلى هروب من المجتمع وخيانات واستحلال و غدر حسبما استطاعوا وقدر ما توفر لهم.
ألم يكن كل هذا ترجمة لخطبته العصماء عن ضرورة تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي مكانه و الالتفاف حول كل قيادة إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية الله و لو كانت هذه القيادة هي سيد قطب أو شكري مصطفى أو عمر عبد الرحمن و عن حتمية عدم إمداد هذا المجتمع بالخبرات الفذة لتلاميذ الشهيد أليست هذه هي المقدمة الطبيعية و المنطقية لفقه التكفير والاستحلال الذي أسسه سيد قطب.
نمضي مع الفقيه الكبير في ثورته العارمة على الذين يقولون (أن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع واصفا إياهم بالمهزومين روحيا و عقليا تحت ضغط الواقع البائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان ويحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلا بتخليه عن منهجه و هو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعا و تعبيد الناس لله وحده و إخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد بالتخلية بينهم و بين هذه العقيدة بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية و تعلن استسلامها و التخلية بين جماهيرها و هذه العقيدة تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها) ص 65- الجهاد في سبيل الله.
ثم يواصل سيد قطب مهرجانه الخطابي الذي انتهى بإشعال عدد هائل من الحرائق في عالمنا الإسلامي المنكوب به و بالمصلحين من أمثاله فضلا عن حكامه فيقول (إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور ذلك أن الحكم الذي مرد الأمر فيه للبشر ومصدر السلطات فيه هم البشر هو تأليه للبشر يجعل بعضهم لبعض أربابا من دون الله إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب و رده إلى الله إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض) ص 67.
(إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلانا جادا يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه).
(إن الانطلاق بالمذهب الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة و نظام المجتمع و أوضاع البيئة و هذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة كي يخلو له وجه الأفراد من الناس يخاطب ضمائرهم و أفكارهم بعد أن يحررها من الأغلال المادية و يترك لهم بعد ذلك حرية الاختيار) ص 85.
انتهت المقتطفات التي نقلناها بنصها من المهرجان الخطابي الحاشد الذي أقامه سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) بعدما أعلن أن الإسلام المتمثل في جماعته سينطلق ليحطم سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة بالقوة ولا أدري لماذا أراد الرجل تحطيم أوضاع البيئة هي الأخرى هل تعثر فيها أثناء محاولته تحطيم سلطة الدولة و نظام المجتمع مع أن العالم الآن يبدي اهتماما متزايدا بقضية البيئة!!!! أم أن الرجل أراد أن يزيد من حجم الفرقعة التي يحدثها كلامه الساخن و أن يمط الجملة فأضاف أوضاع البيئة إلى قائمة أعدائه؟.
المهم أن الرجل بعد كل هذا لم يحطم سلطة الدولة بل أسهم من حيث أراد أو لم يرد في زيادة شراستها وعدوانيتها ضد كل من يتحدث عن الإسلام والدين وحطم نفسه وحطم كل من سار على دربه وحطم أوضاع البيئة وفاته أن يسأل نفسه وهو العالم الكبير والفيلسوف العظيم ما الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر والكفر الذي يريد سماحته الانطلاق منها لكي يحطم كل الأشياء التي ذكرها ثم يعيد الإسلام إلى الوجود من جديد؟؟.
ألم يقم المسلمون الأوائل الذين وصفهم في نفس الكتاب بأنهم جيل قرآني فريد بكل هذه المهام؟.
أسلموا ودعوا وانطلقوا وحطموا وأقاموا مملكة الله في الأرض فما الذي أعاد ريما لعادتها القديمة؟؟.
هل كان التسلل الماكر للفلسفات الإغريقية والرومانية واليونانية هو السبب وراء تلك الردة أم أنها العولمة في ثوبها المعاصر أو القديم هي المسئولة و ما الذي يمنع تلك العوامل من اجتياح منجزات سيد قطب و جماعته المعاصرة؟؟.
سيد قطب يقلب الطاولة على الجميع.
