دراسات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المهدوية والإنسان الآتي… رجال نهاية التاريخ

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المهدوية والإنسان الآتي… رجال نهاية التاريخ

 

يقول تعالى في محكم كتابه: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[1].

يقول الراغب الأصفهاني في غريب القرآن: شطء الزرع: فروخ الزرع، وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه، وجمعه: أشطاء قال تعالى: {كزرع أخرج شطأه}، أي: فراخه.

ويقول سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[2].

الذي نعتقده أن (المعية) الواردة في آية سورة الفتح هي معية الإيمان والأفعال والخصال ولا يمكن أن تكون قاصرة على (معية) الزمان والمكان رغم أن البعض يحاول أن يصور القضية وكأنها قاصرة على جيل الصحابة الذين عايشوا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله منذ مبعثه وحتى ارتحاله عن هذه الدنيا.

الآية الكريمة لا تتحدث عن معية زمانية ومكانية ظرفية ولكنها تتحدث عن صفات وخصائص جامعة مانعة لا بد أن يتحلى بها من يستحقون المعية (أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ومن ثم يخرج من هذه المعية من تحلى بالصفة المضادة (أشداء على المؤمنين رحماء بالكفار) كهؤلاء الذين لم يتورعوا عن إشعال نيران الفتن بين المسلمين وتسببوا عن عمد في إزهاق أرواح الآلاف من أصحاب الدماء المعصومة التي حرمها الله إلا بالحق كما فعل قادة الانحراف والفتنة يوم الجمل وصفين والنهروان رغم أنهم كانوا ممن حظي بالمعية الزمانية والمكانية ويدخل في هذه المعية من لم يسعده الحظ بمعية الزمان والمكان ولكنه فاز بمعية المبدأ والروح!!.

ما نستخلصه أيضا من هذه الآية الكريمة هو ذلك التتابع والتلاحق الزمني لمن استحقوا شرف المعية المحمدية شأنهم شأن الأشجار الباسقة التي يمتد عطاؤها ويقوى ويتكاثر فتؤتي أكلها (كل حين بإذن ربها) كما في آية سورة إبراهيم إلا أن هذا العطاء المتكرر لا بد أن يصل يوما إلى التكامل وإلى القمة وإلى القيام بالمهمة الكبرى التي هُيئ لها هذا الصنف المنتقى من المؤمنين سلالة الشجرة الطاهرة الطيبة ذات الأصل الراسخ والأفرع الممتدة إلى عنان السماء.

يأتي أحد أصحاب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إليه بعد انتهاء حرب الجمل قائلا: وددت أن أخي فلاناً معك شاهداً ليرى ما نصرك الله به على أعدائك، فيسأله الإمام: أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا؟.

قال: نَعَم. قالَ: فَقَدْ شَهِدنَا، وَلَقَدْ شَهِدَنَا في عَسْكَرِنَا هذَا أَقْوَامٌ في أَصْلاَبِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعُفُ بِهِمُ الزَّمَانُ[3]، ويَقْوَى بِهِمُ الاِْيمَانُ.
المعية التي ترقى إلى مرتبة الشهود الروحي حتى وإن غاب الجسد عن المكان هي معية القلب والروح وعشق الحق وأهله رغم أن الكثير من المنافقين كانوا حاضرين بالجسد لا بالروح مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في نفس الزمان والمكان لأن قلوبهم كانت عالقة في فخاخ الشيطان, متعلقة بوعوده وأمانيه الكاذبة (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)[4].

الحديث إذا عن الظهور المهدوي لا ينفصل عن الحديث عن (الإنسان الآتي) أو رجال المرحلة الذين ظلوا مخبوئين مذخورين منذ أربعة عشر قرن في أصلاب الرجال وقرارات النساء في انتظار أن يرعف بهم الزمان ليقوى بهم الإيمان.

إنهم رجال ذوو مواصفات خاصة وها قد رأينا الآن بأم أعيننا طلائعهم وهم يسطرون الملاحم ويغيرون موازين القوى ويجبرون العالم على إعادة النظر في خططه واستراتيجياته.

إنهم يشكلون فريق العمل المحيط بالحجة صاحب الأمر والزمان وهم هم من وصفهم الإمام علي بن أبي طالب ع في كلماته النورانية التي خص بها تلميذه كميل بن زياد النخعي:

وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْـمَحَلِّ الاَْعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ!.

كيف تربى الإنسان الآتي أو رجال نهاية التاريخ؟!

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاَْقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ. أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً.

