مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: أوباما المنتظر!!

نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 7-4-2009

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: أوباما المنتظر!!

نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 7-4-2009.

دكتور أحمد راسم النفيس

ما إن انقضت صفحة المحافظين الجدد برهاناتها الحربية الخائبة وبدأت صفحة الليبراليين الجدد بقيادة باراك أوباما حتى انطلقت الأصوات تشيد (بأوباما المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها جورج بوش ظلما وجورا) بدءا من فريق (المراهنين القدامى) الساعي لتحسين علاقة يظنونها أبدية ودائمة لا تحول ولا تزول ولا يجري عليها الأفول وصولا إلى فريق (الطامحين الجدد) الباحثين عن فرصة لم يوفرها لهم العهد السابق!!.

ولأن الكل يبحث عن ضوء خادع في نهاية النفق فقد انهالت المدائح من كل حدب وصوب على السيد (اوباما) الذي أصبح فجأة قادرا على تلبية رغبات الجميع مهما كانت درجة تناقضها أو انعدام قدرته على تنفيذها!!.

من أعجب ما قرأت عن أخبار جماعة (أوباما المنتظر) خبرا يقول:

(الأمريكان سألوا الوفد السياسى المصرى عن تهريب الأسلحة والمدونين وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية والبهائيين والإخوان وممارسات الشرطة.. واقتنعوا بالردود)!!.

المطمئنُ في الأمر (أنهم اقتنعوا بالردود) ودليل ذلك أنهم شكروا الوفد وأعطوه شهادات تقدير!!.

لم يذكر النص السابق أن الأمريكان قد سألوا (السياديين الجدد) عن أحوال الشيعة في بر مصر لأنهم سألوا عنها بأنفسهم والعهدة على جريدة القدس العربي التي تحدثت عن: (لقاء تاريخي “؟!” تم بين مسؤول ملف حقوق الإنسان في الخارجية الأمريكية مع الأمين العام لما يسمى بالمجلس الأعلى لآل البيت بدا خلاله وايت شغوفا بمعرفة كل ما له علاقة بالملف الشيعي في مصر).

ومع هذا ورغم كل هذا يبدو السيد محمد كمال أمين التثقيف واثقا وسعيدا حيث صرح إثر عودته من الجلسة المشار إليها: أن التغيير فى نهج الإدارة الأمريكية جاء بمثابة أخبار سيئة لعدد من التنظيمات والأفراد الذين كانوا ينتفعون من أسلوب إدارة بوش فى التعامل مع مسألة الديمقراطية، وقال إن هؤلاء وجدوا أن الجهد الأساسي الذى كان يدر عليهم نفعا لم يعد محل اهتمام من الإدارة الجديدة مما سبب لهم الإحباط واعتبر تكتل هذه المنظمات والأفراد أخيرا وراء خطاب قدموه للرئيس أوباما، يدعوه إلى تغيير نهجه فى قضية نشر الديمقراطية والإصلاح فى الشرق الأوسط، بمثابة «النفس الأخير» لدى هذه المجموعات لمحاولة تغيير توجهات هذه الإدارة.

كما لفت السيد كمال انتباه إدارة (أوباما المنتظر) إلى الأسلوب الذي ينفع في التعامل معنا وهو: أسلوب الحوافز الإيجابية بعد أن أخفق أسلوب العقوبات والشروط وأوضح أن هذه الحوافز تتمثل فى الإشادة المستحقة بجهود الإصلاح الإيجابية وعدم اللجوء إلى وضع الشروط وتشجيع وتنمية العلاقات التجارية.

فات السيادي الكبير أن من أعطاك يمكن له أن يمنعك وأن من مدحك وأشاد بك من حقه أن يذمك!!.

أما الأهم في تلك التصريحات أنها تمثل دعوة مباشرة للمزيد من التدخل في شئوننا الداخلية ولكن (بالأسلوب الذي ينفع معنا) على أن يكون الدخول والخروج حصرا من خلال حراس (البوابة الغربية للأمة العربية المشرعة) الذين أبلوا بلاء حسنا في الرد على كل ما طرح عليهم من تساؤلات عن الإخوان والبهائيين والمدونين والسنة والشيعة واتحاد الشرطة والأهلي والزمالك!!.

على الناحية الأخرى كان المنتظر أوباما يتقدم بمبادرة للسلام مع قادة (الجمهورية الإسلامية في إيران) داعيا للبدء في حوار نزيه يمكن من خلاله تجاوز الخلافات بين البلدين.

