دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الشهيد قاسم سليماني والدفاع عن وجود الأمة الإسلامية
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الشهيد قاسم سليماني والدفاع عن وجود الأمة الإسلامية
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة الحديد25.
منذ فجر البعثة النبوية المحمدية ولا تزال الأمة الإسلامية تتعرض لعدوان يسعى للقضاء عليها ومحو وجودها المعنوي والواقعي.
رسمت آية سورة الحديد معالم المنهج الإلهي والغاية من إرسال الرسل وهو تحقيق العدل الإلهي ليصبح مرتكزا للعلاقات بين البشر إذ لا بد أن تتحصن هذه الدولة بقوة حماية رادعة ليأمن المظلومون من عباد الله وليتمكن أهلها من جلب الخير للبشرية كلها ضمن إطار العبودية لله وليس من أجل العلو والفساد في الأرض.
فقدت الأمة الإسلامية أغلب مناعتها خلال القرون الماضية لأن من تولى أمرها لا يخاف الله ولا يرعى حقوق الناس ويرى أن السلطة أداة للمتعة والتلذذ بإذلال عباد الله وجز رقابهم ونهب أموالهم.
ليس صحيحا أن هذا السقوط ناجم عن سبب وحيد هو التآمر الغربي بينما يقول التاريخ أن السبب الأهم هو انعدام القدرة على المقاومة حيث استنزف المسلمون أغلب قوتهم في معارك تدمير الذات.
لا زال البعض يزعم أن التآمر الصهيوني يستهدف الأمة العربية رغم أن بدء تنفيذ هذا المشروع سبق بقرون وجود تلك (الأمة البائسة) التي لم يكن لها أي وجود على ظهر اليابسة.
ورغم الحظوة التي ما زال (العروبيون) يحظون بها ورغم حرص البعض على استرضائهم فلا بد أن ننبه أن جماعة الجامعة العربية التي أسسها الإنجليز تتحمل قسطا وافرا من المسئولية عن ذلك الوضع المزري الذي تمكن فيه اليهود من الإمساك بأعناقنا!!.
هذا وقومه!!
يروي ابن كثير في تفسيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي ثم قال: “هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس”.
(العرب) الذين اضطلعوا بحمل راية الدفاع عن فلسطين والذين ما زال البعض يكرر أن (القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية) فشلوا فشلا ذريعا وانتهى بهم الأمر للتخلي عنها وبيعها بثمن بخس أو بلا ثمن وكانوا من الخاسرين.
عندما قامت الثورة في إيران عادت قضية الدفاع عن وجود الأمة إلى أصلها وجذورها فهي قضية الإسلام والمسلمين وبدأت ملامح النبوءات الإلهية التي بشرت بظهور جيل عودة الإسلام الحقيقي على الساحة وكما قال سماحة السيد حسن نصر الله: ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات.
يصف الإمام علي ع جيل العودة (لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ).
أحد أبرز وأهم هذه النماذج هو القائد الشهيد قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس اللذين نالا شرف الشهادة على يد أشقى الخلق ترامب قبل عام من الآن.
مالك الأشتر أم قاسم سليماني؟
يروي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج2 أن الإمام علي عليه السلام عندما استعمل مالك الأشتر على مصر وصفه قائلا: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بمصر من المسلمين: سلام الله عليكم، فإنى أحمد الله إليكم، الذى لا إله إلا هو. أما بعد فإنى قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الاعداء حذار الدوائر. لا ناكل من قدم، ولا واه في عزم من أشد عباد الله بأسا وأكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو مالك بن الحارث الاشتر، حسام صارم لا نابي الضريبة، ولا كليل الحد حليم في السلم، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل. فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفر فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فاقيموا فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري وقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم وشدة شكيمة على عدوكم، عصمكم الله بالهدى، وثبتكم بالتقوى ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.
هل كان الإمام سلام الله عليه يصف سليماني أم مالك الأشتر؟!.
ولما بلغ عليا خبر شهادته قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! والحمد لله رب العالمين! اللهم إنى أحتسبه عندك، فإن موته من مصائب الدهر. ثم قال: رحم الله مالكا، فلقد وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقى ربه، مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها من أعظم المصيبات.
قالوا : دخلنا على أمير المؤمنين حين بلغه موت الاشتر، فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه، ثم قال: لله در مالك! وما مالك! لو كان من جبل لكان فندا[1] ولو كان من حجر لكان صلدا، أما والله ليهدن موتك عالما، وليفرحن عالما، على مثل مالك فلتبك البوا كى! وهل موجود كمالك! فما زال على يتلهف ويتأسف، حتى ظننا أنه المصاب به دوننا، وعرف ذلك في وجهه أياما.
باستشهاد العظيم قاسم سليماني فقدت الأمة الإسلامية ركنا ركينا من أركان وجودها وحصنا حصينا من حصون بقائها وعلى مثل قاسم سليماني فليبكي الباكون!!.
دكتور أحمد راسم النفيس \مصر
09/12/2020
[1] جبلا شاهقا