دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: العراب محمد رشيد رضا: الرجل المؤامرة!!
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: العراب محمد رشيد رضا: الرجل المؤامرة!!
قبل عدة أعوام أعربت عن رأيي في المدعو محمد رشيد رضا المؤسس الحقيقي للإخوان وواضع ركائز الاختراق الوهابي لمصر وقلت أنه جاسوس بريطاني ولم يكن هذا مجرد رأي بل معلومة مستندة إلى وثائق منشورة في كتاب عن محب الدين الخطيب وهو كتاب يستند إلى وثائق من مكتبة هذا الشخص.
سبب لي هذا الرأي بعض الأوجاع والصداع رغم أنها كانت جلسة ضيقة إذ كيف لمن هو مثلي أن يرد على من هو مثله؟؟!!.
الآن وأثناء كتابتي عن السيد جمال الدين الأفغاني تكشف لي المزيد من الخبايا عن الدور المخابراتي الذي اضطلع به الناموس الجاسوس في حرف تيار النهضة الذي أسسه السيد الأفغاني وتلاميذه النهضويون مثل الشيخ محمد عبده ولماذا انحرف التيار الإسلامي في مصر وتحول إلى تيار هدم وتخريب بدلا من مواصلة واستكمال مسار بناء الوعي والفكر والعقل الإسلامي المستنير بحق.
تنوير بلا نور!!
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور!!
كثيرون يطنطنون عن التنوير ودور العقل وأغلب ما يقال جعجعة بلا طحن لأن دور العقل هو النظر والتأمل في الآيات والبينات سواء تلك التي تحمل عنوان الدين أو في آيات الكون وهذه وتلك كلها نابعة من إرادة الله وحكمته وإذا كان البعض يمتهن الأمية فلا يقرأ ولا يفهم رغم أنه يفك الخط وربما يتحدث عدة لغات فهو كمن وصفهم رب العزة بقوله (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)!!.
أي حركة تنوير بلا مسار أو دون نقطة انطلاق هو سير على غير هدى ولا بصيرة والعامل على غير بصيرة كالسائر على سراب بقيعة لم ولن تزيده شدة السير إلا بعدا وانحرافا عن تحقيق أي غاية.
منذ اللحظة التي أطلت علينا الفتنة الأموية برأسها على يد ابن آكلة الأكباد وتمكنت من فصل رأس الأمة وعقلها علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة عن جسدها، ونحن كما وصفنا الإمام علي ع (مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ وَنُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ وَتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ وَأَيْقَاظاً نُوَّماً وَشُهُوداً غُيَّباً وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ وَسَامِعَةً صَمَّاءَ وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ).
حتى عندما جاءنا أحد أبناء هذه المدرسة من مدرسة النور والاستنارة الحقيقية وليست الزائفة وقام بتنحية العناوين واستخدم خطابا مباشرا تمكن من خلاله من إحياء الروح في جسد الأمة الميت ويدعو للوحدة فهي وحدها طريق النهوض والخلاص واجتمع حوله طلاب الصلاح والإصلاح حتى اجتمع عليه زبانية الأمة وزبانية الاستكبار وقاموا ليس فقط بإفشال دعوته بل عملوا على محو آثارها ومنع إحيائها عبر اختراقها بالجواسيس والمرتزقة وخير دليل على ذلك هو الدور الذي قام به الناموس الجاسوس والذي ما زال ممتدا إلى الآن.
كيف اخترق الجاسوس محمد رشيد رضا حركة النهضة؟!
معلوم أن السيد جمال الدين الأفغاني أبعد من مصر عقب خلع الخديو إسماعيل وتولية توفيق على مصر.
وبعد أعوام قليلة في أعقاب الثورة العرابية أبعد الشيخ محمد عبده من مصر إلى لبنان أولا ومنها إلى باريس ليلحق بالسيد جمال الدين حيث أصدرا من هناك مجلة العروة الوثقى.
يحكي الراوي والنقل عن مجلة المنار عن انتقال محمد رشيد رضا من لبنان إلى مصر (ثم شاء له القدر أن يقع في يديه بعض أعداد من مجلة (العروة الوثقى) التي كان يصدرها من باريس الإمامان: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فقرأ مقالاتها وتأثر بها غاية التأثر ، وتغير كثير من أفكاره، وهو ما عبر عنه بقوله: (ولقد أحدث لي هذا الفهم الجديد في الإسلام رأيًا فوق الذي كنت أراه في إرشاد المسلمين فقد كان همي قبل ذلك محصورًا في تصحيح عقائد المسلمين، ونهيهم عن المحرمات، وحثهم على الطاعات، وتزهيدهم في الدنيا، فتعلقت نفسي بعد ذلك بوجوب إرشاد المسلمين عامة إلى المدنية ، والمحافظة على ملكهم ، ومباراة الأمم العزيزة في العلوم والفنون والصناعات ، فطفقت استعد لذلك استعدادًا .. . ).
