مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الشيعة من صلح معاوية إلى صلح ترامب!!

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الشيعة من صلح معاوية إلى صلح ترامب!!

رغم أنه من المستحيل إيجاد فاصل بين إيران والشيعة إلا أننا نتمنى على من يمتلك موقفا ناقدا أو معارضا لإيران وسياستها أن يميز بين موقفه من إيران وموقفه من الشيعة ولو افتراضيا.

بديهي أن الإيرانيين أنفسهم ينقسمون إلى أصوليين وإصلاحيين يرغبون بشكل أو بآخر أن يصبحوا جزءا من النظام العالمي الذي تقوده أمريكا وهم من تحمس للاتفاق النووي الذي أبرم سنة 2015 (5+1) أكثر من غيرهم بينما كان بعض الأصوليين يتوجسون خيفة من هذا الاتفاق.

بعد أن نقض الأمريكي عهده ونكث وعده (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، سمعت أحد المعممين وهو يشيد بشروط بومبيو الاثني عشر ويراها شروطا عادلة محقة يتعين الرضوخ لها فكان أن أصابتني الدهشة والذهول!!.

لا تتعلق القضية كما يعتقد البعض بموقف إيران الداعم لفلسطين بل هي أبعد من هذا بكثير وهي مرتبطة بوجود الشيعة أنفسهم كعنصر قوي فاعل ومؤثر على الساحة الإقليمية!!.

نهاية 2006 طلب مني أحد الأصدقاء كتابة تحليل عن العلاقات المصرية الإيرانية ودور الإخوان المسلمين وكان أن نشر الكتاب متضمنا مقالتي وكالعادة رفض الناشرون منحي أي حقوق as it is usual!!!.

https://www.amazon.com/Shia-Power-Target-Geopolitical-Affairs/dp/0853037515

لم يكن عنوان الكتاب (قوة إيران) بل (قوة الشيعة- Shia Power) والمعنى واضح ولا يحتاج إلى شرح وتفصيل.

من الطبيعي أن يكون أكثر المتوجعين من نهوض الشيعة هم اليهود الذين بنوا حساباتهم على فرضية استسلام بقية المسلمين وخضوعهم وهو ما تحقق الجزء الأكبر منه مع اتفاقية كامب ديفيد ثم هرولة الكثير منهم نحو التطبيع والارتماء في الحضن الإسرائيلي كما جرى الآن إلا أن ظهور الشيعة كقوة فاعلة في المنطقة والعالم قلب كل ما كان ثابتا ومستقرا في عالم التوازنات.

يروي ابن الأثير في الكامل:‏ إنما سلم الحسن الأمر إلى معاوية لأنه لما راسله معاوية في تسليم الخلافة إليه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ إنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولاندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ألا وقد أصبحتم بين قتيلين‏:‏ قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره وأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفةٌ فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بحد السيوف وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى‏.‏ فناداه الناس من كل جانب‏:‏ البقية البقية‏!‏ وأمضى الصلح.

الصلح الذي دعا إليه ترامب يحمل نفس المضمون الذي تمكن من ابن آكلة الأكباد من فرضه (ليس فيه عز ولا نصفةٌ فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بحد السيوف وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى).

الفارق بين سلام ترامب المفروض وسلام وابن آكلة الأكباد أن الحلف الترامبي اليهودي لم يجد ما يكفي من المهزومين ليفرضوا إرادتهم على مجموع الشيعة رغم قسوة وشراسة الضغوط التي لم تستثن حتى الدواء ورغم أن هناك من يزال مصرا على أن الاستسلام هو الحل على طريقة (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا).

الصلح الذي أبرمه الإمام الحسن مع ابن آكلة الأكباد لم يكن سوى هدنة مؤقتة في صراع كبير وطويل مع أهل الحق وأصحاب التوحيد الحقيقي ولم يعد مطروحا ولا قابلا للتكرار.

(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

يقول أمير المؤمنين عليه السلام (لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وَتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

دكتور أحمد راسم النفيس

‏31‏/01‏/2021

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى