
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الإمام الحسن عليه السلام رجل الحوار والسلام ج1
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الإمام الحسن رجل الحوار والسلام ج1
مقدمة: كتبت هذه الدراسة بناء على طلب السيد كاظم الخرسان بتاريخ 7 ديسمبر 2018 وأرسلت إليه لنشرها في مجلة المركز التابعة له ثم كتبت بعدها بناء على طلبه كتاب (على خطى الإمام الحسن) حيث جرى تقييم هذه وتلك إضافة لحوار سابق جرى معهم وطلبوا مني الموافقة على نشره وكتابي (رسالة من أب لابنه- رسالة الإمام علي ع لولده الحسن) وكتاب (عقيدة التوحيد في مدرسة أهل البيت) وجرى إبلاغي أن كل شيء على ما يرام!!.
الباقي معلوم!!!!.
نص الدراسة
البعض يتصرف وكأنما استفاق من غيبوبته الطويلة ليكتشف أن الإسلام هو دين السلام وأن الحوار بين الأديان والثقافات ينبغي أن يتقدم على الصدام والمواجهة،بينما ينتقد البعض الآخر بسذاجة وربما بخبث الاحتفاء (الزائد) باستشهاد الإمام الحسين والثقافة الكربلائية مقابل (تجاهل الشيعة) الاحتفاء بذكرى الإمام الحسن بن علي عليه السلام رجل السلام.
وكأن الشيعة يعشقون مرأى الدم وربما الانتحار رغم أنهم قوم مساكين محاصرون إعلاميا وسياسيا تحيطهم الاتهامات من كل جانب والعمل قائم على قدم وسائق لتشويههم وتقديمهم للرأي العام على أنهم مجرد شذوذ أو نتوء أعاق المسار التقدمي التصاعدي للأمة الإسلامية التي كانت دوما (عهدة قيادة حكيمة وأمينة نشرت الإسلام الصحيح في شتى ربوع الدنيا من جاكرتا إلى طنجة والآن إلى ولاية تكساس الأمريكية بدءا من معاوية ابن أبي سفيان وصولا إلى معاوية ابن أردوجان وأخيه ابن سلمان)!!!.
لا زال البعض يتعلق بشبهة مفادها أن سبب مصائب الشيعة افتقادهم للغة الحوار وكأن الآخر يؤمن بهذه اللغة ويلتزم أمانة القول وشرف الأساليب وصولا إلى شرف الغاية التزاما بقوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) بينما يشهد التاريخ والواقع بخلاف ذلك.
كلامنا هذا لا يعني بحال رفضنا لمنطق العقل والحوار فهو أساس حركة النبوات والسلاح الأول للدعوات إلا أن الطرف الآخر ولا نعني بذلك كل مخالف بل نعني أولئك السائرين على نهج بني أمية ممن لا يتورعون عن استخدام كل الوسائل والتذرع بكل الذرائع من أجل تحقيق أهدافهم وغايتهم التي عبر عنها ابن آكلة الأكباد في خطاب استلامه للسلطة (ما قاتلتُكم لتُصلُّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ ولكنِّي قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكم وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ).
لا يزال قانون الحقد الأزلي على أهل بيت النبوة أولا وعلى البشرية عامة وهو القانون الذي سنه جبابرة بني أمية ساريا حتى هذه اللحظة وهو قانون لن يبطل مفعوله بحوار ولا إقناع بل بقوة وحزم وعزم يكفل إعادة هؤلاء الأوباش إلى جحورهم.
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)[1].
نعم وألف نعم للحوار، لكن إياكم أن تتصوروا أن الحوار يشكل بديلا عن المواجهة بشتى صنوفها وليس فقط المواجهة المسلحة.
يقول الإمام علي عليه السلام (رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا الشَّرُّ)[2].
وبينما يعتقد المخالفون أن الحرب والقتال هو الأصل وأن الجنوح إلى السلم لا يكون إلا عند عدم القدرة على مواصلة القتال خاصة وقد اعتمد القوم مقولة (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) قاعدة للحركة والانطلاق بينما يختلف الأمر عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام إذ أن الجنوح إلى السلم وليس إلى الركوع والخنوع هو الأصل أملا في تحقيق العدالة حتى ولو توفرت القدرة على مواصلة القتال إلى أجل غير محدود.
ربط القتال بامتلاك القوة وحسب ليس من مبادئ الإسلام المحمدي بل بالغاية والهدف من هذا القتال فضلا عن مبرره ومشروعيته حيث لم يكن مجرد امتلاك القدرة هو المحفز الأول لخوض معارك الإسلام تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر وأحد والأحزاب وحنين وغيرها من المعارك.
يقول تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[3].
تؤكد هذه الآيات من سورة الأنفال خاصة قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها, على المعنى الذي قرر البعض أن يتنصل منه بسبب الإفراط في تقدير مخزون القوة الذي امتلكه المسلمون في بدايات تاريخهم السياسي والرغبة الجامحة في التخلص من كل قيد يحد من صلاحية النظم الحاكمة في شن حروب الفتح المالي وإثراء خزائن الدولة وإنفاقها على الملذات والشهوات وتحويل بوصلة الصراع واستنزاف القوى البشرية بعيدا عن الصراع الداخلي ليمكن القول أن دولة الفجور والترف هي دولة تسعى لنشر راية الإسلام خفاقة بين ربى العالمين وأن توحيد الناس تحت رايات الفتح تمحو كل ما ارتكبه هؤلاء من جرائم وخطايا وآثام في الداخل، فضلا عن جريمتهم الكبرى تزييف الدين، وتحويله من دين ضامن ومؤسس للحرية والكرامة الإنسانية إلى دين يجعل من الحاكم الفاسد إلها مع الله ويعطيه من الصلاحيات ما يفوق سلطة الله على عباد الله!!.
من دين يسعى لتحرير الإنسان من الأغلال والآصار إلى دين يشرع القبول بالظلم والذل لأن الخليفة مشغول بفتوحاته الحربية التي تقلصت ثم تقلصت لتصبح الآن مجرد فتوح نكاح وجهاد نكاح بعد أن أصبح الإسلام عهدة مسيلمة وسجاح!!.
المعنى الذي نؤكد عليه أن مفهوم الجهاد في سبيل الله يقوم على قاعدة مواجهة الظلم والاستكبار بوسائل متعددة وأن القوة العسكرية هي وسيلة المضطر الذي استنفذ كل الخيارات الأخرى وفاوض الأعداء وصالحهم فنقضت عهوده ومواثيقه أو اعتدي عليه فلم يكن له من خيار سوى رد الحجر من حيث جاء لأن الشر لا يدفعه إلا الشر.
يروي العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان عن أحداث وقعة بدر التي دارت رحاها بين المسلمين وقريش:
قال الطبرسي: لما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر عبا أصحابه، فلما نظرت قريش إلى قلتهم قال أبو جهل: ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد، فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا أو مددا؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رجع فقال: ليس لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ويتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم، وما أراهم يولون حتى يقتلوا، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم، فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت. فأنزل الله تعالى: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها” فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم فخلوني والعرب وارجعوا فقال عتبة: ما رد هذا قوم قط فأفلحوا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا وخطب عتبة فقال: يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر إن محمدا له آل وذمة وهو ابن عمكم فخلوه والعرب فإن يك صادقا فأنتم أعلى عينا به وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فغاظ أبا جهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرك فقال: أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش أينا ألأم و أجبن؟ وأينا المفسد لقومه. ولبس درعه و تقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد، وقال: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش…..
الدعوة للسلم لم تكن بعد انتهاء القتال كما يزعم البعض بل كانت قبله، أي أن القتال كان الخيار الثاني ولم يكن يوما ما هو الخيار الأول، كما يزعم أصحاب نظرية الأسياف الأربعة ومن سار على طريقهم خاصة سيد قطب وسائر منظري الجماعات الإرهابية.
وبالتالي فإن أصحاب نظرية السيف يرون في السلام استثناء وحالة مؤقتة، لا يمكن أن تكون ممتدة وليست أصلا ثابتا.
ولأن أتباع نظرية (السيف البتار لتركيع وإبادة المشركين والكفار) قد استنزفوا أغلب رصيد القوة الذي كان لديهم وهي قوة لم ترع يوما حق الله أو حتى حق البشر تراهم اليوم وقد تحولوا إلى قطط لاهثة تتمسح وتأوي إلى كنف أعداء الإسلام والدين من الصهاينة والصليبيين وأصبح لا هم لهم إلا البقاء أحياء ونسوا تماما شعاراتهم القديمة والحديثة التي حاولوا من خلالها إركاع وإبادة من لا يدين لهم بالولاء.
مسلمون أم مؤمنون؟!
الإسلام هو مرحلةالتسليم الظاهري أي ما قبل الدخول في الإيمان والإيمان لا يكون إلا باستقرار العقيدة في نفس المؤمن وأهم أركانها الإذعان لولاية أهل بيت النبوة عليهم السلام.
لو قرأنا التاريخ جيدا لوجدنا أن الكثير من تلك الحشود التي أعلنت إسلامها إما خوفا او طمعا كانت أبعد ما تكون عن التزام المبادئ الأساسية والبسيطة للإسلام الشكلي فما بالك بالحقيقي ونحن نعني منهج التحضر وتزكية النفس والارتقاء الأخلاقي، بل أن كثيرا منهم بقوا على جلافتهم وبداوتهم وهو أمر لا نراه بعيدا عن العقل والمنطق إذ أن العقيدة الجديدة تحتاج إلى وقت وإلى أجيال جديدة تتشرب مبادئ الدين وقيمه وتنبذ ما ورثته عن آبائها وأجدادها من عادات وقيم ونزوع جاهلي.
الهدف الأولي للبعثة الإسلامية كان إدخال الناس في دين الله، وحثهم على إعلان الإسلام بما لا يتناقض مع الهدف النهائي وهو تكوين الإنسان المؤمن ولذا نجد في القرآن خطابين: الأول موجه للناس كل الناس والثاني موجه للذين آمنوا.
ليس في القرآن الكريم خطاب (أيها المسلمون) بل هناك إما (أيها الناس) الذي ورد في القرآن واحدا وعشرين مرة أو (أيها الذين آمنوا) الذي ورد تسع وثمانين مرة، ولكي نفهم دلالة ما نقول نقرأ الآية الكريمة (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[4].
الآية واضحة الدلالة وهو أن دخول (الأعراب) في الإسلام لا يعني انتقالهم تلقائيا إلى مرحلة الإيمان ولا يعني أيضا حرمانهم من ثواب ما يقومون به من أعمال صالحة وهو ما ذكره الطبري في تفسيره (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) يقول: لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا ولا ينقصكم من ثوابها شيئا.
هم دخلوا في الإسلام ظاهرا، لكن ما زال أمامهم أشواط ومراحل حتى يتحقق فيهم الهدف التغييري الحقيقي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو التعليم والتهذيب والتزكية والارتقاء إلى مرحلة الحكمة وإنشاء أمة جديدة ترتقي نحو الكمال وتتغير فيها المضامين لئلا يصبح التغيير مجرد تغيير شكلي لا ينفذ إلى القلوب والأرواح.
وإذا كانت المواجهات التي حدثت في صدر الإسلام قادت هذا الصنف من البشر للدخول في حظيرة الإسلام الظاهري فالكثير والكثير منهم ظل بعيدا عن الاستقرار في عالم الإيمان.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[5].
هم آمنوا بأفواههم إلآ أن قلوبهم التي هي بيت الإيمان ومستقره بقيت على ولائها للطواغيت وبغضها لأولياء الله الذين توجب على المسلمين حبهم والتعلق بهم إن كانوا حقا يرغبون في الارتقاء لمرتبة الإيمان!!.
روى الكليني في الكافي (ج2) عن سماعة قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الاسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الاسلام والاسلام لايشارك الايمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس، والايمان الهدى ومايثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به والايمان أرفع من الاسلام بدرجة ، إن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والاسلام لايشارك الايمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة.
وعنه أيضا: عن سفيان بن السمط قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن الاسلام والايمان، ماالفرق بينهما، فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبوعبد الله عليه السلام: كأنه قد أزف منك رحيل؟ فقال: نعم فقال: فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما، فقال: الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام ، وقال: الايمان معرفة هذا الامر مع هذا فإن أقر بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالا.
لا ينتقل المرء إلى مرحلة الإيمان عبر القهر وفرض الإذعان وأن النتيجة الوحيدة لهذا الفرض هو إنتاج منافقين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[6].
والشاهد أيضا أن القتال والمواجهة لم يكن يوما ما وسيلة ناجعة تحفز الإنسان على هذا الانتقال الذي يحتاج إلى قلب سليم ونفس مطمئنة وقناعة راسخة فالإسلام مكانه الجوارح والإيمان محله القلب.
يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ.
ويقول أيضا: فَمِنَ الْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
لماذا قاتل الإمام علي بن أبي طالب؟!
لم يقاتل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام سواء كان فردا مقاتلا تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعدما أصبح وليا لأمر المسلمين لإكراه أحد لا على الإسلام ولا على الإيمان.
القتال تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله جرى إيضاحه في كتابنا (التاريخ السياسي للرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله).
يروي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج1: عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين:
روى حبة أن عليا عليه السلام لما نزل على الرقة، نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات، فنزل راهب هناك من صومعته، فقال لعلي عليه السلام: إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه أصحاب عيسى بن مريم، أعرضه عليك؟ قال: نعم، فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. الذى قضى فيما قضى، وسطر فيما كتب: أنه باعث في الأميين رسولا منهم، يعلمهم الكتاب والحكمة، ويدلهم على سبيل الله، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الاسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، أمته الحمادون الذين يحمدون الله في كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم بالتكبير والتهليل، والتسبيح، وينصره الله على من ناوأه، فإذا توفاه الله، اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت، فلبثت ما شاء الله، ثم اختلفت، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضى بالحق ولا يركس الحكم، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن. يخاف الله في السر، وينصح له في العلانية، لا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره، فإن القتل معه شهادة. ثم قال له: أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك. فبكى عليه السلام، ثم قال: الحمد لله الذى لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذى ذكرني عنده في كتب الابرار. فمضى الراهب معه، فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين ويتعشى، حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال عليه السلام: اطلبوه، فلما وجدوه صلى عليه ودفنه. وقال: هذا منا أهل البيت، واستغفر له مرارا. روى هذا الخبر نصربن مزاحم في كتاب صفين، عن عمر بن سعد ، عن مسلم الاعور ، عن حبة العرنى . ورواه أيضا إبراهيم بن ديزيل الهمداني ، بهذا الاسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين.
وروى ابن ديزيل في هذا الكتاب، قال: حدثنى يحيى بن سليمان. حدثنى يحيى بن عبد الملك بن حميد بن عتيبة، عن أبيه، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه ومحمد بن فضيل، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبى سعيد الخدرى، رحمه الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله لعيه وآله، فانقطع شسع نعله، فألقاها إلى على عليه السلام يصلحها ثم قال: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله) ، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ فقال: لا ، فقال عمر بن الخطاب: أنا هو يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكنه ذاكم خاصف النعل) ويد على عليه السلام على نعل النبي صلى الله عليه وآله يصلحها. قال أبو سعيد : فأتيت عليا عليه السلام فبشرته بذلك فلم يحفل به، كأنه شئ قد كان علمه من قبل.
وروى ابن ديزيل أيضا، عن يحيى بن سليمان، عن ابن فضيل، عن إبراهيم الهجري، عن أبى صادق، قال: قدم علينا أبو أيوب الانصاري العراق فأهدت له الأزد جزرا، فبعثوها معي، فدخلت إليه فسلمت عليه، وقلت له: يا أبا أيوب، قد كرمك الله عزوجل بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونزوله عليك، فما لى أراك تستقبل الناس بسيفك، تقاتلهم هؤلاء مرة وهؤلاء مرة! قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا أن نقاتل مع على الناكثين، فقد قاتلناهم وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين، فهذا وجهنا إليهم – يعنى معاوية وأصحابه – وعهد إلينا أن نقاتل معه المارقين، ولم أرهم بعد.
وروى ابن ديزيل أيضا، عن يحيى، عن يعلى بن عبيد الحنفي، عن إسمعيل السدى، عن زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وهو في الحجرة يوحى إليه ونحن ننتظره حتى اشتد الح، فجاء على بن أبى طالب ومعه فاطمة وحسن وحسين عليهما السلام، فقعدوا في ظل حائط ينتظرونه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله، رآهم فأتاهم ووقفنا نحن مكاننا، ثم جاء إلينا وهو يظلهم بثوبه، ممسكا بطرف الثوب، وعلى ممسك بطرفه الآخر وهو يقول: (اللهم إنى أحبهم فأحبهم اللهم إنى سلم لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم) قال: فقال ذلك ثلاث مرات. قال إبراهيم في الكتاب المذكور: وحدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثنا ابن فضيل، قال : حدثنا الحسن بن الحكم النخعي، عن رباح بن الحارث النخعي، قال: كنت جالسا عند على عليه السلام، إذ قدم عليه قوم متلثمون، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال لهم: أو لستم قوما عربا! قالوا: بلى، ولكنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم: (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) قال: فلقد رأيت عليا عليه السلام ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: اشهدوا. ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم، فقلت لرجل منهم: من القوم؟ قالو: نحن رهط من الانصار، وذاك – يعنون رجلا منهم – أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فأتيته فصافحته.
كما يروي سليم بن قيس في كتابه أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام رد على معاوية ابن أبي سفيان قائلا:
والله لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلا، أئمة ضلال من قريش يصعدونمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد أخبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحدا بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش،عليهما مثل أوزار الامة جميعا إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم. فليس من دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراما ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره. وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلاوعباد الله خولا ومال الله دولا). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ياأخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال: (جاهد في سبيل الله لا تكلف إلانفسك)، وقال: (حرض المؤمنين على القتال)، فكنت أنا وأنت المجاهدين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أومر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه لايعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام. وإن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من حجتك، متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه، ولا سيما لما أتوك قبل مخالفة ما أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدع، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكت عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك. ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتم من غير أن يكون معك فئة أعوان تقوي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له. وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الامة، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء عجل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الاخرة دار الثواب والعقاب، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). فقلت: شكرا لله على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.
ثم قال صلى الله عليه وآله: يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم،أحقاد بدر وترات أحد. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك، إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق. واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الامة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة،وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه. ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلا، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذابا.
أما لماذا قاتل الإمام تارة وترك القتال تارة أخرى فالأمر كان متعلقا بالقدرة على حسم الصراع تارة وتارة أخرى بالنتائج المترتبة على خوض هذا القتال حتى ولو كان تحقيق النصر أمرا ممكنا.
إذا كان أهل بيت النبوة هم سفينة نوح وهم كذلك بالفعل فركوب سفينة النجاة كان وسيلة لحفظ المؤمنين وإدامة وجودهم في هذا العالم.
لم يكن إقامة الدولة والإمساك بالسلطة ووضعها بيد عادلة سوى وسيلة لحفظ الإيمان والمؤمنين وليس هدفا بحد ذاته.
هذا هو السر (الخفي) وراء حركة أئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام وليس مجرد إقامة دولة تشبه تلك الأموية والعباسية أو السلجوقية وأخيرا الوهابية (لا تَتَعَلَّقُ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ وَلَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ).
عندما يندلع القتال وتحتدم المواجهة، ينجلي غبار المعركة عن شهداء وقتلى ويصبح السؤال مشروعا عن الغاية التي ستتحقق عندما يسقط هؤلاء وهؤلاء.
ليس فقط عن شهدائنا بل عن قتلى الفريق الآخر خاصة إن كانوا ممن يدعون الانتساب للدين والإسلام.
ذكر علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) آية 25 سورة الفتح- قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام ألم يكن علي قويا في بدنه قويا في أمر الله؟ قال له أبو عبد الله عليه السلام بلى قال له فما منعه أن يدفع أو يمتنع قال قد سألت فافهم الجواب منع عليا من ذلك آية في كتاب الله فقال وأي آية فقرأ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما إنه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبد حتى تخرج ودائع الله فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله) ج2 ص 323.
وذكر الشيخ الصدوق عن أبي جعفر ع (إنما سار علي (ع) بالكف عن عدوه من أجل شيعتنا لأنه كان يعلم أنه سيظهر عليهم من بعده فأحب أن يقتدى به من جاء بعده فيسير فيهم بسيرته ويقتدي بالكف عنهم بعده) علل الشرائع ج1 ص 147.
يبدو واضحا أن الخطة التي اعتمدها أئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام والقاضية بحفظ الأرواح وعدم المسارعة لسفكها لم تكن قاصرة على أنفس الموالين لحظة وجودهم بل هي خطة كونية طويلة الأمد تمتد إلى لحظة الظهور المبارك وإلا فليفسر لنا هؤلاء لماذا لم يمعن الإمام علي في سفك دماء أعدائه رغم أنهم كانوا معتدين ظالمين مستحقين لذلك رغم قدرته على ذلك.
يروي الشريف الرضي في نهج البلاغة عن الإمام علي ع (وَقَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلَاناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ (عليه السلام) أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَلَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ).
الخط الذي سار عليه أئمة أهل البيت هو الحفاظ على الإيمان وإفساح المجال لمن كان له قلب أو ألقى السمع وشهيد لركوب سفينة النجاة وهو هدف لا يتحقق إلا من خلال الصبر والتحمل ومنح البشرية عامة والمسلمين خاصة الفرصة الكافية للحاق بقافلة الناجين (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[7].
الخلاصة: أن موقف الأئمة من الحرب مع الآخر لم يكن مرتبطا فقط بالقدرة والإمكان بل بالمسار التاريخي الممتد لحركة الإيمان عبر تلك المسافة التي قد تبدو للبعض مسافة بعيدة تقدر بمئات السنين في حين خلق الإنسان من عجل مجبولا على النسيان يريد أن يرى النتائج الفورية وليس هذا هو القانون الحاكم لمسار الدعوات الإلهية.
لماذا بقي نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما قبل أن يعلن الخالق عز وجل (انقضاء المهمة) وليس انتهاؤها بل انتقالها إلى خط آخر على يد نبي آخر؟!.
النظرة السطحية التي تبناها أغلب المسلمين تقول أن المهمة قد انتهت برحيل رسول الله صلى الله عليه واستلام الخلفاء للسلطة ولم يعد ثمة حاجة للأئمة عليهم السلام ورثة الرسالة الحقيقيين لا في تعليم الكتاب أو الحكمة ولا في التزكية والتطهير بينما ينطق واقعنا المعاش بعد 1440 عام من الهجرة بغير ذلك.
أشكر السيد الجليل كاظم الخرسان الذي حفزني على كتابة هذا البحث الذي يمثل محاولة متواضعة للذب عن أحد السادة العظام سادة الأنام محمد وآله الكرام، إلا أنه ليس نهاية الكلام.
يتبع الجزء الثاني
دكتور أحمد راسم النفيس
المنصورة مصر
07/12/2018مـ
الجمعة، 29 ربيع الأول، 1440
[1]سبأ 48-49.
[2]حكم الإمام علي ع 314.
[3]الأنفال 61-63.
[4]الحجرات 14.
[5]المائدة 41.
[6]المنافقون 4.
[7]سورة الممتحنة 7.