دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: غسيل عبد الناصر… محو ما لا يمكن محوه وإثبات ما لا يمكن إثباته!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: غسيل عبد الناصر… محو ما لا يمكن محوه وإثبات ما لا يمكن إثباته!!
استوقفني (تسجيلي) لقناة الميادين -آخر قلاع الناصرية!!- عن جمال عبد الناصر!!.
لا أحمل ثأرا شخصيا للزعيم الخالد إذ ليس أحد من أقاربي كان إخوانيا أو إقطاعيا أو تعرض للتأميم.
الغاية من كتابة هذا المقال ليس إثبات صحة ما يوجه للرجل من تهم بل تقييم تلك الحقبة وعن جدوى الاستماتة لتبرئة الزعيم والبكاء على أطلال مشروع لم يعد ممكنا إحياؤه بذات العناصر الفكرية أو الأساليب الفاشلة التي أفضت إلى نكبة 1967 وما بعدها.
لماذا يتعين عليّ أن أسجل هذا التحفظ –لزوم ما لا يلزم- قبل بدء الحديث عن الزعيم (الخالد) وثورته رغم أن من حق الواردة أسماؤهم ضمن الإقرار أن يدلوا بأقوالهم وان يمارسوا حقهم المشروع في الدفاع عن النفس؟!.
لماذا لا يكون من حق من وصفوا في مانيفستو مبادئ الثورة الست الذي رفع شعار (القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم) نفي هذه التهمة عنهم! لأن مصر عشية الانقلاب لم يكن بها رأسمالية صناعية كتلك التي كانت في أوروبا أو رأسمالية احتكارية كتلك التي ترعرعت في مصر كثمرة طبيعية للهزائم المتوالية التي منيت بها الثورة والثوار!!.
السؤال الآخر: من هي الناصرية؟!.
هل هي أخت العلمانية أو ابنة عمها أو خالتها حيث لا توجد لهذه أو تلك بطاقة هوية أو صورة شخصية يمكن من خلالها التعرف عليها ضمن حالة الفوضى المعرفية والسياسية التي كنا وما زلنا نعاني منها؟!.
كانت هناك سياسات ناصرية نسبة لعبد الناصر من ضمنها ما هو جيد مثل دعم حركات التحرر كثورة الجزائر ومنها ما هو كارثي مثل التآمر على الحكم الإمامي في اليمن الذي جرنا للتورط في حرب اليمن التي كانت إحدى مقدمات نكبة 1967.
أما عن نكبة يونيو 1967 والتي ألقي بكامل المسئولية عنها على عاتق عبد الحكيم عامر فهي قطعا لم تكن خطيئة شخص واحد بل خطيئة نظام بأكمله لا تستثني أحدا!!.
عبد الناصر ودور الفرد في صناعة التاريخ… أعور وسط عميان!!
انتهت مرحلة عبد الناصر بموته يوم ال28 من سبتمبر وجاء من بعده أنور السادات الذي قام بقلب ما بقي من موازين كانت قد قلبت بالفعل رأسا على عقب عام 1967 وبقي الزعيم بعدها ثلاثة أعوام ونيف يسعى للحيلولة دون تحول الدفة بشكل كامل ولكن بمن وإلى من؟!.
الدفاع المستميت عن شخص الزعيم ومحاولة تبرئته من المسئولية عما وقع من كوارث قبل وبعد موته يؤكد ما نعتقده من أن الرجل كان جزءا من منظومة يديرها أحيانا وتديره غالبا وأن أي قائد مهما بلغت عبقريته محكوم برؤيته وأدواته وبرجال الصف الثاني والثالث وربما برجال الصف الأخير!!.
يقول الوثائقي المياديني (غسيل عبد الناصر) أن السادات عندما عزم على التخلص من (الرفاق) فكر في توجيه خطاب للناس يشكو فيه من (محاولة الرفاق إجباره على خوض الحرب ضد إسرائيل) قبل أن يقنعه الحيزبون هيكل بالحديث عن البطش والقمع الذي مارسه من أسماهم (مراكز القوى) حيث نجح الرجل في تحقيق غايته نجاحا مبهرا!!.
رجال عبد الناصر… صحابة 23 يوليو!!
لا شك أننا أمة عريقة في صناعة الأصنام وترسيخ الأوهام وأن السمعة والهالة التي رأى من خلالها كثير من البسطاء صورة الزعيم القادر على اجتراح المعجزات والتي خرجت يوم 9و 10 من يونيو 1967 تطالب سبب خرابها بالبقاء على قمة تلها منحت (رجال الرئيس) قسطا من تلك الهالة الزائفة واعتبرت الانقلاب عليهم انقلابا على الثورة رغم أن الثورة كانت انقلابا على رجال آخرين كان مجرد المشاركة في تشييع جثامينهم مبررا كافيا للزج بهم في السجون!!.
هؤلاء –صحابة عبد الناصر- هم من استنتطقتهم الميادين ليندبوا حظهم العاثر وكيف غُدر بهم ورغم أنهم ليسوا سواء إلا في الفشل والإحباط.
السؤال المهم: هل يستطيع أي فرد أن يغير وجه التاريخ بالاتكاء على ذاته وإمكاناته مهما كان نبل دوافعه وسمو غاياته؟!.
الجواب قطعا لا.
السؤال التالي: هل يمكن لذات الفرد أن يغير مسار التاريخ بغض النظر عن واقعه وحتمياته؟!.
هل كان انقلاب يوليو قادرا على صنع (فجر تاريخي جديد) عبر إلغاء الطبقة السياسية الحاكمة قبل يوليو والتي تشكلت تحت حكم الأسرة العلوية التي لم تمض في الحكم سوى أقل من 150 عاما والتي جاءت بعد الحكم الأيوبي المملوكي العثماني الذي دام ستة قرون وأحدث بمصر كما هائلا من الخراب الأخلاقي والحضاري والسياسي؟!.
الجواب قطعا لا وألف لا!!.
ولأن حركة التاريخ تبقى محكومة بعدة حتميات من ضمنها تلك القوى الموجودة على الأرض أو المحيطة بها في الإقليم كما في العالم ومن ثم فقد تضافرت كل تلك العوامل لإحباط وهزيمة مشروع الانقلاب الناصري الإخواني وإعادة مصر إلى المربع صفر وليس حتى المربع الأول الذي بدأ حسب وجهة نظرنا مع حملة نابليون واستبعاد المماليك.
شكلت التجربة الناصرية مرحلة بالغة الأهمية في تاريخنا ولا بد من إعادة قراءتها وتقييمها بعيدا عن الانحياز المسبق معها أو ضدها.
الإصرار على (غسيل الناصرية) ومحاولة استعادتها بحلوها ومرها يعني أن العقل العربي غير قادر على التقدم خطوة واحدة إلى الأمام وهي خطيئة لا تقل سوءا عن سبها ولعنها بالحق والباطل آناء الليل وأطراف النهار!!.
دكتور أحمد راسم النفيس
07/12/2020