حدثنا بعض من عاصر تلك المرحلة المبكرة من عمر الثورة 1952-1954 (و الأسماء عندنا) أن سيد قطب كان من رجالات عبد الناصر المقربين لا من رجالات الأخوان، إنه رجل التعليم “الأديب” الذي كتب وثيقة (هيئة التحرير) ويعرف هؤلاء أيضا أن انقلاب سيد قطب على حليفه وصديقه عبد الناصر جاء بعد ما عجز عن الوفاء بوعده له بتعيينه وزيرا للمعارف في حكومته و هكذا قرر سيد قطب أن يحرق الأرض من تحت أقدام عبد الناصر وأن ينضم إلى خصومه الأخوانيين في ذروة صدامهم مع صديق الأمس.
يقول سيد قطب في شهادته المسماة (لماذا أعدموني):
(استغرقت في العمل مع رجال ثورة 23 يوليو حتى فبراير سنة 1953 عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير ومنهج تكوينها وحول مسائل أخرى جارية في ذلك الحين لا داعي لتفصيلها.. وفي الوقت نفسه كانت علاقاتي بجماعة الإخوان تتوثق باعتبارها في نظري حقلاً صالحاً للعمل للإسلام على نطاق واسع في المنطقة كلها بحركة إحياء وبعث شاملة، وهي الحركة التي ليس لها في نظري بديل يكافئها للوقوف في وجه المخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية التي كنت قد عرفت عنها الكثير خاصة فترة وجودي في أمريكا وكانت نتيجة هذه الظروف مجتمعة انضمامي بالفعل سنة 1953 إلى جماعة الإخوان المسلمين. ثم كانت حوادث 1954 فاعتقلت مع من اعتقلوا في يناير وأفرج عنهم في مارس! ثم اعتقلت بعد حادث المنشية في 26 أكتوبر، واتهمت بأني في الجهاز السري ورئيس لقسم المنشورات به، ولم يكن شيء من هذا كله صحيحاً).
المهم فيما يتعلق بالخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين. وكنت في ذلك الوقت ألاحظ نموه عن قرب، لأنني أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً قريباً من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم.. أقول المهم أن الأستاذ فؤاد جلال (توفي وكان وزيراً في أول وزارة برياسة الرئيس السابق محمد نجيب) كان من بين أعضاء جمعية الفلاح وكان وكيلاً للجمعية (المتهمة من قبل سيد قطب بالعمالة للأمريكان؟!). وكنت ألاحظ في مناسبات كثيرة أنه يغذي الخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين، ويضخم المخاوف منهم. ويستغل ثقة الرئيس جمال عبد الناصر به، ويبث هذه الأفكار في مناسبات كثيرة لم يكن يخفيها عني لأنه كان يراني كذلك مقرباً من رجال الثورة وموضع ثقتهم مع ترشيحهم لي لبعض المناصب الكبيرة الهامة ومع تشاورنا كذلك على المفتوح في الأحوال الجارية إذ ذاك، مثل مسائل العمال والحركات الشيوعية التخريبية بينهم بل مثل مسألة الانتقال ومدتها والدستور الذي يصدر فيها .. الخ).
(المهم أنني كنت أربط بين خطة الأستاذ فؤاد وجمعية الفلاح كمنظمة أمريكية الاتجاه والاتصال وبين إشعال الخلاف بين الثورة والإخوان، وقد حاولت في وقتها ما أمكن منع التصادم الذي كنت المح بوادره، ولكني عجزت، وتغلب الاتجاه الآخر في النهاية.
ولكن ما علاقة هذه المقدمة الطويلة بحادث المنشية؟ والقضية الجديدة؟ منذ أن وقع هذا الحادث وأنا أشك في تدبيره لم أكن أعلم شيئاً يقينياً عن ذلك. ولكن كل الظروف المحيطة كانت تجعلني أشك في أنه ليس طبيعياً. كان شيء ما يلح على تفكيري في أنه مدبر لتكملة الخطة التي تنتهي بالتصادم الضخم بين الثورة والإخوان تحقيقاً لأهداف أجنبية .. أرجح من استقراء الأحوال ومن خطة الأستاذ فؤاد جلال وكيل جمعية الفلاح أنها أمريكية! وعندما كان السيد صلاح دسوقي يستجوبني هنا في السجن الحربي عام 1954 صارحته برأيي في تدبير الحادث.. وقد انتفض وقتها بشدة وهو يقول لي: هل أنت كذلك بكل ثقافتك من الذين يقولون أنها تمثيلية؟ وقلت له: أنا لا أقول أنها تمثيلية ولكني أقول أنها مدبرة لهدف معين وأن أصبعا أجنبياً ذات دخل فيها.. قال لي وقتها وقد هدأ اضطرابه: جايز! ولكن واحداً من الإخوان المسلمين هو الذي قام بالحادث! ثم أعود لسرد الأحداث المتعلقة بنشاطي بعد عام 1954 أن شعوري وتقديري بأن حادث المنشية مدبر تدبيراً، جعل يملأ نفسي رغبة في معرفة الحقيقة غير أنني لم أجد أحداً ممن التقيت بهم في سجن طره عام 1955 وكانوا كثيرين قبل ترحيلهم إلى الواحات يدلني على هذه الحقيقة .. كل من سألتهم ومنهم ناس قريبون جداً من محمود عبد اللطيف الذي انطلقت الرصاصات من مسدسه ومن هنداوي دوير كذلك قالوا لي: المسالة غامضة وموش عارفين الحكاية دي حصلت ازاي. وبعضهم قال: المسألة فيها سر لا يمكن الآن معرفته .. وكانت كل الأجوبة لا تملك أن تعطيني الحقيقة ..
غير أن هذا كله كان يزيد نفسي شعوراً من ناحية أخرى بأن السياسة المخططة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققت بنجاح .. وأنه في الوقت ذاته لابد من محاولة الرد على تلك المخططات بإعادة حياة ونشاط الحركة الإسلامية حتى ولو كانت الدولة لسبب أو أكثر لا تريد. فالدولة تخطئ وتصيب!)[3].
من البديهي أن الصدام بين الدولة والإخوان وغير الإخوان لا يصب في مصلحة أي من الفريقين وكان من الضروري التدبر والتأمل في أسباب الصدام وموجباته قبل أن يحدث وقبل أن تقع الفأس في الرأس كما يقولون.
أما وقد وقع الصدام فقد أصبح لزاما أن يراجع كل فريق أعماله ويتحمل المسئولية عن تصرفاته بدلا من إلقاء العبء على الآخرين. اتهى النقل.
كان من المتعين على سيد قطب أن يتأكد من رفاق السلاح عمن قام بمحاولة الاغتيال الفاشلة في ميدان المنشية بدلا من إلقاء اللوم على الصهاينة والأمريكان وعدم استخلاص الدروس من التجربة الفاشلة والإصرار رغم ذلك على مواصلة السير في طريق الويل والثبور!!.
المهم أن سيد قطب عندما سأل إخوانه المسلمين داخل السجون عن حقيقة حادثة المنشية ومحاولة اغتيال رفيق السلاح والإخوان السابق جمال عبد الناصر كان الجواب هو لا نعلم ولا نعرف وأبدى القوم اندهاشهم!!.
هذا هو فكر الإخوان وهذه أقوال واعترافات أهم رموزهم ومفكريهم.
عن أي مشروع فكري يتحدث (المعجبون) بعد أن عبث هؤلاء بوجودنا وما كان لدينا من فكر حيث لم يكلف أحد نفسه أن يقوم بحصر ما ألحقته هذه الجماعة من أضرار بأمة لا إله إلا الله وآخرها مهرجان الدمار الكبير الذي أقامته هذه الجماعة الآبقة في سوريا.
لا نملك إلا نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
دكتور أحمد راسم النفيس
المنصورة مصر
26/12/2016
الإثنين، 27 ربيع الأول، 1438
[1] انظر كتابنا: الإخوان المسلمون شعب الله المختار. دار أوراق القاهرة 2013
[2] الإخوان المسلمون شعب الله المختار. أحمد راسم النفيس.
[3] لماذا أعدموني. سيد قطب. http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=18&book=486