ثم سنحت له الفرصة أن يلتقي بالإمام محمد عبده مرتين حين زار طرابلس وازداد إعجابه به بعد المقابلتين، واشتد تعلقه به، وقوي إيمانه بأنه خير من يخلف جمال الدين الأفغاني في ميدان الإصلاح وإيقاظ الشرق من سباته. ولم يجد رشيد رضا ميدانًا أفسح له للعمل والإصلاح من مصر، فهاجر إليها، وقابل شيخه محمد عبده في القاهرة في ( شعبان 1315هـ = فبراير 1898م )، ولم يكد يمضي شهر على نزوله القاهرة حتى فاتح أستاذه بأنه ينوي أن يصدر صحيفة يكون هدفها التربية والتعليم ، ونشر الأفكار الصحيحة، ومقاومة الجهل والتخلف والبدع والخرافات).
في رأينا أن انتقال الشيخ من لبنان إلى مصر لم يكن بسبب إعجابه المزعوم بالشيخ محمد عبده أو بسبب رغبته في مواصلة مشروع التنوير بل لتنفيذ مهمة أوكلت إليه من قبل مكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة وهو الذي كان يقوم بتحريك عملائه ومن ضمنهم لورانس العرب وتوجيههم للقيام بالمهام المنوطة بهم.
من أين لك هذا؟!
وحسب نفس الراوي (أقنع التلميذ النجيب شيخه بأن الهدف من إنشائه صحيفة هو نقل الأفكار الصحيحة لمقاومة الجهل والخرافات والبدع، وأنه مستعد للإنفاق عليها سنة أو سنتين دون انتظار ربح منها).
من أين جاء الشيخ الذي كان إذا ذاك مغمورا مهاجرا من لبنان إلى مصر بكل هذه الأريحية والسخاء وجعلته مستعدا لتحمل نفقات إصدار المجلة مدة عام أو عامين دون انتظار أي ربح منها؟!.
سنرى بعد ذلك عمق العلاقة والارتباط بين محمد رشيد رضا وآل سعود وأيضا كيف أنه كان جاسوسا مكلفا بمهام جسام من المخابرات البريطانية مكتب القاهرة في خدمة التاج البريطاني.
في رأينا أن الغاية الأكبر التي نجح في تنفيذها الجاسوس الناموس إلى حد كبير تمثلت في ركوب حركة النهضة الإسلامية التي أطلقها السيد جمال الدين الأفغاني واختراقها وهابيا وهو هدف حيوي وضروري لاستمرار وبقاء الكيان الوهابي المتربع على عرش الجزيرة العربية، كما أنه ضرورة بقاء وشرط وجود للكيان اليهودي الغاصب لفلسطين.
المصير الذي آل إليه تيار النهضة الإسلامية التي أطلقها السيد جمال الدين ليس اختراعا وليست المرة الأولى التي حدث فيها مثل ذلك في التاريخ والسبب الأساس هو افتقاد التيار للكوادر المؤهلة الواعية وحجم المخاطر المحيطة بها، ومن ثم فقد تمكن ذلك الجاسوس من خداع الشيخ محمد عبده والاستفادة من اسمه وسمعته الناصعة وإعادة توجيهها باتجاه مشروع وهبنة مصر عبر إطلاق تنظيم مسلح هو جماعة الإخوان يسعى للإمساك بالسلطة حيث جاءت نهايته مع إعلان (محمد مرسي) الحقيقة أو الهدف التاريخي للتنظيم (السعودية الراعية ومصر الحامية).
زعم الرجل في البداية أنه داعية وحدة بين السنة والشيعة وجمع كلمة المسلمين حيث يقول صاحب المقدمة التعريفية لمجلة المنار: (واقترح رشيد رضا لإزالة أسباب الفرقة بين المسلمين تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم ، في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل ، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى كالشيعة ، وتُرسل نسخ بعد ذلك من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية ، وحث الناس على دراستها والاعتماد عليها).
إلا أن المسار الذي سلكه الرجل وثيق الصلة بالعرش السعودي الوهابي كان بخلاف ذلك بصورة مطلقة.
أصبح الرجل ومن خلال مجلة المنار التي زعم أنها كانت تمثل امتدادا لنهج الشيخ محمد عبده بوقا للتشهير بالشيعة والافتراء عليهم لا فارق بينه وبين مشايخ الوهابية المعاصرين ولا داعي لتعداد الأسماء.
علماء الشيعة: سماسرة المتعة؟؟!!
ذروة السفاهة والانحطاط بلغها الرجل عندما عزا سبب انتشار التشيع بين عشائر العراق لإباحة المتعة ورغبة شيوخ القبائل في الاستكثار من النساء قائلا: قرأنا في بعض الجرائد أن الدولة العلية قد عزمت على إرسال بعض العلماء إلى سناجق البصرة و المنتفك و كربلا لإرشاد القبائل الرحالة هناك وقرأنا في بعضها أنه قد صدرت الإرادة السنية بذلك فعلاً، ونحمد الله تعالى أن الدولة العلية قد تنبهت لهذا الأمر قبل أن يخرج من يدها بالمرة ، فقد سبقها إليه الشيعة وبثوا الوعاظ والمرشدين في هذه القبائل وغيرها من العربان الضاربين على ضفاف الدجلة والفرات فأدخلوا معظمهم في مذهب الشيعة. يذهب الملا الشيعي إلى القبيلة فيمتزج بشيخها امتزاج الماء بالراح بما يسهّل عليه من أمر التكاليف الشرعية ويحمله على هواه فيها كإباحة التمتع بالعدد الكثير من النساء الذي له الشأن الأكبر عند أولئك الشيوخ , وغير ذلك حتى يكون وليجته
وعيبة سره ومستشاره في أمره فيتمكن الملا بذلك من بث مذهبه في القبيلة بأقرب وقت، ويكتفي من السياسة غالبًا بإفهام القوم أن رئيس طائفة الشيعة المحقة شاه العجم ورئيس الطائفة الأخرى المسماة بالسنية السلطان عبد الحميد , ولا شك أن هؤلاء العربان يكونون عونًا لرئيس مذهبهم إذا وقع خلاف ونزاع (لاقدّر الله) بينه وبين رئيس المذهب الآخر، وإن كانوا في بلاد الآخر، ويمكن للدولة العلية أن تتدارك الأمر بعض التدارك إذا كان الذين تختارهم للإرشاد والتعليم أهل حكمة وغيرة حقيقية يهمهم الإصلاح والإرشاد بحيث يقدّمونه على منافعهم الشخصية، على أن الذي يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة لا يحرم من أجر الدنيا ، بل ربما كان نجاحه أتمّ ، وقد استغنى جميع دعاة الشيعة في تلك القبائل مع حصولهم على غرضهم في نشر المذهب ، وليبدأ دعاة الدولة العلية بمن على شط الفرات، فإن فيهم عددًا كبيرًا لم يزل على مذهب أهل السنة، والله الموفق. المصدر: المجلد الخامس مجلة المنار.
نهاية محمد رشيد رضا: الموت بين يدي آل سعود!!
تحكي مجلة المنار قصة موت الشيخ: كان للشيخ رشيد روابط قوية بالمملكة العربية السعودية فسافر بالسيارة إلى السويس لتوديع الأمير سعود بن عبد العزيز وزوده بنصائحه، وعاد في اليوم نفسه، وكان قد سهر أكثر الليل، فلم يتحمل جسده الواهن مشقة الطريق، ورفض المبيت في السويس للراحة، وأصر على الرجوع، وكان طول الطريق يقرأ القرآن كعادته، ثم أصابه دوار من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقيه أن يستريح داخل السيارة ثم لم يلبث أن خرجت روحه الطاهرة في يوم الخميس الموافق ( 23 من جمادى الأولى 1354هـ = 22 من أغسطس 1935م ) ، وكانت آخر عبارة قالها في تفسيره (فنسأله تعالى أن يجعل لنا خير حظ منه بالموت على الإسلام).
كان هذا جزءا من حقيقة الدور الذي قام به الشيخ محمد رشيد رضا سارق حركة النهضة الإسلامية التي أطلقها السيد جمال الدين الأفغاني والذي لم يتمكن (رحمه الله) من استكمالها على وجهها الأكمل لأسباب من أهمها فقر الوعي المحيط وقلة الرجال وبؤس الواقع بحيث تمكن الناموس الجاسوس من الاستحواذ عليها –أقله في العلن- والزعم بأنه مطلقها وصاحبها وراعيها!!.
لم يكن خروج حركة النهضة عن مسارها مجرد فشل ناجم عن عوامل ذاتية محضة بل كانت خطة إفشال تكاملت فيها الجهود والرغبات إلا أن المخطط الأول لهذه الخطة هو الإنجليزي الذي كان ومال زال يراقب أي تيار نهضوي إسلامي مهما صغر حجمه ويعمل على محاصرته وإفشاله.
تحدثنا سابقا عن دور الرجل في خدمة الاستكبار البريطاني فضلا عن خدماته الجليلة للوهابيين ودفاعه المستميت عنهم وهجومه الوسخ على الشيعة وقد ذكرنا بعضا منه في هذا المقال.
لا يقارن الدور التأسيسي الذي قام به الجاسوس الناموس بالأدوار التي قام بها العملاء الصغار الذين يملأون الفضائيات الآن مهما علا شأنهم أو سطع نجمهم إذ أن أخطر وأهم الأدوار هو الاختراق الاستراتيجي بعيد المدى والذي يتلوى بين الأشجار والأحراش بل ويصل إلى عمق الطرف الآخر بل ويصل به الحد لإقناعه أن محمد رشيد رضا العميل المزدوج يمكن أن يكون مؤسس الحكمة والاعتدال في العالم الإسلامي!!.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
دكتور أحمد راسم النفيس
21/11/2021