مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: وعي الشارع وغوغائية النخب!!

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: وعي الشارع وغوغائية النخب!!

 

مقال قديم يبدو واضحا من تاريخه أنه كتب قبيل نهاية العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 ونشر في جريدة القاهرة في ذلك التوقيت ردا على الأبواق التي هاجمت حزب الله وكل من يؤيده.

أحمد راسم النفيس

‏12‏/10‏/2019

 

المقال

ما زالت بعض النخب تبكي وتتباكى على غوغائية الشارع العربي وسهولة انقياده لكل من يرفع شعارات الثورة والجهاد ضد  الصهيونية وهي شعارات يرى هؤلاء السادة الأماجد أنها قد أصبحت خارج الزمان والمكان (old fashion) وآن الأوان للاستغناء عنها وإلقائها في مزابل التاريخ العربي المجيد!!.

عن أي شارع عربي يتحدثون؟!.

ولماذا يبكون ويئنون ويتوجعون رغم أنهم في كل الفضائيات حاضرون وفي أغلب الصحف يكتبون ورغم أن بعضهم يشكو ويتوجع من ثقل العبء الملقى عليه جراء كتابة المقالات في خمس صحف عربية أو يزيدون؟!.

فلماذا بقي الشارع العربي غوغائيا رغم أنهم قادته الذين يكتبون ويتكلمون لا يفترون.. ورغم ذلك فهم لا يؤثرون ولا يُقنعون والسبب في ذلك أنهم عن السمع لمعزولون وأنهم لا يتأثرون بما يجري حولهم ولا بما جرى قبلهم (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون).

الأمر لم يقف عند حد توجيه الاتهامات لتلك الخراف التي تمردت على رعاتها بل تعداه إلى حرب الكواكب والنجوم التي انقسمت بدورها إلى قسمين قسم يكتب في خمس صحف أو يزيدون على يمين فريدمان وشمال كيسنجر وقسم يكتب في صحيفة واحدة أو ينقصون حيث كتبت إحدى النسوة اللاتي قطعن أيديهن من كثرة التأليف والكتابة: (ما هو السحر الخاص الذي تمارسه المجموعات والميليشيات المسلحة المحاربة لأميركا واسرائيل وذات العقيدة الدينية على كوكبة الاحزاب والنخب والشارع؟ هل هي لعبة اعلامية فقط أم كيمياء عربية خاصة جداً، تتفاعل فيها الكوكبة مع الاعلام!؟).

الأمر إذا ليس مجرد غوغائية الخراف المتمردة على حكمة رعاة الإبل بل هو سحر وكيمياء وما عسى يصنع العلمانيون العقلانيون في مواجهة السحرة والمشعوذين؟؟!!.

لماذا فقد قادة الإعلام العربي قوة التأثير أو ظهر جليا أنه لم يكن لهم أي تأثير في نفس التوقيت الذي فقد فيه جيش (الدفاع) الإسرائيلي قوة الردع فانهالت الاتهامات المتزامنة على الشارع العربي (بالغوغائية) وعلى المقاومة اللبنانية بأنها جماعة (إرهابية) وكأن قدر الفريسة أن تذعن وتستسلم حرصا على مشاعر قادة الرأي العام العربي وجنرالات الجيش الإسرائيلي.

من ناحية أخرى فليس هناك شارع عربي واحد بل هناك عدة شوارع من بينها شارع ثقافة التهييج الذي تحدثنا عنه سابقا والذي تستخدمه النظم العربية في حرب المماحكات الحضارية مع الغرب سواء في الأزمات الكاريكاتورية أو في أزمة إمامة المرأة للصلاة والتي أبدعت وتفننت فيها النظم وأدواتها الإعلامية في التكتيكات القتالية كي تقول للغرب أن الديمقراطية لا تفرض وأن الديكتاتورية والتسلط هي جزء أصيل من ثقافتنا وأننا نمسك بزمام هذا الشارع ونحول بينه وبين الصراخ في وجوهكم وأننا نحول بين الناس وبين التهام الجبن الدانماركي بأنيابهم وأسنانهم في حين يرحب هؤلاء بنزع السلاح العربي بالقوة ويرون في رفض الشارع لمؤامرة الفتنة الطائفية غوغائية ما بعدها غوغائية!!.

الغوغائيون العرب عفوا أعنى تلك النخب أبدعوا عندما فرضوا على الغرب معادلة الجُبن الدانماركي في مقابل السلام فلم يبق لهم إلا الجُبن من دون ان يحصلوا على ذلك الشيء المسمى سلام!.

هل أتاكم أيها (السادة) نبأ قيام إسرائيل باعتقال عزيز الدويك رئيس البرلمان الفلسطيني لتعرفوا قيمة (سيادتكم) ومدى الاحترام الذي يحظى به حضراتكم عند الإسرائيليين يا من تدعون حزب الله (لاحترام سيادة الدولة اللبنانية)؟!.

الشارع العربي أثبت أنه أكثر وعيا من تلك النخب التي عملت طويلا وأنفقت كثيرا على تأجيج الصراع الطائفي المذهبي بين أبناء الأمة الواحدة عندما تضامن مع (حزب الله الشيعي) في موجهة العدوان الإسرائيلي متجاهلا فتاوى الحقد والكراهية التي أنفق على ترويجها المليارات من أموال المسلمين ليؤكد لكل هؤلاء أن فطرته ما زالت سليمة وأن النخب التي روجت وتلك التي سكتت وغيرها التي تعالمت رغم جهلها هي من يحتاج إلى إعادة النظر في مسلماتها ومواقفها الأخلاقية والسياسية.

الشارع العربي (الغوغائي) للأسف الشديد (على النخب لا على رجل الشارع) أثبت أنه أكثر وعيا من تلك النخب المترفة أو (هي أقل منه وعيا) فبائع الفاكهة المتجول لم يقتنع للحظة واحدة بتلك الدعايات الطائفية السمجة عندما امتدح حزب الله معللا ذلك بسبب لا يخطر على بال أحد وهو أن حزب الله (تبع إيران وأن الإيرانيين مسلمون حقيقيون)!!.

أما صديقنا الطبيب اللامنتمي فقد رد على من حاول إقناعه بأن حزب الله رافضي كافر بالقول (لو أن أبا لهب وأبا جهل خرجوا لقتال إسرائيل سأصبح كافرا مثلهم)!!.

لقد أسقط بائع الفاكهة وصديقنا اللامنتمي بتلك الكلمات الموجزة تلال الترهات الطائفية السفسطائية التي ما يفتأ البعض يعيدها ويكررها وحولوها إلى رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف رغم أن من ساندوا الحملة الإسرائيلية البربرية كانوا يرونها رواسي شامخات وأثبت رجل الشارع (الغوغائي) المستند إلى فطرته أنها مجرد أوهام لا أكثر ولا أقل.

إذن فهناك شارع عربي آخر يرفض القبول بمسخ فطرته وأن هذا الشارع يتلهف إلى من يقوده ويوجهه كما أنه كشف عن عمق أزمة تلك النخب ونرجسيتها المفرطة وأن هذه النخب كانت في حقيقة الأمر تحدث نفسها وتنظر في مرآتها طيلة العقود الماضية.

من حقنا أن نسأل نخبنا الثقافية المرهقة بالتجول بين الصحف والمجلات والفضائيات والإذاعات عن دورهم في وأد ثقافة التحريض والفتنة ولماذا تجاوزهم رجل الشارع وأثبت أنه أكثر منهم وعيا بالرغم من ندرة المعلومات التي تصل إليه عبر تلك الصحف والمجلات المحشوة بمقالات سد الحنك وملء الفراغ والتي لا تعينه على معرفة الفارق بين الشيعي والشيوعي ولا تجيب على تساؤله الملح عن سر إصرار البعض على مطالبة حزب الله باحترام سيادة الدولة اللبنانية في نفس الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل باعتقال رئيس برلمان عربي منتخب؟!.

فمن الذي ينتهك (السيادة) أيها (السادة)؟!.
مدرسة المشاغبين والناظر صلاح الدين

إذا كانت مدرسة الناظر صلاح الدين لا تخرج إلا هؤلاء الغوغائيين المشاغبين رغم أن من يدرس بها هم أعظم المدرسين وهم من يدرسون في نفس الوقت في مدرسة الظاهر برقوق والظاهر بيبرس والظاهر قلاوون كما أنهم يمتلكون القدرة على التكيف مع كل الظواهر السياسية باستثناء تلك الجهادية فعلى من إذا نلقي عبء هذا الفشل؟!.

على المناهج أم على المدرسين أم على التلاميذ الفاشلين العاجزين عن ملاحقة أساتذتهم النابغين؟!.

لا شك أن منطق العدل والإنصاف يقضي بأن نغير التلاميذ ونفني قوما ليأتي آخرون يفهمون ويعقلون وبحكمة ونصائح قادة الرأي العام الفاشلين يعملون ويهتدون!!.

تغيير الوجهة

إنه عنوان الغزوة الإسرائيلية الفاشلة والتي انتهت بالفعل بتغيير وجه العالم العربي والإسلامي وأحالت وجه الأسد الإسرائيلي إلى حفر وشوارع ومطبات مهما ادعى عكس ذلك.

آن الأوان ومع تلك التحولات العميقة والخطيرة أن تراجع نخبنا المقدسة طرحها وثقافتها وأن تدرك أنها قد أصيبت هي الأخرى بشظايا عملية تغيير الوجهة ولم يعد يجدي عمليات شد الوجه وأن المثقف القائد هو من يسبق الأحداث ببصره وبصيرته ولا يتصرف بتلك الطريقة المتعجرفة التي أدمنها البعض اطمئنانا لموقعهم الحصين على يمين فريدمان وشمال كيسنجر فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وتلك الأيام نداولها بين الناس ولأن دوام الحال ضرب من المحال.

دكتور أحمد راسم النفيس

13-8-2006.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى