
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: صلح أم فتح الحديبية؟؟!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: صلح أم فتح الحديبية؟؟!!
(فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ).. وبطل فوق البيعة!!.
قلنا في مقال سابق ما نصه (ورغم التباين الكبير والواضح بين المؤمنين بولاية أهل البيت وخصومهم إلا أن الفريق الأول يلتزم بقراءة الفريق الثاني للتاريخ كما أن بعضهم ممن فاز بلقب (مجدد) أو (مستنير) قدم تنازلات مفزعة لدى قراءته لواقعة السقيفة وربما لحكومة السفاح معاوية!!.
طبعا ليس كل ما نكتبه يحتاج لأسانيد كونه من التمارين المشهورة والأقوال الممهورة بخاتم الصحة والنفاذ فهي شائعة ومتكررة وربما يقول البعض أنها بلغت حد (الإجماع)!!.
(باي باي صلح الحديبية النووي):
تحت هذا العنوان كتب صديقنا السيد محمد صادق الحسيني مقالا نشر اليوم 31-3-20121 عن تطورات ما يسمى بالملف النووي والمعنى الذي بنى عليه السيد (الحسيني) أن الاتفاق بين أمريكا وإيران كان اضطرارا مثلما كان سلام الحديبية اضطرارا!!.
أما لماذا صار (سلام الحديبية) اضطرارا؟! فسبب ذلك أن (الرأي العام الإسلامي بقيادة عمر بن الخطاب كان معارضا لهذا الصلح مفضلا خيار الحرب وفتح مكة بصورة عاجلة) الآن الآن وليس غدا!!.
هذه هي قراءة الإسلام الأموي للواقعة ولذا فنحن لم نتجن على بعض الشيعة عندما قلنا أن منهم من يلتزم بقراءة الفريق الأموي.
وإنا لله وإنا إليه راجعون!! وا حر مصيبتاه!!.
طبعا ليس لدينا اعتراض على الاتفاق المشار إليه فهو حق مطلق لإيران وهي مسئولة عن إدارة مصالح شعبها وبلوغ أهدافها عملا بقوله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله…) واعتراضنا ينصب على تشبيه الاتفاق بصلح الحديبية، ليس إلا!!.
لسنا هنا في وارد سرد قصة صلح الحديبية تفصيلا حيث قمنا بتقديم التحليل الصحيح والصائب لهذه الواقعة في كتابنا (التاريخ السياسي للرسول الأكرم) إلا أننا نذكر ببعض التفاصيل المهمة.
أن يكون الصلح اضطرارا فمعنى هذا أن الرسول الأكرم توجه نحو مكة وفي عزمه وإرادته أن ينفذ هدفه ويبلغ غايته عبر القهر والإجبار.
يقول ابن هشام: وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في ذي القعدة من سنة ست معتمراً، لا يريد حربا.
واستنفر رسول الله صلى الله عليه وآله العرب ومَن حولَه من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى أن تعرض له قريش بحرب وأن يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدْي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناسُ من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائراً لهذا البيت ومعظِّما.
وساق معه سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة نفر.
ملاحظة هامة: هل قرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غزو مكة بسبعمائة رجل؟.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش، قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العُوذ المطافيل[1]، قد لبسوا جلود النمورِ، وقد نزلوا بذي طُوَى[2] يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قَدَّموها إلى كُراع الغميم[3] .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ويْح قريشا لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش، فوالله لا أزال أجاهدُ على الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفردَ هذه السَّالفةُ[4]، ثم قال: من رجل يخرج بنا عن طريق غير طريقهم التي هم بها؟ فقال رجل من أسْلَم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم طريقاً وعراً أجرَل[5]، بين شِعابٍ، فلما خرجوا منه، وقد شق ذلك على المسلمين وأفْضَوْا إلى أرض سَهْلة عند مُنْقطع الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: قولوا نستغفرُ الله ونتوبُ إليه، فقالوا ذلك، فقال: والله إنها لَلْحِطِّة[6] التي عُرضت على بني إسرائيل فلم يقبلوها.
يتضح تماما من هذا النص وغيره من النصوص أن النبي ص خرج معتمرا ليس معه سلاح هجومي ولا عدد يكفي لفتح مكة كما يبدو واضحا أن العدد المشار إليه شكل حصيلة عشرين عاما من الدعوة في مكة والمدينة وأن هدف التحرك كان كسر الحصار المفروض على الدعوة وليس أبدا الدخول عنوة إلى مكة!!.
كما يتضح أيضا أنه كانت هناك خطة إلهية كتلك التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقبلوها، فما هي؟!.
إنها تلك التي نفذت بأمر الله وإرادته!!.
تحقق للرسول ما أراد –إنفاذا للخطة الربانية- ومنها إجبار قريش على فك الحصار المفروض وهنا برز دور (البطل) عمر بن الخطاب المعترض على كل شيء باعتباره نائب الرسول بقوة الفرض والضجيج والتحريض على التمرد!!.
من أراد التفصيل فعليه بالكتاب المذكور.
انطلقت تلك الكلمة المشينة (علام نعطي الدنية في ديننا) والتحريض على معصية الرسول (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). المجادلة 8-9.
دكتور أحمد راسم النفيس
31/03/2021
[1] استعار العوذ المطافيل للنساء مع أولادهن . والعوذ هى الإبل حديثة النتاج والمطافيل التى معها أولادها.
[2] ذو طوى: موضع قرب مكة.
[3] كراع الغميم : موضع ببن مكة والمدينة.
[4] السالفة : صفحة العنق .
[5] الأجرل : كثير الحجارة. والجرد: الحجر.
[6] وهو قوله تعالى :)… وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ([لبقرة: 58] ومعناها الاستغفار من الذنوب بقولهم اللهم حط عنا ذنوبنا.