مقالات النفيس

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب… كيسنجر وما بعد كورونا: من يكتب بيده شهادة موته؟!

دكتور أحمد راسم النفيس يكتب… كيسنجر وما بعد كورونا: من يكتب بيده شهادة موته؟!

كمية لا بأس بها من الضجيج حظيت بها مقالة هنري كيسنجر التي قيل أنه تحدث فيها عن نظام عالمي جديد.

الملاحظة الجوهرية حول كلام الثعلب الأمريكي أنه لم يتحدث عن نظام جديد وكل ما هنالك أنه أكد أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية قد تمتد تأثيرها إلى أجيال حيث لا يمكن لأي دولة ولا حتى الولايات المتحدة، التغلب على كورونا من خلال جهد وطني محض.

أي نظام عالمي جديد تحدث عنه كيسنجر؟!.

دعا الرجل إلى (تحسين أوضاع الاقتصاد العالمي)، فالأزمة الاقتصادية الحالية أكثر تعقيداً من غيرها، والانكماش الذي سببه الفيروس نظراً إلى سرعته ونطاقه، ليس له مثيل في التاريخ، وبينما تشكل تدابير الصحة العامة مثل التباعد الاجتماعي، وإغلاق المدارس والشركات ضرورة ملحة، فإنها تفاقم الضرر الاقتصادي”.

كما دعا أيضا “لحماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي، إذ تعد الحكومة الحديثة التي يُعبَّر عنها كمدينة مسورة يحميها حكام أقوياء، وأحياناً مستبدون، وأحياناً أخرى أخيار، قوية دائماً بما يكفي لحماية رعاياها من عدو خارجي”.

لا شك أن الترويج لكلام الرجل وكأنه دعوة إلى (نظام عالمي جديد) يعد مبالغة صارخة لا معنى لها بينما نحن نعيش وسط عالم من البلايا والرزايا والأحزان!!.

ورغم حالة الاضطراب والقلق والذعر التي تعيشها المنظومة الكونية كلها فلا أحد يرغب في الإقرار بوجود كوارث وأخطاء أو أن ثمة ما يحتاج لإعادة نظر والكل يعاند أو هو من الأساس لا يرى ما يحتاج إلى تصحيح وأن كل شيء على ما يرام وجميع المسائل تمام التمام!!.

لا أحد يكتب شهادة وفاته بنفسه والكل ما يزال متمسكا بالأمل الزائف وأنه رجل المرحلة الحالية والآتية حتى نهاية التاريخ.

يبدو هذا واضحا في كلام الثعلب العجوز ومطالبته بحماية النظام الليبرالي رغم أن هذا النظام يعد مسئولا عن الفشل في التعامل مع الجائحة كونه نظاما يهدف لتحقيق أكبر قدر من الربح على حساب القيم الإنسانية.

النظام العالمي الحالي يقوم على أساس الظلم والقهر العرقي والديني وسلب الشعوب إرادتها وأرضها ومقدساتها الدينية وبدلا من أن يطالب الثعلب الأمريكي بتصحيح هذه المظالم نراه يطالب بحماية الليبرالية التي هي ليبرالية مالية لصالح المهيمنين على سوق المال وليبرالية اجتماعية تعمل لاقتلاع الثوابت الأخلاقية للمجتمعات ليصبح الجميع في الفساد سواء.

لست ممن يعتقدون أن قرارا بتغيير شكل النظام الاقتصادي أو السياسي يمكن أن يعدل بنا عن طريق الأشواك إلى طريق الأمن والسلام بعد أن خضنا هذه التجارب والتحولات فالعبرة الأساس في نجاح النظم أو فشلها تكمن في مصداقية القائمين عليها وعدالتهم.

ما تزال البشرية تحن وتشتاق إلى (بقية الأبرار)K يقودونها إلى شاطئ النجاة والأمان وكما قال الإمام علي بن أبي طالب ع (وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ وَذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ وَضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ).

النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما الثقافية والأخلاقية ليست أثاثا جاهزا يجري استيراده على عجل من أمريكا أو روسيا أو الصين كما يزعق البعض الآن فهو لا يختلف شيئا عن صناعة سفينة النجاة سفينة نوح عليه السلام، (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).

صناعة سفينة النجاة هي صناعة المستقبل الذي لا يمكن تحقيقه إلا على يد المؤمنين بالعدالة المطالبين بها لأنفسهم ولغيرهم.

دكتور أحمد راسم النفيس

4/15/2020

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى