مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون والمعضلة الحضارية!!

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون والمعضلة الحضارية

منذ نشأتي لا يزال السؤال مطروحا أمامي عن السبب الكامن وراء حال التخلف الحضاري التي تعاني منها أمتنا.

لا شك أن كلمة حضارة تشكل عنوانا واسعا وفضفاضا يشمل السياسة والاجتماع والعلم والأخلاق والعمارة وصولا إلى نظافة الشوارع ومعضلة تراكم القمامة التي عجزنا عن إيجاد حل ناجع لها.

ولأن التيار الأقرب لنا يومها كان هو التيار الإسلامي المتمثل في جماعة الإخوان كان جواب السؤال لديهم بسيطا وسهلا ومختزلا مفاده أن المسلمين قد ابتعدوا عن دينهم وأن الطبقة الحاكمة الموالية للغرب هي سبب هذا التخلف وعلينا استبعاد هذه الطبقة وإعادة اعتناق العقيدة الإسلامية عبر الانضواء تحت لواء الجماعة الكفيلة بإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية واستعادة أمجاد الأمة الضائعة!!.

بعد نصف قرن من الانفراد الإخواني بالساحة اكتشف القوم أن ثمة إضافة (مهمة) لا بد من طرحها وهي التيار الوهابي المسمى بالسلفي والذي يدعي أنه الأقرب للالتزام الحرفي بنصوص الدين وهو ما يعني حسب وجهة نظرهم أنه الخيار الأمثل وليس جماعة الإخوان التي أتقنت فنون الانتهازية السياسية!!، ليتبين بعد ذلك أن المستجير بعمرو كالمستجير من الرمضاء بالنار!!.

الجماعة الوهابية السلفية طرحت نفسها كطريق موثوق للعودة إلى الدين عبر الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح بدءا من الجلباب الذي يتعين تقصيره وقص الشارب وإعفاء اللحية ونتف شعر الإبط وقد بلغ هذا التيار ذروته في أعقاب ثورة 25 يناير حيث أوكل الإخوان مهمة وضع دستور مصر لياسر برهامي ممثل هذا التيار الممثل الشرعي والوحيد للمملكة الوهابية.

النتيجة هي ما نراه الآن حيث يتضور الناس ألما يبحثون عن مخرج لما هم فيه من معاناة.

طبعا لا يقتصر الأمر على من ذكرناهم فهناك العلمانيون الذين يقدمون لنا وصفة ليست أقل سطحية وتفاهة مما يطرحه الإسلاميون فهم يتحدثون بأريحية وطلاقة عن فصل الدين عن الدولة بل ويذهب الشطط ببعضهم حد مطالبتنا بالإلتحاق بالغرب وثقافته وكأن الغرب أنجز كل شيء وفصله تفصيلا ويتجاهلون أن الحروب الغربية الغربية قد أكلت أخضرهم ويابسهم وأهلكت عشرات ملايين البشر.

الحضارة هي عنوان حقيقي وهو أشمل من معضلة الديكتاتورية والتسلط التي يعيشها المسلمون ومعضلة التراجع الحضاري لن تحل تلقائيا بمجرد استبدال نظام جائر بنظام أقل جورا حيث يتعين علينا أن نقدم جوابا مقنعا عن سؤال لماذا نعاني ما نعانيه.

تكمن أهمية الحصول على جواب شاف في رسم خارطة السير وصولا لمعرفة ما يتعين فعله وما يتوجب تركه كما يقول الإمام علي عليه السلام (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ).

ليس من العقل ولا من المنطق أن تلجأ إلى من أسهم بوافر جهده في تدمير حضارتنا وفشل في تأسيس بناء حضاري إذ ربما تنجح إحدى هذه المحاولات ونرى شجرة الزقوم تطرح العنب والزيتون والرمان!!.

هل كان منطقيا أن نلجأ إلى الأتراك العثمانيين طالبين راجين منهم أن يتفضلوا علينا بإعادتنا إلى ركب الحضارة وهم الذين حكمونا بصورة مطلقة لمدة أربعة قرون قبل أن يجبروا على إطلاق سراحنا بداية القرن العشرين ويتركونا على قارعة الطريق نبحث عن طريق موصل لهذه الحضارة؟!.

لا يصح هذا في عقل أو منطق اللهم إلا في عقل من لا عقل له وهؤلاء كثيرون يحيطون بنا من كل ناحية.

كيف يمكننا النهوض الحضاري ومدرسة السقيفة الفكرية الدموية ما تزال مهيمنة على فضاء الفكر وهي التي تبيح سفك دماء الأبرياء الذين يرون علي بن أبي طالب إمام الأمة وباب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه سلام الله عليه بوابة كل العلوم والحكم فهو صاحب القول (أخبرني رسول الله بألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب).

أما إذا تحركنا صوب النتاج الحضاري الذي قدمته لنا مدرسة السقيفة فسنرى أن منهج هدم أي حضارة لا تعتمد تقديس رموز هذه المدرسة هو السائد فهدم حضارة مصر الفاطمية من وجهة نظر هؤلاء هو عمل عظيم ومقدس لأنهم لم يكونوا يمارسون العبودية والتقديس والاتباع للخلفاء الثلاث ولا يهم أن عدنا إلى الوحشية والإقطاع العسكري والقتل على الهوية والمعتقد.

البعض يعتقد أن الطريق إلى الوحدة الإسلامية يمر عبر اختراع خلطة عقائدية يمتزج فيها الشامي بالمغربي (كناقل الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ، يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لَا يَلْتَصِقُ وَيُقَرِّبَ مَا لَا يَتَقَارَبُ) زاعما أن فلسفة ابن رشد هي الأب الشرعي لفلسفة أهل البيت المعاصرة متكئا على انبهار الناس بالمصطلحات متجاهلا أن هذا النوع من الربط لا يعدو كونه مجرد تلفيق لا وزن له ولا اعتبار.

وإذا كنا قد عجزنا عن تحديد مسار لإعادة البناء الحضاري فنحن أعجز عن تأسيس مسار للإصلاح السياسي في عالمنا الإسلامي المحبط المتخبط واليائس!!.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏21‏/06‏/2023

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى