دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الصراع على القدس بين مشروعين: الإسلامي واليهودي!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: الصراع على القدس بين مشروعين: الإسلامي واليهودي
بسقوط الإخوان في مصر اعتبر البعض أن المشروع الإسلامي قد سقط في العالم بأسره لصالح ما يسمى بالمشروع العلماني الرامي لفصل الدين عن الدولة!!.
لسنا هنا بصدد قراءة أسباب سقوط مشروع الإخوان وهل يعد سقوط حكم الجماعة في مصر وتضعضعه في سائر البلدان سقوطا للإسلام ذاته، كما يهلوس البعض، لكننا بصدد تسليط الضوء على مشروع حقيقي جرى التخطيط له منذ قرون وتنفيذه بخطوات ثابتة حيث وصل الآن إلى مراحله النهائية وهو المشروع اليهودي بدلا من الدخول في مهاترات حول مصطلحات لا أحد يعرف ما حقيقتها ولا أصلها وفصلها مثل المشروع الإسلامي والعلمانية و(الليبرالية طريقنا إلى المستقبل) كما قال أحدهم قبل عشر سنوات!!.
من الناحية اللغوية فمصطلح (مشروع) بمعنى: التخطيط والإعداد والسعي والبناء وصولا لتحديد هدف كبير أو صغير، لا وجود له في لغتنا الجميلة!!.
مصطلح (مشروع) الذي يستخدمه الحركيون الإسلاميون project هو مصطلح لا وجود له في ثقافتنا الفكرية التكوينية بغض النظر عما إذا كان يتعين علينا إيجاده وإثباته أم لا!!.
يمكن لمن أراد التأمل في هذه المسألة مراجعة قواميس اللغة مثل لسان العرب ليعرف أن شرع يشرع تعني بدأ يبدأ، أكمل أم لم يكمل!، وأن الشريعة هي وصف خط أو مسار لنهر أو طريق مستقيم أو متعرج يلتزم المرء بالسير بجواره وأن الأمر لا يعني بالضرورة الوصول إلى هدف بعينه نبيلا كان أم وضيعا!!.
الشيء الثابت أيضا أن التيارات المتغلبة على فضاء الفكر الإسلامي ليس لديها أي خطة تهدف للوصول إلى غاية بعينها وفق نهج محدد ودليلنا هو ذلك التباين الهائل بين التيارات (الإسلامية) التي يسعى بعضها لتأسيس أو استعادة دولة خلافة مقرها اسطنبول وزعيمها أردوجان بينما يسعى البعض الآخر لدعم شرعية نظم ملكية أو وراثية يزعم بعضها أنه يطبق أو يطربق الشريعة الإسلامية في حين يزعم البعض الآخر أن شرعيته مستمدة من الأمر الواقع ومن الحفاظ على الأمن والهدوء والاستقرار!!.
الشيء الثابت أليس بين تلك (المشاريع) مشروع واحد يتحدث عن المستقبل أو يرسم صورة مغايرة لتلك الصورة المؤلمة التي صبغت أغلب فترات تاريخنا المسمى بالإسلامي بما فيها (مشروع) استعادة الخلافة العثمانية بثوب جديد يرتدي فيه السلطان العثماني الجديد القديم سليمان أردوجان رابطة عنق ويسعى لغزو أوروبا عبر الانضمام للاتحاد الأوروبي وسبي نسائها بنظراته الفتاكة وليس عبر السيف كما كان يفعل جده اللا قانوني واللا إنساني!!.
الواقع يقول أنها (مشاريع فاشلة لترميم بنى منهارة وأفكار أكثر انهيارا)، إن أحسنا بها الظن إذ ليس من بينها مشروع واحد يعمل على تجميع قوى الأمة الإسلامية المفككة والمتناثرة ومن دون أي مبالغة يمكننا الزعم أنها مشاريع لا نتيجة لها سوى المزيد من تفكيك وتدمير ما تبقى من تماسك الأمة الإسلامية ووجودها.
