
دكتور أحمد راسم النفيس يكتب: فاجعة ميراث البنات وشريعة جنكيزخان!!
موت وخراب ديار!!
المصريون مشغولون هذه الأيام ببلهوانيات وشقلبنات الست أم قمصان كما فقهاء الشهرة الذين يطلون علينا بين فترة وأخرى من أجل إشغال الناس بقضايا من نوع: هل يجب على الأم إرضاع أطفالها أم أن من الضروري توقيع عقد للرضاع؟! وهل يجب عليها أن تمكن زوجها من نفسها فور طلبه أم أن عليه أن يقدم طلبا مدموغا مشفوعا برسوم على الأقل مرة كل عام؟!.
منذ أيام طرقني خبر مهول عن بضع فتيات ليس لهن أخ ذكر مات أبوهن وليس لهن ميراث إلا ذلك البيت الذي يسكنونه وجرى إشراك العم في ملكية ذلك البيت –الحصن والسكن والملاذ- والآن يرغب العم في بيع البيت السكن الملاذ الذي يسترهن من التشرد والضياع وكل هذا وفقا لقانون جنكيزخان أو الياسق الذي حكم عالمنا المسمى بالإسلامي لعدة عقود من الزمن.
مثقفونا الجهلة عديمي الثقافة يصرون أن سلاطين بني عثمان كانوا يحكمون بالشريعة الإسلامية بينما يقول التاريخ عكس ذلك تماما والرواية لابن إياس الحنفي في (بدائع الزهور):
وفي نفس الشهر عقد ملك الأمراء مجلسا دعا إليه القضاة الأربعة ووقع الاتفاق على أن كل قاض يقتصر على سبعة نواب لا غير على عدد أيام الأسبوع وأن القاضي إذا عقد عقد نكاح يأخذ على تزويج البكر ستين نصفا وعلى الثيب ثلاثين نصفا فيأخذ العاقد شيئا والشهود شيئا والبقية تحمل إلى والي القاهرة ولا يتزوج أحد من الناس ولا يطلق إلا في بيت قاض من القضاة الأربعة وأن الوكلاء تبطل قاطبة من باب المدرسة الصالحية فانفض المجلس على ذلك وقامت القضاة فقيل لهم امشوا على الياسق العثماني فاضطربت أحوال القضاة والشهود ومشوا على الحكم.
ومشت الأمور على الياسق العثماني فصار الذي يتزوج أو يطلق تقع غرامته نحو أربعة أشرفية فامتنع الزواج والطلاق في هذه الأيام وبطلت سنة النكاح والأمر لله. ص418
ولك أن تتخيل حكم الفاجعة التي لحقت بهؤلاء البنات اللاتي فقدن الأب وحنانه ورعايته وفقدن أيضا السكن والملجأ فالعم مهما كانت درجة حنانه لا يمكن لها أن تحل محل حنان الأب ورعايته وهؤلاء اليتيمات ليس فقط فقدن الأب بل فقدن كل شيء بينما تتلهى الست أم قمصان أما الشيخ فلان بن علان بن ترتان فهو متلهيٍ بإظهار مهاراته وقدراته الكلامية ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بإقامة العدل وحماية الضعفاء.
ميراث المرأة والعدالة الغائبة
الآن خرج إلى العلن مناداة البعض بما سمي ب(المساواة بين الرجل والمرأة) في العمل والميراث وليس في أصل الإنسانية.
أما عن مقابل العمل فالمساواة بين الذكر والأنثى أمر طبيعي وحتمي ولا غبار عليه ولا اعتبار على الإطلاق لفارق الجنس في هذا الشأن.
أما في الميراث فالأمر جدٌ مختلف لسبب بسيط وهو أن العلاقات الاجتماعية علاقة شراكة ورعاية وليس علاقات مادية وحسب.
كان العرب وما يزالون يعتبرون إنجاب البنات عارا يستدعي وأدها والتخلص منها وهو ما أصبح بعد ذلك ركنا ركينا من إسلامهم الذي يرونه صحيحا ولا يبغون عنه حولا.
التمييز السلبي بين الذكر والأنثى يجعل من إنجاب البنات عبئا ثقيلا ينبغي التحوط منه لئلا يصبح الأمر كارثة لا حل لها.
قبل سنوات وعلى هامش أحد اللقاءات المتلفزة قال أحد شيوخ الأزهر أن ثمة فارق عقائدي بين الشيعة والسنة حول ميراث الذكر والأنثى وأن الشيعة يرون أن الأناث يحجبن الإرث عن الطبقة الثانية من الورثة أي الأعمام وأبناء العم.
عندما سألته هل هذا فارق عقائدي أم فقهي أحس الرجل بالخجل وقال فارق فقهي!!.
سألته ماذ يصنع من حرم من إنجاب الذكور؟! قال يكتب أملاكه باسم البنات حال حياته، مثلما يفعل كل الناس!!.
إنه النفاق بعينه وفي رواية إنها الازدواجية الأخلاقية حيث يعاند فقهاء السلطة الأموية والعباسية النص القرآني والفطرة البشرية ويعاندون أنفسهم نصرة لآرائهم المخترعة!!.
من البديهي أن تتخيل أن هؤلاء الشيوخ المتنطعين الذين يزعمون الدفاع عن شرع الله سيكونون أول من ينقل أملاكه لبناته حال حياته ليتجنب شرب ذات الكأس الذي يسقيه لغيره.