لم يتأخر الرد الإيراني الذي أطلقه قائد الثورة الإيرانية بقوله: “انهم يطلبون منا التفاوض واعادة العلاقات الدبلوماسية. ويتحدثون عن التغيير. ولكن ما الذي تغير؟ اين هي علامات التغيير؟، هل رفعتم العقوبات المفروضة على ايران؟ هل افرجتم عن ارصدتنا المحجوزة في الولايات المتحدة؟ هل اوقفتم الدعاية المعادية لبلادنا؟ هل اوقفتم دعمكم غير المشروط للنظام الصهيوني؟”.
تغيروا وسنتغير

وفي عبارة تلخص الموقف الإيراني من (العرض الأمريكي) قال آية الله خامنئي: تغيروا وسيتغير موقفنا. وإذا لم تغيروا موقفكم فلتدركوا ان شعبنا أصبح اقوى خلال السنوات الثلاثين الماضية وانه سيواصل المقاومة واضاف: شعبنا لا يقبل ان يقدم اليه اقتراح بالتفاوض وفي الوقت نفسه يتم التلويح بالتهديد والضغط. لا يمكنكم الحديث معنا على هذا النحو.
وتابع قوله: نحن لا نرى اي تغيير وحتى العبارات المستخدمة لم تتغير. وإذا كنتم صادقين فلماذا لا نرى تغييرا. وعلى المسؤولين الاميركيين ان يدركوا انه لا يمكن خداع الشعب الايراني وإخافته. ان التغيير على مستوى الكلمات ليس كافيا بل يجب ان يكون حقيقيا.

عرض مضاد
يقول المراقبون أن خامنئي أرسل في كلمته (عرضا مضادا) الى الولايات المتحدة ردا على رسالة اوباما. وأنه فتح الأبواب امام الولايات المتحدة وحدد طريقا واضحا لهم موضحا كيف يمكنهم بدء عمل حقيقي بشأن ايران.
هل تغير العالم؟!

قبل أعوام قليلة لم يكن للبعض من شغل إلا الحديث عن الضربة الأمريكية القاضية الآتية لا ريب فيها لإيران وهي الضربة التي راهن عليها الإسرائيليون وعرب الاعتدال.

كان الرهان يومها على إسقاط النظام الإيراني وتقسيم إيران إلى دويلات إلى آخر ما هو مكتوب ومدون حتى هذه اللحظة على صفحات الشبكة العنكبوتية.

تمثل الرد الإيراني في بناء قوة رادعة للدفاع عن النفس في مواجهة التهديد المحتمل وهو عمل لم يبدأ عشية مجيء جورج بوش الإبن وإعلانه إيران عضوا في محور الشر بل بدأ منذ أن شن النظام الصدامي عدوانه على الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثة عقود مدعوما من القوى المتحالفة الآن تحت عنوان (الاعتدال العربي).

التحول الأمريكي الذي كشف عنه أوباما والذي فاجأ حلفاءه بما لم ينتظروا لم يأت بين عشية وضحاها بل جاء كاشفا عن محصلة هذا الصراع الطويل الذي دارت الكثير من فصوله وراء الكواليس دون أن تتمكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة من حسمه وفقا لما تريد!!.

وبينما راهن عرب الاعتدال بكل رأسمالهم السياسي على نجاح المشروع الأمريكي الهادف إلى تغيير خريطة المنطقة لصالح الرؤية القائمة على أبدية التفوق الأمريكي المطلق وأبدية المشروع الصهيوني وحتمية التصالح والاندماج معه في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي روج له شمعون بيريز من قبل وما يرتبه ذلك من تعاون اقتصادي وسياسي وأمني لا مكان فيه لقوى المقاومة ولا لمن يدعمها, إلى آخر ما ما يردده أنصار هذا المشروع حتى الآن من أفكار عبر أدواتهم الإعلامية.

تبين بعد كل هذه الأعوام أن أنصار مشروع بيريز من الأمريكان وحلفائهم لا يملكون القوة الكافية لفرضه في الساحة خاصة بعد التراجعات الكبرى التي لحقت بهم في لبنان وفلسطين وأن معارضي هذا المشروع ليسوا على هذه الدرجة من الضعف التي تجبرهم على الخضوع للضغوط والإملاءات.

يمكننا القول إذا أن (عرض الصلح) الذي طرحه أوباما على إيران يعني نهاية مرحلة المشاريع والأوهام الكبرى وأن الولايات المتحدة قد دخلت مرحلة اللا يقين بحثا عن حلول واقعية لأزماتها الكبرى السياسية والاقتصادية وأن رهان البعض على ما قد تقرره عاصمة القرار العالمي الكبرى ليس رهانا على (مهدي منتظر يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا) بل هو رهان على (بابا نويل) الذي لم يعد يملك الكثير ليعطيه للسياديين القدامى والجدد سوى بعض الترضيات اللفظية التي لا تقدم ولا تؤخر ولأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

دكتور أحمد راسم النفيس

‏23‏/03‏/2009

‏27‏ ربيع الأول‏ 1430

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى