
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الحزب القرشي والحزب الشيعي!!
الحزب الشيعي بقي على ولائه للإمام علي عليه السلام
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الحزب القرشي والحزب الشيعي!!
السؤال الذي حاول البعض أن يُشكل به على شيعة أهل بيت النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله: هل كان هناك شيعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي أجبنا عليه في شريطنا المنشور على قناة اليوتيوب.
ما زال بعض الببغاوات يرددون (لا أؤمن بنظرية المؤامرة)!!.
شتان بين أن يكون كل ما يجري في هذا الكون مجرد مؤامرة دون أن يقدم لنا هؤلاء ما يكفي من معلومات أو تفسير عن طبيعة المؤامرة وما هي الأدلة أو القرائن المتوفرة حول هذه الفرضية، أو يكون كل ما يجري مجرد حوادث فردية أو سلسلة من المصادفات التي لا تشير إلى شيء!!.
هل هناك أعظم وأخطر من قضية الولاية على الأمة الإسلامية التي حُسمت حسب زعمهم يوم السقيفة بسبب هذا الاجتماع الطارئ الذي عقده ستة أشخاص من المهاجرين والأنصار والذي يزعم الزاعمون أنه كان محض مصادفة دعت إليها الضرورة الملحة والتي حولت مسار الأمة عن إمامة أهل البيت نحو مسار الخلافة (الراشدة) ثم الأموية؟!.
الملاحظة المهمة وهي أن الحضور كانوا ستة أشخاص ثلاثة من هنا وثلاثة من هناك أي أن كل طرف (المهاجرين والأنصار) كان ممثلا بصورة رسمية!!.
الذي نعتقد به جازمين أن مؤتمر السقيفة لم يكن مجرد صدفة أو اجتماع دون سابق تنسيق وإنما بإرادة وتدبير قرشي ليست مثلما قال سبحانه (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ)، وأن حقيقة الأمر هي خطة مدبرة لا علاقة لها بالمصادفات من قريب أو من بعيد!!.
من أين جئنا بهذه المعلومة؟!.
يروي ابن جرير الطبري في تاريخه:
حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال بينما عمر بن الخطاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم فلان أشعر وقال بعضهم بل فلان أشعر قال فأقبلت فقال عمر قد جاءكم أعلم الناس بها فقال عمر من شاعر الشعراء يا بن عباس قال فقلت زهير بن أبي سلمى فقال عمر هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت فقلت امتدح قوما من بني عبد الله بن غطفان فقال:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزؤون بها ليل إذا حشدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
فقال عمر أحسن وما أعلم أحدا أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله وقرابتهم منه فقلت وفقت يا أمير المؤمنين ولم تزل موفقا فقال يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد فكرهت أن أجيبه فقلت إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني فقال عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فقلت يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت فقال تكلم يا ابن عباس فقلت أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فقال عمر هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني فقلت وما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه فقال عمر بلغني أنك تقول إنما صرفوها عنا حسدا وظلما فقلت أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك حسدا فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون فقال عمر هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول وضغنا وغشا ما يزول فقلت مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله من قلوب بني هاشم فقال عمر إليك عني يا ابن عباس فقلت أفعل فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال يا ابن عباس مكانك فو الله إني لراع لحقك محب لما سرك فقلت يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى.
دعك إذا من الكلام على المصادفة ودعك أيضا من الحديث عن تسلسل الحدث بصورة طبيعية كما يزعم البسطاء فالرجل واضح تمام في حديثه عن خطة قرشية وضعها المهاجرون، قبل بها أو رضخ لها الأنصار (فقال يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟! فكرهت أن أجيبه فقلت إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني فقال عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت).
قريش هي التي كرهت وهي التي اختارت والأمر لم يحدث في تلك اللحظة وفي ذلك المكان ودعك من ترنيمات الشورى والديموقراطية التي يدندن بها القوم فتلك الأحداث تحتاج إلى خطة وتدبير وترتيب!!.
أما الرواية الأخرى للواقعة فيوردها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لم أزل لبنى هاشم، محبا فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فكنت أتردد إلى بنى هاشم وهم عند النبي صلى الله عليه وآله في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فأنى كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بنى ساعدة، وإذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى فأنكرت عقلي وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بنى هاشم والباب مغلق فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبى قحافة فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر أما إني قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.
وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فأرسلا إلى أبى عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا، ليقطعوا بذلك ناحية على بن أبى طالب. فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة، حتى دخلوا على العباس، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه، وقال: إن الله ابتعث لكم محمدا صلى الله عليه وآله نبيا، وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا فتوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكان أهلك ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بنى هاشم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم.
فاعترض كلامه عمر، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال: أي والله وأخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامتهم ثم سكت. فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله ابتعث محمدا نبيا، كما وصفت، ووليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم، مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا وسطا ولا نزحنا شحطا فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين، فما وجب، إذ كنا كارهين وما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك أنهم مالوا إليك، وأما ما بذلت لنا، فإن يكن حقك اعطيتناه فأمسكه عليك وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ولكن للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله من شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها وأما قولك: يا عمر إنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك ، وبالله المستعان.
الحزب الشيعي الذي بقي على ولائه للإمام علي عليه السلام كان مكونا ممن ذكرت أسماؤهم وهم المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا، وربما غيرهم إلا أنهم في واقع الأمر كانوا أقلية عددية كما أن الصراع كان محكوما بموازين القوى التي كانت تميل بشدة آنئذ لصالح قادة الحزب القرشي خاصة بعد أن تمكنوا من هزيمة الجناح السياسي للأنصار وإجباره على التراجع لصالح الحزب القرشي حيث اكتفوا بطرح مطلبهم (منا أمير ومنكم أمير)!!، ليأتيه الرد (هيهات هيهات سيفان في غمد!!).
إنها لغة السلطة والقوة وليست أبدا لغة الشرع ولا العقل ولا مصلحة الأمة المنكوبة بهؤلاء.
الحزب القرشي تمكن بعد فوزه في معركة الإمساك بالسلطة من تطوير الأسماء والعناوين فاختار لنفسه لاحقا اسم أهل السنة في مقابل الحزب الشيعي الذي تعرض للقصف والعصف والإبادة من يومها وإلى الآن.
لا فارق بين ذلك المشهد الذي جرى وضع قواعده الأولى يوم السقيفة وبين المشهد السلطوي والاجتماعي في مجتمعاتنا المعاصرة التي تزعم زورا الانتساب إلى الإسلام وتتلاعب بمصطلحات الديموقراطية واحترام إرادة الشعب وتزعم أيضا ألا شعب إلا (أنا الشعب) والسلطان والصولجان ولا أنا إلا (أنا السلطة القابضة الباسطة).
دكتور أحمد راسم النفيس
20/08/2022