كيف يمكن لهؤلاء الانتقال من هذا النظام الجائر المخالف لشرع الله إلى ما يسمونه بالمساواة بين الذكر والأنثى خاصة وأن قواعد الإرث تشمل عدة أحوال تتجاوز توريث الأبناء فماذا عمن لم ينجب وغيرها من الأحوال التي أجاب عليها القانون الإلهي بإسهاب وتفصيل.
في كتاب (الميراث عند الجعفرية) يقول الشيخ محمد أبو زهرة أنه اقترح على الدكتور عبد الرزاق السنهوري دراسة مقارنة للأحوال الشخصية والمواريث وفقا للمذاهب الأربعة والمذهب الإمامي والمذهب الزيدي ويذكر أيضا أن أول من فتح عيون المذهب الشيعي في الدراسة الفقهية هو (المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم رضي الله عنه) الذي كان يعرض في دراساته بعض آراء الشيعة الإمامية والزيدية وهي الدراسة الفقهية المقارنة غير المقيدة بمذهب واحد وعلى ضوء هذه الدراسة اقتبس قانون الوصية رقم 71 سنة 1946 وهو الذي يجيز الوصية لوارث وعلى ضوء هذه الدراسة أيضا نهجنا فيما كتبناه في أبواب الفقه ذلك المنهج المستقيم وهو الاقتباس من هذه المذاهب والإشارة إلى ما نراه قوي السند واضح المعتمد من آراء الشيعة كأقوالهم في أيمان الطلاق والطلاق بثلاث بلفظ الثلاث وعدم وقوع الطلاق البدعي واشتراط الإشهاد لإيقاع الطلاق ونحو ذلك من الآراء التي نرى في الأخذ بها إصلاحا ونجد في دليلها قوة ونحن نفعل هذا بحق العلم علينا فإن الدارس للتاريخ الإسلامي عليه أن يقصد إليه في كل نواحيه وفي شتى مذاهبه فتراث رسول الله لكل العلماء والباحثين.
ويشرح لنا الشيخ أبو زهرة أهم الفروق بين الفقه الإمامي وبقية المذاهب في قضايا الميراث وهو عدم إقراره الإرث بالتعصيب أو توريث العصبات وهم أقرب رجل ذكر لا يتوسط بينه وبين المتوفى أنثى أي الأعمام وأبناء الأعمام فلا يعد منهم الخال ولا ابن الأخ لأم استدلالا بما رواه البخاري و مسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأقرب رجل ذكر) وبناء عليه يحدث ما هو مشهور من قصر إرث البنات مع عدم وجود أخ ذكر على الثلثين ودخول الأعمام وأبناء الأعمام في الإرث.
واستدل الإمامية على اعتبار قرابة الأنثى كقرابة الذكر بقول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) كما أنهم قد أنكروا صحة نسبة رواية (ألحقوا الفرائض..) إلى رسول الله التي رواها طاووس عن ابن عباس وقد أنكرها ابن عباس كما روى عنه قاربة بن مضروب “قال قلت: روى الناس عنك وعن طاووس أن ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر قال: من أهل العراق أنت؟ قلت نعم قال أبلغ عني أني أقول قول الله عز وجل (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا) وقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) هل أبقتا شيئا ما قلت هذا ولا طاووس قاله فلقيت طاووسا فقال والله ما قلت هذا والرواية لم ترد إلا عن طاووس” أبو زهرة ص 95.
كما أن الفقه الإمامي قد ساوى بين أبناء الظهور وأبناء البطون في حق الإرث أي بين بنات البنت وبنات الابن بينما (لم يعتبر السنيون بنات البنت كبنات الابن ولا أبناء البنت كأبناء الابن) أبو زهرة 96.
المعنى الذي تستبطنه هذه المسألة التي قد تبدو فقهية على خلاف الحقيقة الذي يؤكد أنها سلطوية أموية ثم عباسية أريد بها إنكار حق فاطمة الزهراء سلام الله عليها ثم بقية البنات إلى قيام الساعة في الإرث المالي ومن باب أولى السياسي.
من الناحية الاجتماعية فالجميع يعرف الكوارث التي قد تعاني منها البنات اليتيمات الآتي فقدن الأب حيث يصر قانون معاوية بن أبي سفيان على حشر العم أو أبناء العم الذي قد يكون في البرازيل ويتوقف توزيع الإرث إلى حين حضوره واستلام (حقه) المزعوم ويمكن أن يطالب بثلث سيارة العم المتوفى أو السكن الذي يؤوي من فقدن الأب والسند وساعتها يصبح وفاة الأب (موت وخراب ديار)!!.
وقبل الحديث عن مساواة الذكر والأنثى في الإرث عليهم أن يتنبهوا لهذا الجور الذي يكرسه القانون الأموي الذي ينكر على الأنثى اصل إنسانيتها، ناهيك عن مزاعمهم الفارغة وادعاءاتهم أن (الشريعة الإسلامية) تسوي بين الذكر والأنثى!!. ولا شك أن شريعتهم التي لسيت إسلامية هي شريعة جنكيز خان!!.
دكتور أحمد راسم النفيس
14 سبتمبر 2022