على الناحية الأخرى فمن المؤكد أنه كان ولا زال هناك مشروع أو خطة يهودية لجمع (الشتات الذي تفرق.. حول الهيكل الذي تهدم) ليس اتكاء على قوة خارقة يمتلكها اليهود بل ليقينهم بأن (أصحاب المشروع الإسلامي المزعوم)، قد دخلوا في غيبوبة عميقة ممتدة منذ قرون وأنهم في سكرتهم يعمهون وأن أناسا يسهل إقناعهم بأن الداء هو الدواء وأن السم هو الترياق وصولا للتنافس في تنفيذ خطط للدمار واعتبارها مشاريع للتقدم والبناء، هم أناس مهزومون قبل أن تبدأ الحرب أو يجري إطلاق طلقة واحدة.
السؤال المهم هو: متى كان للمسلمين خطة معتمدة مستندة إلى حقائق الدين وإلى مسار رسالي يمكن لم يقرأ تاريخ المسلمين أن يعثر عليها؟!.
باستثناء الذين يؤمنون بالمهدي المنتظر والذين يعتقدون أن واجبهم هو تمهيد الأرض لظهور الإمام فلن تجد مثل هذه الخطة أو هذا المشروع.
وباستثناء الدولة الفاطمية التي نجحت في إنجاز مشروع حضاري عظيم، فلن تجد مثل هذا الشيء في تاريخ المسلمين ولن تجد سوى الكر والفر وجمع الغنائم وسوق السبايا قبل أن تنتقل هذه الدولة أو تلك من الهجوم إلى حال التراجع والدفاع ثم الهزيمة التي أضحت شبه نهائية بسقوط الدولة العثمانية السلجوقية وسقوط أغلب بلدان العالم الإسلامي في حالة التبعية الكاملة للقوى المنتصرة منذ بداية القرن العشرين.
المخجل والمشين أن الغرب المنتصر على العالم الإسلامي في الحرب العالمية الأولى عاد وبعد ثلاثين عاما ليدخل في حرب كونية ثانية خرج منها مدمرا ورغم ذلك بقي المسلمون في حال الهزيمة ولم يتمكنوا من الاستفادة من هذه الأوضاع التي لم يستفد منها سوى اليهود الذين نجحوا في فرض إرادتهم وتأسيس دولتهم في أعقاب هذه الحرب.
وباستثناء الجمهورية الإسلامية في إيران فإن المؤمنين بالمهدي المرتقبين لظهوره لم تكن لديهم خطة محددة لمواكبة أو للإعداد لهذا الحدث الكوني الزلزال الذي سيعيد موازين القوى في العالم لنصابها الحقيقي الذي بقي مختلا أغلب فترات التاريخ.
المؤمنون بنظام كوني جديد تسوده العدالة الإلهية في ظل دولة إسلامية يقودها المهدي المنتظر إمام الحق من آل محمد يتعرضون الآن لهجمة شرسة من قبل فريق من المسلمين لم يكتف بإنكار الحقيقة المهدوية ووضعها ضمن إطار مذهبي يخص فريقا من المسلمين دون غيره، بل سعى جاهدا وبالتعاون مع الفريق اليهودي المناهض للظهور المهدوي مثلما ناهض أجدادهم الظهور المحمدي الرسالي لوصم الحراك المهدوي بوصمة عرقية عنصرية فارسية رغم أن يهود الشتات الذين اجتمعوا على أرض فلسطين لا يجمعهم عرق ولا لغة أصلية بل هم خليط من الأعراق والأجناس جمعوا من شتى بقاع العالم ليوم الله الآتي لا ريب فيه!!.
يبقى السؤال عن نقطة انطلاق المشروع اليهودي ومتى بدأ وهو المشروع الذي يسميه البعض تأدبا وتلطفا بالمشروع الصهيوني رغم أن أصحابه يصرون على وصفه باليهودي وهو يهودي بالفعل لأنه يمثل الغالبية الساحقة من اليهود ولا عبرة لدينا بالمعارضة اليهودية الداخلية!!.
