مقالات النفيس

أزمة الإخوان المسلمين أم أزمة كل المسلمين؟؟؟ دكتور أحمد راسم النفيس

نقلا عن الحياة الدولية بتاريخ 6-3-2004.

 

أزمة الإخوان المسلمين أم أزمة كل المسلمين؟؟؟

دكتور أحمد راسم النفيس

نقلا عن الحياة الدولية بتاريخ 6-3-2004.

 

تنبيه: نشر هذا المقال منذ أكثر من أربعة عشر عاما ردا على (صديق قديم) هو الدكتور عصام العريان رحمه الله.

 

يحمل المقال استشرافا لمستقبل الجماعة وربما (تنبؤا) بمحنتها الآن.

 

دكتور أحمد راسم النفيس

‏29‏/09‏/2020

يقول القطب الإخواني عصام العريان في مقاله المنشور على صفحات جريدة الحياة في عددها الصادر بتاريخ 28-2-2004 أن (الداخل الإخواني قد حسم قراره بإنشاء حزب سياسي يشمل جميع الأعضاء و يفتح الباب أمام المصريين بكل انتماءاتهم للانضمام إليه بمن فيهم النصارى… هنا سيكون على الإخوان أن ينتقلوا نقلة هائلة في مشروعهم الإسلامي و هي الخطوة الرابعة و الخامسة من عملهم المعلن من بدايات القرن الماضي تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي و إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق تحقق مصالح العباد).

علي يسار مقال القطب الإخواني كتب القطب اليساري رفعت السعيد مقالا ينتقد فيه جماعة الإخوان و يطالبهم بالاعتذار عما فعلوه سابقا ناقلا عن المرشد الجديد قوله (الإخوان لا يعتذرون).

والواقع أن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم هم الذين لا يعتذرون لأن ثقافة المكابرة وعدم الاعتراف بالأخطاء ومن ثم السعي الدؤوب لتبرير كل ما ارتكب هو جزء أصيل من ثقافتنا العربية و الإسلامية و التي تجاوزنا بها (تجاوزات) من سبقنا من الأمم الذين قالوا (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) أما نحن فنعتقد انه لن تمسنا النار لا أياما معدودة و لا حتى ثواني معدودة ويكفي أننا قد منحنا من ارتكب أبشع الجرائم في حق أمتنا على مدى التاريخ أجرا واحدا كونه قد اجتهد فأخطأ أما من اجتهد فأصاب فله أجران فلماذا يعتذر الإخوان عن قتل من قتلوه أو عن المساهمة في قتل أي تحول سلمي نحو الديمقراطية طالما امتلكوا أدوات التلفيق والتبرير والقدرة على مخاطبة مشاعر الجماهير واستدرار عطفها فهي دائما مع المظلوم حتى و لو كان هو الذي جاء بالظالم و سلطه على الجميع قبل أن يتسلط عليه (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) و هذا هو جوهر الصراع الإخواني الناصري!! و لماذا يعتذر غير الإخوان ولماذا يعتذر اليسار أو اليمين أليست جميع المسائل تمام التمام؟؟!!.

نعود إلى جماعة الإخوان المسلمين التي يعتقد القطب الإخواني أنها قاب قوسين أو أدنى من المرحلة الرابعة و الخامسة (؟؟!!) و يتحدث بلهجة لا تخلو من الحماس عن أن أي عملية ديمقراطية برعاية أمريكية ستأتي بأكبر المعترضين على الهيمنة الأمريكية و أن الحزب الإسلامي (الإخواني) سيكون أحد فرسان المقدمة الثلاث وهو تقدير لا يخلو من الصحة في ظل تلك الأوضاع البائسة التي ازدادت بؤسا و تدهورا بسبب ما يحدثنا عنه ذلك القطب من بزوغ نجم العسكريين!!.

وهنا مربط الفرس فمن الذي جاء بهؤلاء العسكريين وحملهم على جناحه إلى السلطة؟؟.

نعود إلى مقال القطب الإخواني لتراه يعزو ذلك إلى (مرحلة السيولة التي عاشتها الجماعة وقت سريان الحل و السعي إلى التغيير الفوقي والاتفاق مع جمال عبد الناصر الذي نجح في حشد الضباط الأحرار وكانت غالبيتهم من ضباط ينتمون إلى الإخوان ثم كان الانقلاب الذي لم يرض عنه المرشد ثم الخلاف بسبب طبيعة المرشد الجديد القانونية التي تحترم الدستور والقانون و تطالب بعودة الحياة النيابية باستمرار). أ. هـ

إن هذا الكلام يشير بوضوح إلى أن الأزمة ليست أزمة إخوان فقط ولا أزمة مسلمين بل هي أزمة أمانة وأخلاق وصدق في التعامل مع البشر الذين يراهم الأخ الدكتور مهيئين الآن لقبول هذه الخلطة الفاشلة التي جربت و فشلت فشلا ذريعا و هي الآن أمر محتمل الحدوث بوساطة أمريكية ستدفع (الحزب الإسلامي) إلى قمة السلطة عبر الانتخابات فلماذا لا تقولون الحقيقة لهؤلاء الناخبين و لماذا تصرون على خداعهم؟!، هذا هو السؤال.

هل كان المرشد حسن الهضيبي غير راض عن الانقلاب و مجيء العسكرتارية الإخوانية الناصرية  للسلطة؟؟.

الجواب نجده في كتاب الأخ صلاح شادي الذي كان مكلفا من قبل قيادة الجماعة بالإعداد لإنشاء حزب سياسي والذي كان أيضا همزة الوصل مع هؤلاء العسكر حيث يقول في كتابه صفحات من التاريخ (وتمضي بنا أحداث الكتاب لتقدم لنا جانبا آخر من عظمة تلك الجماعة (؟؟!!) عندما تصارعها مظالم عبد الناصر وهي مظالم لم تنل رجالها وحسب بالقهر والقتل والتعذيب وإنما تناولت بالتشويه مواقفها من الأحداث فقد تنكر عبد الناصر ومعه ثمانية من أعضاء مجلس قيادة الثورة لبيعتهم مع الإمام الشهيد والصاغ محمود لبيب وعبد الرحمن السندي بعد نجاح الحركة في الوقت الذي تأخر فيه موعد قيامها في يوليو 1952 يوما في انتظار موافقة المرشد حسن الهضيبي الذي ذهب نفر من الإخوان إليه للحصول على موافقته كل هذه الوقائع وغيرها أسدل عليها ستار من التعتيم حتى لا يظهر موقع الإخوان من هذه الحركة وحتى يتيسر لقادتها التحرر من كل قيد حتى لو كان هذا القيد عهدا مع الله يقوم على حكم مصر حكما إسلاميا رشيدا بعيدا عن سلطان الغرب و الشرق على حد سواء) ص 13.

إنه نفس الكلام الذي يؤكده قطب الإخوان و التنظيم السري محمود الصباغ في كتابه (حقيقة النظام الخاص) مؤكدا أن (عبد الناصر) “قد تقلد قيادة تنظيم الضباط الأحرار بعد مشورة الإخوان وحصوله على موافقتهم ولكنه نسي كل هذا و وصف أساتذته بأنهم عصاة”ص 22.

ألم اقل لكم إنها أزمة أخلاق و ليست مجرد أزمة إخوان!!.

السؤال الآخر الذي نود أن نوجهه للأخ الدكتور هو (لماذا قام رجل القانون المطالب بعودة الحياة البرلمانية واحترام الدستور والقانون) بإعادة تشكيل تلك العصابة المسماة بالجيش الإسلامي و في رواية أخرى بالتنظيم الخاص بقيادة (يوسف طلعت)؟؟ وهو القرار الذي أشعل الصراع داخل الجماعة وانتهى باغتيال السيد فايز من قبل أعضاء القيادة المخلوعة ثم توج هذا الصراع بفشل الجهاز الجديد في اغتيال جمال عبد الناصر وتحول الأمر كله إلى كابوس بشع دفع ثمنه أغلب قيادات الجماعة إعدامات وأكثر من عقدين من الزمان في سجون النظام الناصري.

مجرد سؤال نوجهه لأولئك الذين لا يعتذرون بل و يغالطون عمدا مع سبق الإصرار و الترصد.

و الأهم من هذا.

أي فقه و فكر هذا الذي هدى الجماعة صاحبة الفكر الشامل الكامل لمشروعية الانقلاب و التغلب كوسيلة يرضاها الله سبحانه طريقا للإصلاح وهي لم تكن مرة واحدة إذ أن سليل مدرسة الإخوان حسن الترابي قد فعل نفس الفعلة في السودان عام 1989 (و كرر نفس التجربة المريرة في السودان) كما يقول قطب الإخوان؟؟؟.

السبب نراه كامنا في مدرسة الفقه السياسي السائد حيث ينقل أحد منظري الإخوان المعاصرين عن أحمد بن حنبل في اعتقاده (السمع و الطاعة للأئمة و أمير المؤمنين البر و الفاجر و من ولي الخلافة فاجتمع عليه الناس و رضوا به و من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة و سمي أميرا للمؤمنين و الغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر منهم و الفاجر و قال أيضا و من خرج على إمام المسلمين و قد كان الناس اجتمعوا عليه و أقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين و خالف الآثار الواردة عن رسول الله ص فإن مات الخارج على هؤلاء الأئمة مات ميتة جاهلية و لا يحل قتال السلطان و لا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل هذا فهو مبتدع على غير السنة و الطريق).

إذا فالأزمة هذه المرة ليست أزمة الإخوان بل هي أزمة واردة إليهم من عمق الفقه الإسلامي الذي يحتاج هو الآخر إلى مراجعة شاملة تتعدى تلك الترهات الشكلية التي يسمونها تحولات الإخوان و الجماعات تلك التحولات التي تفتقر إلى أدنى عمق فقهي و لا تتعدى قيمتها قيمة أي تصريح يدلي به أتباع أي حزب سياسي لا يدعي الاستناد إلى الفهم الكامل الشامل للإسلام و الدين كما يزعم هؤلاء.

و نعود إلى المرحلة الرابعة و الخامسة التي يزعم الإخوان أنهم على وشك بلوغها بل و اجتيازها و هم قد حاولوا القيام بهذه المهمة في العام 1952 من خلال ثورة يوليو الإخوانية التي جاءت إلينا بالعسكريتاريا الحاكمة في العالم العربي و التي أجهزت على كل فرص التحول الديمقراطي التي كانت قائمة آنئذ و كان أن دفع الإخوان ثمنها غاليا و أفضت بنا إلى أننا أصبحنا في انتظار ما تجود به علينا الإمبريالية الأمريكية وإصلاحاتها المفروضة والتي تشير كل الدلائل إلى أن أغلب من يعلنون رفضهم العلني لها يفعلون ذلك على طريقة (يتمنعن وهن راغبات).

نعود إلى السؤال الأهم عن مستقبل الإخوان والذي يرى الأستاذ جمال البنا في حديثه المنشور في نفس العدد أن (ازدهارهم وتمددهم جرى بسبب فراغ الساحة أو بسبب وجود ما هو أسوأ) وهو ما نعتقد بصحته تماما و من هنا فالأزمة التي تعاني منها الأمة وليس الإخوان هي أزمة ناجمة عن حالة الشلل الذي أصاب الفكر والفقه الإسلامي و أقعده عن محاولة إيجاد حلول لأزمات الأمة ومشاكلها تتعدى تلك الشعارات التي أطلقتها جماعة الإخوان و جعلت منها المتاح الوحيد على الساحة.

إنها إحدى أخطر الأزمات لأنها تجعل خيار الأمة محصورا بين عدة خيارات أحلاهما مر إما استمرار الديكتاتوريات الحاكمة من دون بروز أي أفق إصلاحي أو الارتماء في أحضان هؤلاء التلفيقيين الإسلاميين أو الانتظار حتى يأتي جودو بإصلاحاته الموعودة و نحن منتظرون.

دكتور أحمد راسم النفيس

الأستاذ بكلية الطب جامعة المنصورة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى