
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون و فقه الإحراق بالنار!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: المسلمون و فقه الإحراق بالنار
كتب هذا المقال قبل اثنتين وعشرين عاما من الآن ونشر في جريدة القاهرة ولذا نرى مفيدا للغاية إعادة نشره، كما هو، في هذه الأوضاع القاتمة التي تمر بها أمتنا على أن نكمل الموضوع في مقال آخر إن شاء الله تعالى.
د أحمد راسم النفيس
01/06/2025
المقال:
ليس المسلمون وحدهم هم الذين ابتلوا بهذا النوع من السلوك الهمجي الذي مارسته الكنيسة في الغرب ضد المخالفين في الرأي أو المتهمين بالهرطقة.
لا يهم من فعل هذا و من لم يفعله فالسؤال المطروح علينا هل كانت هذه الهمجية يوما ما جزءا من ديننا؟؟.
المهم أنني طالما سمعت تلك الأسطورة القائلة أن علي بن أبي طالب جيء إليه بجماعة من غلاة الشيعة الذين قرروا عبادته لأسباب يراها ابن تيميه ممتدة في كل من يتشيعون لأهل البيت و هكذا فقد التقى الإدعاء السياسي و الفكري مع ذلك النص الذي رواه محمد بن إسماعيل البخاري و العهدة على موقع www.amcoptic.com الذي عرض النص و معه فتح الباري في شرح صحيح البخاري كدليل لا يقبل التأويل على أن هذا هو أسلوب المسلمين المفضل في التعامل مع خصومهم في الرأي.
وبالتأكيد لن نطالب أحدا ممن يستميتون في الصباح والمساء من أجل إثبات أن كل ما ورد في هذا الكتاب من روايات وأخبار وأساطير كانت كلها مما فتح به الباري على الشيخ البخاري من دون العالمين ولن نطالبهم بتقديم تفسير ولا تبرير لأنهم سيفعلون!، ولا يهم كيف كما أنهم سيكونون مستعدين بعد شرح هذه الأسطورة و محاولة تفسيرها أن يسارعوا إلى ندوة الحوار الإسلامي الأوروبي أو الأمريكي أو لحضور مأدبة الوحدة الوطنية والحديث عن عظمة هذا الدين وسماحته و أن اللوم كل اللوم يقع على المتطرفين البن لادنيين لا على هؤلاء المقدسين الذين أدوا ما عليهم لله رب العالمين!!:
الرواية قال (حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه).
إنها رواية غريبة تناقض بصورة تامة وصيته بعد أن طعنه عبد الرحمن بن ملجم المرادي بقتل قاتله ضربة بضربة و نهيه سلام الله عليه عن المثلة و لو بالكلب العقور “يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لاَ أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً، تَقُولُونَ: قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. أَلاَ لاَ تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي. انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هذِهِ، فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَة، وَلاَ يُمَثَّلُبِالرَّجُلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: “إِيَّاكُمْ والْمُثْلَةَ وَلَوْ بَالْكَلْبِ الْعَقُورِ”.
و الأدهى من ذلك كله أنها تناقض ما هو ثابت عن سيرته في التعامل مع المنشقين عليه فكريا و سياسيا فقد روى ابن جرير الطبري أنه قال (إن جائيا جاءني مرة فقال لي في أصحابك رجال قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم فقلت إني لا أخذ بالتهمة و لا أعاقب على الظن و لا أقاتل إلا من خالفني و ناصبني و أظهر لي العداوة و لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه فإن تاب و رجع إلينا قبلنا منه و هو أخونا و إن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا عليه الله و ناجزناه فكف عني ما شاء الله ثم جاءني مرة أخرى فقال لي قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب الراسبي و زيد بن حصين إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما عليها حتى تقاتلهما أو توبقهما فلا تفارقهما من حبسك أبدا فقلت إني مستشيرك فيهما فماذا تأمرني به قال فإني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما فعلمت أنه لا ورِع و لا عاقل فقلت و الله ما أظنك ورعا و لا عاقلا نافعا و الله لقد كان ينبغي لك لو أردتُ قتلهم أن تقول اتق الله لم تستحل قتلهم و لم يقتلوا أحدا و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك) تاريخ الطبري ج5 ص 131.
و قد تكرر نفس هذا المشهد مع آخرين أشاروا بشن حملة اعتقالات على بعض قادة الخوارج فقال عليه السلام (إنا لو فعلنا هذا بكل من نتهمه من الناس ملأنا سجننا منهم و لا أراه- يعني الوثوب على الناس و الحبس و العقوبة- حتى يظهروا لنا الخلاف) الطبري ج5 ص 115.
و الواقع أن هذه الرواية و رواتها و خاصة عكرمة مولى ابن عباس الذي تواترت الأخبار (انظر المعارف لابن قتيبة) بأنه كان يذهب مذهب الخوارج و يكثر من الكذب على ابن عباس ما يجعلنا نعرض عن هذا النوع من الروايات المختلقة التي تريد أن تظهر الإمام عليه السلام في صورة جبار لا يختلف عن النمروز الذي وضع إبراهيم عليه السلام في النار و تجعل من ابن عباس الذي كان تلميذا مخلصا للإمام في موقع الناقد الرافض لمثل هذا التصرف الوحشي القاسي الذي يقول لو كنت أنا مكانه لفعلت كذا و كذا أو لم أفعل كذا و كذا و حاشا لابن عباس أن يقول مثل هذا الكلام ناهيك عن أن هؤلاء المفسرين حاولوا أن يزجوا في القصة بعبد الله بن سبأ تلك الأسطورة التي لا أصل لها و التي تكشف عن الغرض الأصلي وراء تأليف تلك القصة ألا و هو الطعن على الإمام و على شيعة أهل البيت عليهم السلام و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إذا فنحن نعتقد أن تلك الأسطورة من بدايتها إلى نهايتها هي من تأليف و تلحين المدعو عكرمة مولى ابن عباس و أجازها البخاري لأسباب لا تخفى على اللبيب و يدفع المسلمون كلهم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ثمن السكوت عليها.
إذا فاستمرار الحديث الإنشائي المرسل من قبل هؤلاء السادة عن عظمة الإسلام و سماحته و تسامحه مع أصحاب الرأي المخالف في مقابل التحريض على القمع و المصادرة و اجتثاث هذا الآخر المسلم (من تحت لتحت) ذلك الآخر الذي لا يجد ناصرا إلا الله و لا يمتلك من أدوات الدعاية و الإعلام و القمع و التحريض ما يمتلكون و أن اللوم يقع على الآخر الذي يخطط و يربط للقضاء على الإسلام و إبادة أهله أو على المستشرقين الخبثاء الذين يفترون على السنة المشرفة إلى آخر تلك المعزوفات الدعائية البائسة التي لا تغير شيئا من الواقع و لا تلغي العبء الواقع على أهل الإسلام و مفكريهم و علمائهم في غربلة تراثهم بعيدا عن تلك النعرة القبلية العنصرية المذهبية و الازدواجية الأخلاقية التي وضعتنا في ذيل الأمم و أحلتنا دار البوار.
دكتور أحمد راسم النفيس.
16-12-2003.