امتلأت الساحة من حولنا (بدعاة) ينعقون بالباطل ويميلون مع الريح أينما مالت ويزعمون أنهم رافعوا راية الإسلام والمدافعون عنه ممن ينطبق عليهم وصف الإمام علي بن أبي طالب:

أَوْ (مَنْهُوماً بِالَّملذَّات، سَلِسَ الْانقِيَادِ للشَّهْوَات، أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالاِْدِّخَار، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْء، أَقْرَبُ شَيْء شَبَهاً بِالاَْنَعَامُ السَّائِمَةُ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ).

ولا شك أن هذا الصنف من البشر لا قدرة له على النزال والمواجهة فهو من الأساس لم يخلق لها وهو لم يكن يوما ما صاحب قضية وليس لديه قدرة ولا رغبة في إنصاف المظلوم من ظالمه خاصة إن كان هذا يتطلب دفع ثمن أو التضحية بالنفس أو المال أو رغد العيش وما أكثر هؤلاء ممن لا يختلف حالهم عن تماثيل الشمع والخشب المسندة الذين يحسبون كل صيحة عليهم!!.

إنهم أصحاب وظيفة دنيوية يؤدونها من خلال التشدق بالمصطلحات الدينية ويحصلون على مقابلها الدنيوي (مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً)[5].

إنهم لم يكونوا يوما أصحاب قضية من أي نوع فما بالك إن كانت هذه القضية هي الاصطفاف خلف الإمام المهدي ومواجهة الدنيا بأسرها من أجل تحقيق العدالة الإلهية!!.

لو كان هؤلاء ممن يفكرون في أي نوع من المواجهة لكان حريا بهم أن يطالبوا بشيء من العدل والإنصاف لا أن يبيعوا دينهم بهذا الثمن البخس الذي طالما بيعت به الأديان والمبادئ ولولا هذا لتهاوت عروش الطغيان والظلم من قديم الأزل.

نحن إذا أمام حقيقة يتعين علينا أن نعرفها وننتبه لها وهي أن الإنسان الفرد هو الركيزة الأساس في صنع الواقع ورسم ملامح المجتمع وتقرير ما إذا كان الظلم أو العدل هو القانون الحاكم هذا المجتمع أو ذاك لأن إقامة العدل تحتاج إلى تكاتف النخب خاصة تلك المشتغلة بالدين وقيامها بالتصدي للظلم والظالمين والتضحية بالمال والنفس إذا لزم الأمر من أجل تحقيق هذا الهدف.

الليبرالية وإنسان نهاية التاريخ

رغم الأهمية الكبرى للدور الذي تقوم به النظم الحاكمة في صوغ الإنسان وتشكيله إلا أن اعتماد نظرية (الإنسان الآتي) تعيد إلى الإنسان الفرد اعتباره ودوره وقدرته على صوغ النظام السياسي مقابل الرؤية الليبرالية التي ترى أن النظام (يصنع إنسانا جديدا ومتميزا) حينما يمنحه الفرصة من خلال تحقيق المساواة وحرية اختيار أي نهج يراه!!.

يتحدث فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) عن (الرغبة في نيل الاعتراف والتقدير وأن هذه الرغبة تشكل جانبا هاما من الشخصية الإنسانية وقد جاء أول وصف لها في جمهورية أفلاطون عندما أشار إلى أن للروح ثلاث قوى هي الشهوة والعقل والثيموس أو الهمة والشجاعة وأن الرغبة في الاعتراف أو عزة النفس تنشأ من هذا الثيموس وهو أشبه بحس فطري بالعدالة فالناس تعتقد أن لها قدرا معينا فإن عاملهم الآخرون بصورة أقل مما يعتقدون غلب عليهم الغضب).

يتحدث فوكوياما أيضا عن نهاية لمسار التاريخ بتحقق الديموقراطية الليبرالية الرأسمالية وعن إشباع للرغبة والثيموس من خلال المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تحقق المساواة بين الناس وتضمن لهم الحقوق الأساسية وصولا (لحقهم) في اختيار المثلية الجنسية وتقود في النهاية ربما للمطالبة بإلغاء التفرقة بين البشر وغير البشر حيث ينمحي التمايز بين ما هو بشري وما هو غير بشري!!.

ربما يمكننا القول أن الليبرالية في المحصلة النهائية لا تعدو كونها طريقة ومنهجا لإدارة أفراد المجتمع تقوم على منح كل فرد منهم (حقوقه المفترضة) إلا أنها في النهاية لا تسعى بالكيان الجمعي للأمة نحو تحقيق مجموعة من الأهداف الأخلاقية العليا.

الليبرالية هي طريقة في الحكم وإدارة المجتمع تزعم وتدعي أنها تمنح الإنسان حرية اختيار القيم التي يؤمن بها وهو ادعاء لا يمكن التسليم به هكذا من دون قيد أو شرط إذا أنها في النهاية تتبنى القيم السائدة أو الموروثة في مجتمع ما بعجرها وبجرها!!.

من ناحية أخرى فالرؤية الإسلامية للبناء المجتمعي تعتمد على الدور الذي اضطلعت به تلك النخب التي انحازت للقيم الإلهية انحيازا حرا بكامل إرادتها وقدمت من أجل الحفاظ على هذه القيم والمبادئ أعظم التضحيات منذ أن كان هناك (أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر).

ولكي تتضح الصورة أكثر نقول أن (الدولة الإسلامية التاريخية) سعت ولا زال ورثتها يسعون لتكريس وفرض مجموعة من القيم باسم الدين اختلط فيها الحق والباطل والانتهازية النفعية ببعض الشعارات الإسلامية البراقة.

ولأن الأمر كله جرى عن طريق الفرض والإكراه لا عن قناعة ولم ينجم عن حرية اختيار كان من الطبيعي ألا يصمد حاملو هذه المنظومة طويلا في مواجهة التحديات الجسام التي اعترضتهم من الداخل أو من الخارج.

مرة أخرى نقول أن النماذج التاريخية السابقة بما فيها النموذج الليبرالي تقوم على مبدأ أن (النظام يصنع ويشكل إنسانا سواء كان إنسانا بدائيا أو إنسان نهاية التاريخ) وهو ما لا نرفضه بالكلية لكننا نضيف إليه أن الإنسان بوسعه أن يصنع نظاما ولكن هذا الإنسان وبكل تأكيد ليس إنسانا عاديا بل هو (الإنسان الآتي) أو إنسان نهاية التاريخ أو (رجال الله) المنضوون تحت راية صاحب الزمان والممهدون لقدومه.

لو تأملنا تاريخ الديانات السماوية لأدركنا بسهولة الدور البارز الذي حمله على عاتقه الإنسان المؤمن الزاهد المتجرد المصطف وراء الأنبياء والمرسلين والأئمة في إعادة تشكيل صورة العالم رغم أن الغرب أنفق وما زال ينفق مليارات الدولارات من أجل إشعال ثورات ليبرالية برتقالية وزرقاء وخضراء ما تلبث أن تهزم وتنتكس عند أول صدمة يتلقاها هؤلاء المدللون المترفون الراقدون بين الملذات والشهوات.

أما إذا قرأنا الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في صفات (الإنسان الآتي أو رجال الله) لوجدنا عجبا لم يكن أحد ليصدقه يوم أن ذكرت هذه الروايات ولكنه الآن أضحى حقيقة لا خيالا!!.

الخصال: ج 2 ص 541 ح 14 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة الكوفي عن العباس بن عامر القصباني، عن ربيع بن محمد المسلي، عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: إذا قام قائمنا، أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا، ويكونون حكام الارض وسنامها).

ويقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: … فيأمر الله عز وجل جبريل عليه السلام فيصيح على سور مسجد دمشق: ألا قد جاءكم الغوث ياأمة محمد، قد جاءكم الغوث يا أمة محمد، قد جاءكم الفرج، وهو المهدي عليه السلام خارج من مكة فأجيبوه. ثم قال عليه السلام: ألا أصفه لكم، ألا وإن الدهر فينا قسمت حدوده، ولنا أخذت عهوده، وإلينا ترد شهوده، ألا وإن أهل حرم الله عز وجل سيطلبون لنا بالفضل، من عرف عودتنا فهو مشاهدنا، ألا فهو أشبه خلق الله عز وجل برسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه على اسمه، واسم أبيه على اسم أبيه، من ولد فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسين. ألا فمن توالى غيره لعنه الله.

ثم قال عليه السلام: فيجمع الله عز وجل أصحابه على عدد أهل بدر، وعلى عدد أصحاب طالوت، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، كأنهم ليوث خرجوا من غابة قلوبهم مثل زبر الحديد، لو هموا بإزالة الجبال لأزالوها عن موضعها، الزي واحد واللباس واحد، كأنما آباؤهم أب واحد.

إنه نفس المعنى الوارد في الآية الخامسة من سورة الإسراء (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً) ولا شك أن البأس المشار إليه في هذه الآية الكريمة لا يقتصر على القوة الجسدية بل يتخطاه لامتلاك القوة بمعناها العصري الشامل والأهم من هذا امتلاك العزم وقوة الإرادة التي تعينهم على مواجهة التحديات الكبرى وهو ما سنشير إليه في الفقرات القادمة من هذا البحث.

شريعتي والذات المسلمة

للوهلة الأولى تبدو الرؤية الليبرالية وكأنها نظرية عابرة للحضارات والأديان حيث رأينا كيف يحرص الكثير من الكتاب والمفكرين على أن يسبقوا أسماءهم أو يلحقوها بلقب (ليبرالي) في حين أن هذه الرؤية تعيد الإنسان إلى مرحلة ما قبل التعرف إلى الدين وتجعله حرا في اختراع ما يحلو له من قيم والمهم أن تكون قيما ليبرالية وهي من ناحية أخرى تضع لنا برنامجا يتطابق مع مسار التطور الحضاري الغربي الذي لم يحقق انطلاقته إلا بعد أن قام بفك الارتباط بين التطور الحضاري والسياسي والالتزام الديني الكنسي.

البشرية كانت ولا زالت بحاجة للارتباط بمجموعة من القيم والمثل العليا التي لا يمكن مصادرتها أو حتى فرضها من مؤسسة دينية يمكن لها أن تسيس أو تنحرف وهذه هي المهمة الشاقة والعسيرة الملقاة على عاتق (رجال الله الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ).

إنها مهمة (العودة إلى الذات التاريخية) التي طرحها علي شريعتي في كتابه العودة إلى الذات) تلك (الذات الموجودة بالفعل في قلب المجتمع وفي وجدانه بحيث تصبح هذه العودة منبعا للطاقة تفتت على يد مفكر وتستخرج وتحيا وتتحرك هي تلك الذات الحية وليست تلك الذات العتيقة القائمة على عظام نخرة).

(تلك الذات القائمة على أساس الإحساس العميق بالقيم الروحية والإنسانية والموجودة في نظرتنا للأمور والتي صرفنا عنها الجهل والإنقطاع عن النفس وجعلها الجذب إلى ذوات أخرى مجهولة لكنها على كل حال ذات حياة وحركة وليست كلاسيكية ميتة تتبع علم الآثار). ص48.

(فالمجتمع ليس تجمعا من أفراد بل هو مركب من عناصر فردية. وهو ليس مجموعة من الأشخاص, إنه نفس “شخص” والأفراد خلاياه. الإنسان الفرد غير الخلايا التي كونته فالإنسان له حياته وماضيه وحركته وإحساساته ومميزاته التي تتمايز عن خلايا وأعضاء جسده).

(إن معرفة أي مجتمع تعني معرفة (الإنسان الأعلى) أو بتعبير أدق (ما فوق الإنسان) وما فوق الإنسان هذا يعني المجتمع).

(العوامل التي صنعت شخصية الجماعة هي الطبيعة والعرق والاقتصاد والشكل الطبقي والنظام السياسي والدين واللغة والفن وأصول الإنتاج رغم أن أي من هذه العوامل ليس له وجود منفصل ومجرد عن بقية العوامل). ص79.

الإنسان وليد التاريخ.

يرى شريعتي أن الإنسان هو وليد التاريخ ص143 حيث يقول:

الفرد على حد تعبير شندلر “لم يتكون في فترة عمره وحسب بل في فترة تاريخه” والعمر الحقيقي لكل إنسان هو تاريخه وليس عمره الحقيقي أي سنوات حياته والعمر الحقيقي لأي إنسان هو المدة التي يصنعه التاريخ فيها, الفترة التي يودعه فيها التاريخ تراثه ومواده وخصائصه ومن هنا فالشخصية الإنسانية لكل فرد هي مجموعة الخصائص التي استمدها من تاريخه فليس الإنسان شجرة بدأت يوم ولد بل هي شجرة مدت جذورها في أعماق التاريخ تتغذى منه دائما وحتى لحظة الموت.

الضمير التاريخي

كما يؤكد شريعتي على أن الضمير التاريخي هو خصيصة من خواص الأمم المتحضرة والمحافظة على هذه الآثار وإحياؤها ومعرفتها يدل على الماضي المستمر والقرون والأجيال الدفينة ليس لها فحسب قيمة عاطفية أو فنية أو علمية ولكنها تهب التحقق لدوام تيار التاريخ والارتباط الثقافي والروح القومية والاتصال التاريخي هو الذي يحقق رباط الجيل الحالي بماضيه الذي تشكلت فيه شخصيته وقد قام الاستعمار بجهود علمية متصلة بعلم الاجتماع تدفع (أشباه المتحضرين) في الأمم الإسلامية لكي يعتبرا أن التقدمية والعصرية نقيض للتقاليد والتاريخ وتحضهم على إلغاء ماضيهم ومحو تاريخهم وتدفعهم لاعتبار الهروب من التاريخ دليلا على العصرية وتقدم الفكر. ص 150-151.

انتهى النقل

من وجهة نظرنا فإن ما نطرحه عن (الإنسان الآتي) يلتقي مع ما طرحه المفكر الكبير علي شريعتي من ضرورة العودة إلى الذات الإسلامية أو إلى منظومة القيم الإسلامية المحمدية النقية والأصيلة قبل أن يطرأ عليها الانحراف والزوير وهي القيم التي حملها ودافع عنها رجال الله الأولون الذين (صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه) شهيدا بالسيف أو شهيدا على فراشه حتى وإن مات ميتة طبيعية, لأن من (مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ مَاتَ شَهِيداً، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ، واسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَيْفِهِ، فإِنَّ لِكُلِّ شَيْء مُدَّةً وَأَجَلاً) (ومنهم من ينتظر) ويترقب وعد الله وأجله الآتي لا ريب فيه وهو دولة الحق وظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, متمسكا بدينه الحق (الذي ارتضى لهم) لا يميل مع الهوى ولا يضل ويتوه حتى وإن تاهت الدنيا بأسرها!!.

رجال الله على الساحة

المراقب لسلسلة الأحداث والمواجهات التي شهدها وسيشهدها العالم الإسلامي على امتداد رقعته بين الحق والباطل وبين النهج المحمدي العلوي الأصيل وبين التحالف الصهيوني الصليبي الوهابي يمكن له أن يلحظ تلك الطبيعة المميزة لرجال الله (الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ فِي الاْخِرَةِ الذين اتَّخَذُوا الاَْرْضَ بِسَاطاً وَتُرَابَهَا فِرَاشاً وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْقُرْآنَ شِعَاراً، وَالدُّعَاءَ دِثَاراً، ثُمَّ قَرَضوا الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ) ورغم هذه البساطة وتواضع الإمكانات فقد نجحوا في أن يفرضوا كلمتهم في الساحة الدولية وأن يهزموا أعتى القوى المتجبرة وأن يجبروها على إعادة النظر في خططها التآمرية التي انهارت وتهاوت الواحدة تلو الأخرى.

وبينما تنفق الجهات المعادية مليارات الدولارات على عملائها المكلفين بتنفيذ خططهم الإجرامية نرى أنهم عاجزون عن تحقيق أي نجاح استراتيجي يطمئنهم أو يهدئ من روعهم.

الذين تابعوا الحرب الأخيرة التي دارت عام 2006 بين إسرائيل ومقاتلي حزب الله يمكنه أن يلحظ تلك الحقيقة التي يدور هذا البحث حولها.

فمقاتلو حزب الله الذين يحيون حياة البساطة والتقشف والذين اتخذوا من الأرض بساطا وترابها فراشا وماءها طيبا وجعلوا من القرآن شعارا ومن الدعاء دثارا ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح واجهوا الآلة الإسرائيلية المترفة والمتغرطسة المسلحة بأحدث ما أنتجه الاستكبار العالمي من تقنية ونجحوا في هزيمتها وإجبارها على التراجع والتقهقر.

وكما تقول المصادر الغربية تحت عنوان مقاتلو حزب الله أذهلونا:
بينما يصارع الجيش الإسرائيلي للأسبوع الرابع على التوالي من أجل إلحاق الهزيمة بحزب الله قبل صدور قرار من الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، فإن محاربي حزب الله يسجلون انتصارات على الأرض ويصعقون القوات الإسرائيلية بمفاجآت لم تكن تخطر لهم على بال.
وتفيد صحيفة «نيويورك تايمز» أن حزب الله استطاع أن يحسن من قدرته القتالية وأن يعزز ترسانته واستراتيجياته خلال الأعوام الستة منذ الانسحاب الإسرائيلي المفاجئ من جنوب لبنان. يقول أحد الجنود الإسرائيليين العائد لتوه من لبنان: « حزب الله هو ميليشيا مدربة مثل جيش ومجهزة مثل دولة، ومقاتلوه يختلفون عن مقاتلي حماس أو المقاتلين الآخرين.
فهم مدربون ومؤهلون بدرجة عالية ومزودون بدروع واقية من الرصاص ومناظير للرؤية الليلية وأنظمة جيدة للاتصالات، وأحياناً ببزات عسكرية وذخائر إسرائيلية. لقد أخذونا جميعاً على حين غرة».
إن ما أذهل الإسرائيليين أكثر من أي شيء آخر هو الاستخدام الماهر للأسلحة من قبل مقاتلي حزب الله، وبخاصة استخدامهم للصواريخ والدروع الموجّهة بالأسلاك والليزر والتي يبلغ مداها ميلين.
حيث يقولون إن هذه الصواريخ هي التي سببت معظم الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية، ويقول قادة الدبابات الإسرائيلية في الجبهة إن صواريخ حزب الله الروسية الصنع المضادة للدبابات والمصممة لاختراق الدروع قد أعطبت أو دمرت المركبات الإسرائيلية بما فيها أحدث دباباتها المعروفة باسم الميركافا، وذلك بنسبة إصابة محققة بلغت 20%[6].

يروي العريف الاسرائيلي افياتار شاليف لصحيفة «واشنطن بوست» اللحظة التي لمح فيها مقاتلاً من «حزب الله» على مسافة قريبة منه وهو يحمل صاروخاً يستعد لإطلاقه فيقول «طلبنا طوافة قتالية، دخلنا الى المنزل، اتخذنا وضعا دفاعيا وبدأنا بالصلاة.. لا يمكن لك في هذه الحالة إلا ان تتخيل بقعة ضوء حمراء تدخل من النافذة».
تعتبر القدرة القتالية لـ«حزب الله» من أهم المفاجآت التي «اكتشفها» العدو الاسرائيلي في لبنان، في وقت يجمع ضباطه وجنوده من الذين تمكنوا من العودة أحياء من المعارك مع رجال المقاومة، على الصعوبة والمفاجآت التي يواجهونها والإحباط الذي يشعرون به.
المئات من أفراد لواء «ناحال» عادوا الى اسرائيل منهكين. وفي انتظار عودتهم مجددا الى لبنان، يروون المصاعب التي يواجهونها مع «عدو صعب»، يقرون بأنه فاجأهم بقدراته، وفي «معركة قاسية» يؤكدون بأنها طالت اكثر مما توقعوا.
و«من موقعه في إحدى القرى اللبنانية، يسمع الجندي الون جلنيك أصوات انفجارات قذائف «حزب الله» تقترب منه أكثر فأكثر. تسقط إحداها على بعد أمتار منه فيلقيه ضغطها ووميضها أرضا. يزحف وهو يرتجف الى مكان آمن مطلقاً كل الشتائم التي يعرفها؛ لم يصب بأذى لكن كلامه راح يخرج مضطربا ومتلعثما».
يقول الجندي جلنيك «ادركت اننا نقاتل جيشاً حقيقياً منظماً، هؤلاء اشخاص يعلمون جيدا ماذا يفعلون».
أما الرقيب عساف فيؤكد ان القتال ضد «حزب الله» «محبط للغاية»، ويضيف «انها لمفاجأة في كونهم يقاتلون بهذا الشكل وما زالوا صامدين، كنت اتوقع ان ينتهي الامر خلال اسبوعين».
وفي واقعة مشابهة، يقول الجندي رون ايفان «من مسافة معينة ترى ضوءاً احمر ثم وميضاً ابيض، تسمع بعدها صوت القذائف». يضيف «يا الهي! تشعر بالهواء يتموّج من حولك كاصطدام هائل».
يقر الجنود بأن العمليات ضد «حزب الله» تعني مواجهة مقاتلين «مستعدين للمجابهة»، ويستخدمون القنص والقذائف.
ويقول العريف ماتان تايلر من لواء «ناحال» انه «في الكثير من الاوقات نستطيع رؤيتهم فقط عندما يريدون ان يلفتوا انظارنا ثم نجدهم يضربوننا من الخلف»، يتابع مضطربا «انه أمر مرعب، لا تشعر انك ضعيف ولكنك تشعر انك مهدد، هناك دائماً شيء مجهول».
ويضيف تايلر «لا يمكنك ان تستخف بقدرة حزب الله، انهم اسياد ارض المعركة، يعرفون المكان افضل منا، يعلمون الاماكن التي يمكنهم الاختباء فيها والوقت الذي يمكنهم ان يتنقلوا فيه، كما انهم يعلمون جيدا اين نحن».
اما شمويل اوين، وبراين واكسمان، ودايفد غروس، وهم ثلاثة اميركيين جاؤوا الى اسرائيل للتطوع في الجيش تعبيراً عن ولائهم للصهيونية، فيؤكدون ان المعركة ضد «حزب الله» تخطت كل التوقعات.
ويشير اوين الى ان الجنود الإسرائيليين كانوا في السابق يتحدثون عن الحرب ضد لبنان «على سبيل النكتة»، ويضيف «ربما توقعنا انها ستكون حرباً كبيرة، ولكن الآن، اللعنة، انها حرب غريبة كليا».
اما واكسمان، فيؤكد انه اصيب بالذهول من طريقة تحصن «العدو» وتخفيه، ويضيف «اعتقد ان الجيش الاسرائيلي تفاجأ منذ البداية، هناك خنادق لا نعرف موقعها، كما اننا لا نعلم من اين تنطلق القذائف»، ويتابع «الامر صعب للغاية، نواجه حرب عصابات يشنها اشخاص منظمون للغاية».

ولا يقتصر الحديث عن قدرة «حزب الله» على جنود وضباط جيش الاحتلال، اذ لا يخفي المسؤول الاسبق لقوات الامم المتحدة في جنوب لبنان، تيمور غوكسيل اعجابه بالتزام عناصر الحزب وتنظيمهم، مؤكداً انهم «لا يخافون الجيش الاسرائيلي ابداً بعدما قاتلوه لمدة 18 عاما». ويشير الى ان بمقدور «حزب الله» ان «يضايق الجيش الاسرائيلي وان يدرس عيوبه»، فالحزب بات يثق بأنه «يقاتل جيشاً عادياً لديه العديد من نقاط الضعف والحماقات».
ويصف غوكسيل مقاتلي الحزب بانهم يتمتعون بالصبر والحرص والقدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية التي توضح لهم قوة النيران الاسرائيلية وقدرة الجيش على التحرك. ويضيف «يعلم الحزب جيداً ان المعركة غير متكافئة لكنه يعلم ايضاً انه يقاتل على ارضه والى جانب شعبه».
ويقول غوكسيل ان مقاتلي الحزب يرصدون كل التفاصيل حول عدوهم، كما انهم يقيمون عملياتهم جيداً سواء لجهة اخطائهم وردة فعل الجيش الاسرائيلي، مشيراً الى انهم قادرون على اخذ الاسرائيليين الى معركة مفتوحة واستدراجهم الى مناطق مجهزة جيداً بعيداً عن خطوط الامداد.
وفي المجال الاستخباراتي، نقلت مجلة «نيوزويك» عن ضباط اسرائيليين قولهم ان الحزب نجح ايضاً في اختراق اتصالات الجيش الاسرائيلي، في وقت اشارت فيه صحيفة «جيروزاليم بوست» الى اخفاق كبير على مستوى الاستخبارات الاسرائيلية في تحديد الاماكن التي يتواجد فيها قياديو الحزب والاهداف العسكرية، ما دفع بجهازي الشين بيت والموساد الى تخطي المنافسة التاريخية في ما بينهم والعمل مؤخراً بشكل مشترك.
إلا ان التعليق الاكثر تعبيراً عن اخفاق اسرائيلي كبير، هو ما نقلته صحيفة «الغارديان» عن مراسليها الذين جالوا في طرقات جنوبية وصفوها بأنها «اكثر طرق العالم خطورة» اذ لم يجدوا اي اثر للجيش الاسرائيلي باستثناء ما يدل على «فشله»: الدبابات المحروقة[7].

أما عن كلفة هذا الصمود الأسطوري فتتحدث عنها نفس المصادر بالقول: أن ثمن ترسانة حزب الله التي تضم آلاف الصواريخ والتي أطلقت علي شمال إسرائيل خلال الشهر الماضي جاء من التبرعات التي يجمعها الشيعة حول العالم‏,‏ خاصة في ايران‏..‏ وأشار إلي أن المساعدات التي تصل لحزب الله من ايران تقدر بنحو‏25‏ مليون دولار شهريا‏,‏ ولكن بعض التقارير أشارت إلي أن هذا المبلغ تضاعف منذ تولي الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الرئاسة العام الماضي‏[8].

إننا أما بزوغ طراز فريد من القوة المرتكزة أولا على القوة المعنوية, قوة العقل والإرادة والتصميم فضلا عن التسديد الإلهي الغيبي.

كم هو مثير للشفقة أن تهزم تلك القوة المادية الجبارة التي تنفق في معاركها ميارات الدولارات مقابل تلك القوة التي تتلقى دعما شهريا مقداره 25 مليون دولار وحتى لو تضاعف هذا الرقم عشر مرات ليصبح 250 مليون دولار فسيبقى الفارق شاسعا بين الفريقين مصداقا لقول الله تبارك وتعالى (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)[9].

فما بالك إذا كانوا يرونهم عشرة أمثالهم! أليس في ذلك عبرة لأولي الأبصار؟! أم أن العرب المعاصرين لم يعد فيهم أولي أبصار؟!.

من ناحية أخرى نقلت صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 7-4-2009 نقلا عن صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، في تقرير على صدر صفحتها الاولى أمس: انه بالرغم من مرور حوالى ثلاث سنوات على حرب لبنان الثانية، والتي لم يشارك فيها أي جندي أميركي، فإن هذه الحرب ما زالت تثير سجالا حاميا ومتزايدا داخل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ومن شأن هذا الأمر أن يغير الطريقة التي تحارب بها القوات الأميركية في المستقبل.

وأشارت الصحيفة إلى أن الخبراء العسكريين الأميركيين صعقوا ازاء التدمير الذي استطاعت قوات حزب الله، التي تستخدم صواريخ موجهة مضادة للدبابات، إلحاقه بأرتال المدرعات الإسرائيلية. وخلافا للميليشيات التي تقاتل في العراق وأفغانستان، والتي غالبا ما تستخدم أسلوب الكر والفر، صمد مقاتلو حزب الله في مكانهم أمام القوات الإسرائيلية البرية في معارك دامت حتى 12 ساعة. كما تمكنوا من التنصت على الاتصالات الإسرائيلية وحتى أنهم أصابوا سفينة إسرائيلية بصاروخ كروز.
وذكرت الصحيفة أن خلاصة دراسة أعدها الجيش مؤخرا، تقع في 30 صفحة، وتم تحضيرها لرئاسة الأركان والمسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون، بحثت كيف يمكن للموازنة المخصصة للمعدات الحربية المستقبلية، والبالغة 159 مليار دولار، وهي عبارة عن شبكة من العربات وأجهزة الاستشعار، أن تستخدم لمواجهة قوات حزب الله بسرعة مع التقليل من عدد الضحايا الأميركيين.[10]
من ناحية أخرى فإن المتابع لتلك الفزعة التي يثيرها بعض الشيوخ المرتزقة من وعاظ السلاطين حول ما يسمونه بالتبشير الشيعي والدعايات الفجة حول أرقام التمويل الموهومةيمكن له أن يلحظ نفس الحقيقة.

وبينما تحدثت الواشنطن بوست بتاريخ 19 أغسطس 2004  عن رقم يدور حول ملياري دولار سنويا تنفقها إدارة عموم الوهابية من أجل نشر هذا المذهب الذي يكفر أغلب المسلمين فالمقارنة بين هذا الرقم وحجم الإنفاق على ما يسمى بالتبشير الشيعي هي مقارنة مستحيلة ولا مبرر للخوض فيها!!.
فهؤلاء ينفقون مليارات والطرف الآخر ينفق حفنة من الدولارات!!.

ومع ذلك لا يكف أصحاب المليارات عن الصراخ والتحذير من الاختراق الشيعي الذي نجح في تحقيق كذا وكذا ووصل إلى كذا وكذا!!.

المعنى الذي نستخلصه أن الوعد الإلهي الآتي لا ريب فيه بدولة العدل الإلهي التي سيقيمها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وجنده هو وعد له آليات وأدوات للتحقق والتنفيذ ومن أهمها بكل تأكيد ظهور (الإنسان الآتي) أو الإنسان الذي سيخوض معركة نهاية التاريخ بين الحق والباطل ذلك الإنسان الموصوف في هذا البحث وأن الحيل والألاعيب التي تمارسها القوى الاستكبارية محاولة إلهاء المجتمعات الإسلامية بثورة برتقالية وأخرى أرجوانية لا يجوز لها أن تلهينا عن مواصلة السير على الصراط المستقيم.

دكتور أحمد راسم النفيس

المنصورة مصر

‏19‏/05‏/2009

‏الثلاثاء‏، 25‏ جمادى الأولى‏، 1430

 

[1] الفتح 29.

[2] إبراهيم 24-25.

[3] أي أنهم سيظهرون فجأة كما يظهر الرعاف أي تلك الدماء التي تسيل من الأنف

[4] النساء 120.

[5] الإسراء 18

[6] http://www.almotamar.net/news/33638.htm

[7] http://www.aljaml.com/node/5234

 

[8] http://www.26sep.net

[9]  آل عمران 13.

[10] http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1206&articleId=802&ChannelId=27719

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى