دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: حكومة الأنبياء أين هي؟؟
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: حكومة الأنبياء أين هي؟؟
الآن أصبح المطروح علينا –نحن المسلمون- إما حكومة يديرها ما يسمى ب(الإسلاميين) أو تلك التي يصفونها بالحكومة العلمانية.
في نفس الوقت يبذل اليهود أقصى ما لديهم من جهد لتأسيس (مملكة الرب) تمهيدا لنزول المسيح اليهودي المخلص!!.
نحن نبذل كل ما لدينا من جهد لتدمير النموذج والمثال بينما يستعد هؤلاء لمحاربة كل من يقف حاجزا أمام تحقيق أوهامهم وأحلامهم!!.
يقول الواقع أن المسلمين يستبدلون الفشل بالفشل ويتمسكون بمعتقد مأزوم ومهزوم وأن تصوراتهم ليست إلا (أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) إذ ليس لها وجود فعلي إلا في العالم الافتراضي أما من الناحية الواقعية فليس هناك غير حكومات الأمر الواقع التي يديرها أشخاص لا هم علمانيون ولا إسلاميون ولا هم يحزنون!!.
(الإسلاميون) هم من ينتحل صفة الإسلام بالحق أو بالباطل ولا نرى مبررا لتأييدهم أو محاربتهم قبل فحص نياتهم وفرز معتقداتهم ولا ريب أن تجارب العقود الماضية كشفت زيف ادعاءات أغلبهم وأنهم ليسوا سوى حفنة من الوهابيين ونعني تحديدا جماعة الإخوان مهما ادعوا غير ذلك!!.
أما جماعة (العلمانية هي الحل) فيزعمون أن ليس هناك دولة ولا حكم في الإسلام بل مجرد دعوة مستدلين بقوله تعالى (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر) وأنه صلى الله عليه وآله وسلم ليس حاكما بل منذرا وهاديا.
اتفقت وجهة نظر (العلمانيين) و(الإسلاميين) حول نفي وجود حكومة للأنبياء ومن ثم لآل الأنبياء وإلا لما اعتقد هؤلاء بصحة (الخلافة الراشدة) التي أبرمت باختيار بشري بحت ولم يزعم أحد أن أيا من هؤلاء استلم الخلافة بوصية إلهية مباشرة.
الحكومة الدينية التي نعتقد بها هي حكومة يؤسسها الأنبياء ويمضي على خطوهم الأئمة عليهم السلام أما غير ذلك فهي حكومة الأمر الواقع كما هو تاريخ الدول التي تعاقبت على حكم العالم الإسلامي.
السؤال المهم الذي لم يقدم له أي من الفريقين المشار إليهما جوابا: هل نزل الوحي من السماء على أنبياء الله ورسله بما فيه من حلال وحرام وأحكام وعقوبات تاركا أمر تطبيق هذه الأحكام للا أحد أو لمن غلب وركب وسماه أشباه الناس أميرا للمؤمنين؟!.
ولأننا لا نجادل هؤلاء بأدلة عقلية مباشرة أو غير مباشرة بل بالقرآن الكريم الذي يدعي الجميع إسلاميون أو علمانيون أنهم يعتقدون بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
بالعودة إلى كتاب الله عز وجل نرى ما يلي:
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يوسف 22.
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد 37- 38.
(وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الأنبياء 47-75.
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء 78-79.
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء 21
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ) الشعراء (84)
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) القصص 14.
هل هناك معنى مختلف لكلمة (حكم) الواردة في القرآن لدى من يزعمون أن مهمة الأنبياء كانت قاصرة على الدعوة إلى الله وليست إقامة حكومة الأنبياء؟!.
الجواب قطعا لا..
الأمر الثاني أن حكومة الأنبياء هي نصب وتعيين إلهي وليست انتحالا بشريا أيا كانت حيثيات المنتحلين سواء كانوا جماعة السقيفة أو جماعة الإخوان فما بالك بجماعة داعش وبوكو حرام!!.
الأمر الثالث: أن هذه الحكومة حال تمكن النبي المرسل من إقامتها والتغلب على من يعارضها يتعين أن تبقى وتستمر وأن يؤول أمرها للأئمة الذين هم امتداد الأنبياء وعلى رأس هؤلاء قطعا رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو حال الأنبياء الذين خلفوا إبراهيم عليه السلام (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء 69-73.
الذي جرى أن حكومة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم جرى اختطافها حيث زعم الخاطفون أن ما قاموا به كان خيرا وأقوم، كما قال عمر بن الخطاب الذي قال (أتدري يابن عباس ما منع قومكم منكم بعد محمد فكرهت أن أجيبه فقلت إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني فقال عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فاصابت ووفقت) والرواية لابن جرير الطبري وابن الأثير وكان رد ابن عباس (أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).
كيف تسنى لهؤلاء وهؤلاء زحزحة الجبال عن رواسيها وكلمات الله عن معانيها؟؟!!.
دكتور أحمد راسم النفيس
16/01/2021