الغالبية تتحدث عن وعد بلفور الصادر أوائل القرن الماضي أعقاب الحرب العالمية الأولى والبعض الآخر يرجع بدء هذا المشروع إلى نهاية القرن التاسع عشر بينما نعتقد نحن ومن خلال قراءة التاريخ أن نقطة البدء في المشروع اليهودي المعاصر كانت في مصر في الحقبة التي أعقبت سقوط الدولة الفاطمية في مصر حيث فقدت الأمة الإسلامية كيانها الحضاري الأبرز والأقدر على مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية وبات واضحا أن إمكانية تأسيس كيان إسلامي يحمل ذات المواصفات أصبحت حلما مؤجلا لأجل لا يعلمه إلا الله.
اليهودية التي نتحدث عنها في هذا البحث ليست تلك الديانة التي جاء بها موسى علي السلام بل تلك اليهودية التي تعبد عجل الذهب الذي صنعه السامري وهو ذات الخط الانحرافي الذي ضرب الإسلام ضربة قاسية أفضت إلى هيمنة نهج التضليل والانحراف على مقدرات الأمة الإسلامية حيث صرنا نرى ونسمع إسلامات ليس من بينها ذلك النهج الأصيل الذي نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المرسلين.
في ظننا أن استبدال كلمة الصهيونية باليهودية لا ولن يفيدنا في شيء على الإطلاق.
كلا العالمين، المسيحي والإسلامي سقطا في ذات الفخ المنصوب من قبل المخطِطِ اليهودي العالمي، من حيث غياب أي رؤية لمستقبل الجماعة الإسلامية أو المسيحية والوقوع في فخاخ المشاريع الانفعالية الثأرية حيث نرى الآن وبوضوح كيف أصبح كلاهما مجرد ألعوبة بيد هذا المخطط.
الجماعة المسيحية التي انطلقت لغزو المشرق العربي والاستحواذ على القدس فيما بات يعرف بالحروب الصليبية التي قادتها الكنيسة الكاثوليكية آنئذ لم تترك يهوديا واحدا في فلسطين عامة أو في بيت المقدس، كما يروي الدكتور علي السيد علي في كتاب: القدس في العصر المملوكي (ط دار الفكر 1981) ص 100: بقدوم الصليبيين إلى بيت المقدس لم يبقوا بها يهوديا واحدا على قيد الحياة فقد جمعوا اليهود في الكنيس الخاص بهم وأشعلوا بهم النار، حيث مات عدد كبير منهم وأسر من أفلت من الموت حيث بيع ثلاثون يهوديا بدينار ونتيجة لهذه المذابح فقد هرب من تبقى منهم حتى كادت مدن فلسطين تخلو تماما من اليهود.
كما ذكر الرحالة اليهودي بنيامين التطلي الذي زار فلسطين عام 1173م أن فلسطين تكاد تكون خالية من اليهود.
من أين جاء (يهود فلسطين) الذين يدعو البعض الآن لضمهم إلى الاستفتاء على مصير فلسطين وهل هم من أبناء فلسطين الأصلاء أم أنهم مهاجرون أغراب استوطنوا هذه الأرض بعد فتح باب الهجرة إليها على يد الأيوبي صلاح؟!.
ونمضي مع الكاتب النحرير وهو يمجد في سيده صلاح الدين معددا أهم إنجازاته ومن بينها فتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين: وبفتح صلاح الدين للقدس عام 583هـ 11187 بدأت فترة جديدة لليهود في المدينة فقد رفع حظر سكنى اليهود في فلسطين والقدس حيث أخذ اليهود في العودة من مخابئهم إلى فلسطين ابتداء من سنة 590هـ 1190م حيث أعلن السلطان السماح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس.
أي عودة يتحدث عنها ذلك المغفل؟!.
وتشير بعض المراجع إلى تدفق أعداد من اليهود على بيت المقدس سواء من المدن التي خضعت للحكم الإسلامي أو من أوربا حيث وفد إليها اليهود المغاربة سنة 1198مـ كما أتت إليها أعداد من اليهود من فرنسا وألمانيا وفي سنة 1215 وصل اليهودي صموئيل بن سيمون وذكر أن أكثر من 300 من الربابنة من جنوب انجلترا وفرنسا. وخلال سنوات قليلة من حكم صلاح الدين أعيد المجتمع اليهودي في القدس وتجمع اليهود من كل حدب وصب عائدين للمدينة، كما أتى مع هؤلاء الوافدين عدد كبير من علماء اليهود وربانيهم، كما ذكر مؤرخ يهودي أن الملك العادل أخا صلاح الدين استقبل الوافدين من اليهود عام 1211 وسمح لهم ببناء مدارس ودور عبادة يهودية وعلى رأس هؤلاء الرابيان الفرنسيان شمشون بن إبراهيم الشنازي وينواثان اللونلي، كما ستمرت هجرة هؤلاء اليهود إلى بيت المقدس طيلة عهد صلاح الدين وأسرته من بعده!!. ص 101.
كما يقول ذات الكاتب: من الطبيعي أن ينهج سلاطين المماليك نهج سادتهم الأيوبيين في معاملتهم لليهود حيث لم يمنعوا إقامة اليهود في بيت المقدس حيث جاء إليه سنة 1267 رابي موشى بن نحمان وأعاد إحياء الطقوس الدينية اليهودية وبنى بها كنيسا يحمل اسمه مما يؤكد استمرار هجرة اليهود إليها طيلة عهد المماليك. ص 102.
عاش هؤلاء اليهود الذين هاجروا إلى القدس على الصدقات التي ترسل إليهم من بلدانهم الأصلية وتولى هذه المهمة نظام (الحالوقاة) أو التوزيع، وكان يسافر مبعوثون لجمع التبرعات وبمجيئ القرن السادس عشر الميلادي أصبح هناك مجموعتان لجمع التبرعات من يهود أوروبا والعالم. ص 103.
الطريف أنك عندما تقرأ ما كتبه ذلك الباحث المصري وتلاحظ ذلك الكم الهائل من التبريرات والاعتذارات للسلوك الأيوبي المتواطئ مع اليهود ووصفه بالتسامح، تدرك بسهولة ويسر كم الغفلة التي أصابت أمتنا التي تصرخ الآن وتئن من الهيمنة اليهودية بعد أن تحول هؤلاء (المساكين) القادمين من اصقاع الأرض إلى جبابرة وفراعنة يعيثون في الأرض فسادا ويقتلون (أحفاد السيد صلاح الدين) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من الخوف والرعب والقتل حرقا الذي ألحقه بهم (الفرنجة حلفاؤهم المعاصرون)!!.
أما الأكثر إثارة للدهشة: فهو كيف انتقلت المسيحية الغربية، خاصة جناحها الكاثوليكي من حالة العداء مع اليهود قتلة المسيح حسب اعتقادهم لتصبح حالة تحالف وصولا لتبرئة اليهود من دم المسيح!!.
الأسوأ من هذا هو نجاح اليهود في تحويل هذا القطاع الهائل من المسيحية الغربية أي البروتستانت إلى حليف استراتيجي يتبنى المشروع اليهودي بالكامل بل ويعلن عن استعداه للموت دفاعا عن أعداء الأمس.
الطريف في الأمر أن إحراق اليهود بالنار لم يكن يوما ما عملا من أعمال المسلمين، رغم أن بعض بني جلدتنا يحاول إلصاق هذا النوع من الأعمال الهمجية بالإسلام زاعما أن الإمام علي بن أبي طالب أحرق جماعة بالنار لأنهم (قالوا له أنت الله)، بينما تقول الحقيقة أن أحدا لم يقل هذا ولا أحد أحرق بالنار، وديننا من هذه الهمجية براء.
سيتساءل البعض عن كون هذا (التسامح الأيوبي المملوكي) الذي فتح باب فلسطين والقدس، هو عمل خياني متعمد أما أن الأمر لم يكن سوى (كرم ضيافة كردي أيوبي) على حساب الأمة العربية والإسلامية التي دفعت ثمنه كاملا بعد ذلك وأن الأمر لايعدو كونه مصادفة سارة أتت بالوجود اليهودي إلى هذه الأرض المباركة بعد أن كان وجودهم معدوما فيها؟!.
الجواب واضح وهو أن السيد صلاح الذي فتح أبواب الهجرة اليهودية لفلسطين هو ذاته الذي عمل بكل ما لديه من وسائل همجية على استئصال الوجود الشيعي من مصر والشام وهو الذي كان يحرص على إبادة الشيعة ومحو وجودهم أينما طالهم سيفه ومعوله!!.
لم يكن رجلا متسامحا محبا للإنسانية كما يزعم البعض.
الأمر الثاني ما ذكرته المصادر التاريخية عن الدور الذي قام به الحاخام الأكبر في التاريخ اليهودي كله، موسى ابن ميمون، حيث
(اختير ابن ميمون طبيباً خاصاً لنور الدين علي أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين. واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد)[1].
الأطم من هذا أن موسى بن ميمون قد استخدم نفوذه في البلاط الأيوبي أولا (لحماية يهود مصر) وهو ما لا نعترض عليه إلا أن من حقنا أن نسأل عن السر الذي حال دون أن تمتد هذه الحماية لملايين المصريين الشيعة من ضحايا يوسف بن أيوب أما الأطم من هذا الأطم فهو ما ذكره المؤرخون (ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد).
يضاف إلى ذلك ما يقوله المؤرخون (وعبر القرون توالت الفتاوى، حول ضرورة بناء الهيكل، والذي أصّل لذلك “موسى بن ميمون” الذي زار القدس عام 1267م، (أثناء العصر الأيوبي) ولفت انتباه اليهود إلى ضرورة بناء هيكل، ليكون رمزاً لوحدتهم.. هيكل مركزي وحيد موحد يكون بديلاً عن أماكن عبادتهم في الكنس , بحيث يتوقف عصر الحاخامات ويبدأ عصر الكهنة ممن يعودون بالعبادة من بدعه المزامير إلى عادة تقديم الأضاحي والقرابين. وذهب موسى بن ميمون إلى أن الهيكل الثالث لن يُبْنى بأيدٍ بشرية، وإنما سينزل كاملاً من السماء[2].
إنه إذا من فتح باب الاستيطان اليهودي في فلسطين ووضع خطة بناء الهيكل الثالث وهو المؤسس الحقيقي للمشروع الصهيوني المعاصر وليس حاييم ويزمان ولا بن جوريون أو حتى نتن ياهو.
المسلمون يحجون ويتوجهون في صلاتهم إلى بيت الله الحرام الذي تتوسطه الكعبة المشرفة ومن ثم فهذا المكان الطاهر هو رمز لوجود الأمة الإسلامية وعنوان لكيانها، في حين فقد اليهود هذه الرمزية الكيانية بسبب ظلمهم (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران 112.
الآن يوشك المشروع اليهودي المتمثل في بناء الهيكل الثالث الذي أسس له موسى ابن ميمون قبل أكثر من 800 عام على بلوغ مراحله النهائية حيث: دعا وزير البناء والإسكان الإسرائيلي أوري أريئيل اليوم الجمعة إلى بناء ما سماه “الهيكل الثالث” مكان المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة.
وذكرت وسائل اعلام فلسطينية محلية أن أريئيل قال في تصريح نقله موقع “إسرائيل موطني”:إن “الهيكل الأول تم تدميره عام 586 قبل الميلاد، بينما تم هدم الهيكل الثاني عام 70 للميلاد، ومنذ ذلك الحين والشعب اليهودي بدون هيكل” حسب زعمه.
وأشار إلى أن “الشعب اليهودي مفجوع منذ ذلك التاريخ ويعيش على أطلال الهيكل”، مدعيا أن “إسرائيل اليوم هي أرض الشعب اليهودي، وهناك من يدعو لإعادة بناء الهيكل الثالث”.
وأضاف أريئيل قائلا “مكان الهيكل يوجد اليوم المسجد الأقصى على الرغم من كون الهيكل أقدس منه بكثير، أما الأقصى فهو المسجد الثالث في الإسلام”.
أين يقف ( المشروع الإسلامي) من هذه التطورات؟!
نحن أمام مشروع يهودي أو صهيوني (كما يحلو للبعض تسميته) يوشك على الاكتمال، ولا نرى في أرض الواقع من يتصدى له عدا المقاومة الإسلامية اللبنانية أو محور المقاومة التي وجهت لهذا المشروع ولهذه الخطط ضربات قاصمة ووضعته لأول مرة منذ 800 عام أمام خطر جدي.
المشروع اليهودي اعتمد منذ بدايته على نقطة الضعف الرئيسية في البنية الفكرية الأخلاقية للطبقة المتسلطة في العالم الإسلامي وهي أنهم اتفقوا على ألا يتفقوا وأن المراقب لا يرى لهؤلاء حماسا للقتال وسفك الدماء إلا في مواجهة إخوانهم في الدين وما أكثر الدعاوى الزائفة التي يستند إليها هؤلاء في تبرير هذه الدموية الموجهة للداخل!!.
لقد استهلكت ما يسمى بحروب (تصحيح العقيدة) الجزء الأكبر من طاقات الأمة وإمكاناتها منذ اللحظات الأولى لبدء تاريخنا الإسلامي.
تلك الحروب المتواصلة وآخرها حرب الدمار التي تتعرض لها سوريا والتي لم تفلح لا في ترسيخ أي عقيدة ومن باب أولى أي واقع كريم يعيشه المسلمون الذين يقتل بعضهم بعضا لأتفه الأسباب وأوهنها.
(المشروع) الذي حمل (الإسلاميين) وحمله (الإسلاميون) معهم إلى السلطة جاء خاليا من أولوية الوحدة الإسلامية بل على العكس فقد تورط هؤلاء في مشاريع الفتنة المذهبية بالتماهي مع المشروع اليهودي وهو ما تسبب في الإطاحة بدولتهم مع أول عاصفة تعرضوا لها.
الآن وعلى أرض الواقع هناك مشروعان: إسلامي وصهيوني.
إسلامي عنوانه (تحرير القدس) وهو مشروع يحدد الوجهة ويضع نقطة ارتكاز حول المجمع عليه وهو قدسية هذا المكان الطاهر التي يتفق عليها أصحاب الديانات التوحيدية في إطارها السماوي قبل تحريفها وتحويلها بدلا من كونها (رحمة للعالمين) لتصبح نقمة على المختلفين المتمردين على الظلمة المستكبرين المفسدين في الأرض و(تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص (83).
مشروع إسلامي يرفض (الإسلاميون) القبول به ويسعون لوأده أملا منهم في إثبات أن مناهجهم المخترعة ومشاريعهم الفاشلة التي استهلكوا أغلب رصيد الأمة في تجريبها هي الأهدى سبيلا.
ومشروع يهودي أو صهيوني يعتمد أولا على غفلة هذا الفريق الذي يرى الدنيا والدين بعين جهله وهواه ويسعى ومعه الأمة إلى حتفه بظلفه.
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء (83).
علينا إذا أن نختار بين مواصلة السير في دروب التيه نحو اللا أين ويمكن لمن يشاء أن يسمي هذا التخبط بما شاء، ويبقى الزعم بأن هذا التخبط يمكن وصفه بالمشروع هو الفجور بعينه.
د أحمد راسم النفيس
27/03/2014
[1] http://www.marefa.org/index.php/
[2] المصدر السابق.